توجه حمد بن خليفة بنفسه إلى إسرائيل ليست مرة بل مرات عدة، وليس لوحده بل وأبناؤه وفريق عمله، التقى خلالها مسؤولي حكومة تل أبيب.
في شتاء عام 1977 وتحديداً 19 نوفمبر منه كان الرئيس المصري محمد أنور السادات ينزل بخطى سريعة من سلم الطائرة المصرية على أرض مطار بن غورين بتل أبيب، في استقبال رسمي وعسكري حافل، كانت مفاجأة سياسية مدوية لم تصب العالم العربي والشرق الأوسط بالذهول فحسب، بل العالم كله، فإلى قبل أربع سنوات مضت على الزيارة كانت منطقة الشرق الأوسط مشتعلة في حرب كبرى قامت بها مصر ضد عدوتها اللدودة إسرائيل.
من رفض الارتماء في أحضان إسرائيل أصبح هو من باع القضية وعقد الصفقات، أما من شمر عن ساعديه وكشف بلاده إرضاء لتل أبيب ودعم بناء الهيكل ودفع أجور تدريبات جيش الدفاع الإسرائيلي وبنى المستوطنات فأصبح «كعبة المضيوم»
كانت الطائرات المصرية تدك الجيوش الإسرائيلية، والجنود المصريون يخترقون سيناء ويحطمون جدار بارليف الذي يعد من المعجزات العسكرية في تلك الحرب، والجنود الإسرائيليون ما بين قتلى وأسرى والتلفزيون والإذاعة المصرية تبث الأغاني الوطنية ابتهاجاً بنصر أكتوبر الكبير.
رحب قادة إسرائيل ورؤساء حكوماتها السابقون وزعماء طوائفها بالسادات وقابله الكنيست والشعب الإسرائيلي بحفاوة كبيرة، زار السادات البرلمان وألقى خطاباً شهيراً أكد فيه أن السلام في الشرق الأوسط ممكن لكنه بحاجة إلى زعماء شجعان على حد وصفه، كانت تلك هي وجهة نظره التي آمن بها وقتل لأجلها، وقامت على أن المنطقة لا تحتمل مزيداً من الحروب، ومصر لم تعد تستطيع تقديم مزيد من التضحيات لجماعات فلسطينية متناحرة وناكرة للجميل.
بعدها بأربع سنوات وتحديداً في 6 أكتوبر 1981 اغتيل السادات على أيدي جماعة الإخوان المسلمين وذراعها العسكرية جماعة «التكفير والهجرة»، وهي الرحم الحقيقي التي ولد عنها تنظيم القاعدة الذي ظهر في فترة لاحقة من الثمانينات وأنتج الكثير من المآسي والكوارث في العالم أجمع.
اغتيل السادات، وأهينت بدلته وتاريخه العسكري أمام جيشه وشعبه، ونزل ضباط وأفراد من الجيش المصري يحملون البنادق خلعوا رداء الوطنية وخانوا قسمهم لصالح التنظيم الإخواني، كان الاغتيال الدموي رداً على زيارته لإسرائيل وإنكاراً لها واعتبرت خيانة لا تغتفر.
وبغض النظر عن تاريخ العلاقة الملتبسة بين السادات والإخوان وإخراجه لهم من المعتقلات والسجون، وتعويمهم اجتماعياً وسياسياً وإتاحة الفرصة لهم للعمل فوق السطح من جديد، وتمكينهم من المساجد والتعليم والجامعات والمعاهد الدينية وبالأخص الأزهر الشريف، ونكرانهم للجميل بقتله بحجة زيارته وصلحه مع إسرائيل، إلا أن كل ذلك تلاشى بعد خمسة عشر عاماً وتحديداً العام 1996 عندما حط شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل رحاله في قطر في أول زيارة لدولة عربية هذه المرة.
كانت زيارة ولا كل الزيارات صافح فيها النساء والتقى طلبة الجامعات وختمها بافتتاح خط اقتصادي وتجاري بين البلدين الصديقين قطر وإسرائيل.
لم تقف العلاقة عند ذلك الحد بل توجه حمد بن خليفة بنفسه إلى إسرائيل ليست مرة بل مرات عدة، وليس لوحده بل وأبناؤه وفريق عمله، التقى خلالها مسؤولي حكومة تل أبيب من رئيس الوزراء إلى وزراء الحرب والخارجية والاستخبارات ورئيس الكنيست وأعضاء المنظمات الصهيونية، فما الفرق بين حمد وأنور السادات؟ ولماذا اغتيل أنور؟
السؤال الكبير أين اختفت الفتاوى العابرة للرقاب والبلدان؟ أين إسالة الدماء لغسل العار كما قالوا في خطبهم ومنابرهم؟ أين الممانعات الإخوانية وصرخات البعثيين العرب؟ أين ذاب القوميون ومناضلو أحزاب اليسار؟ وكيف تراجعت المقالات وصرخات وشتائم الإذاعات وصحف «أبوقرشين» الصادرة في لندن وبيروت وباريس؟ أين ذهب تحليل قتل السادات وحل مكانها الاحتفاء بزيارة بيريز للدوحة والسكوت عنها وتبريرها بالمصلحة والدهاء والذكاء؟ يا لها من جماعات منافقة، غضت العين عن حمد من أجل أموال حمد.
لم تكتفِ الجماعة بذلك، بل إنها تحولت إلى تزوير الوقائع وقلب الحقائق، فمن رفض الارتماء في أحضان إسرائيل أصبح هو من باع القضية وعقد الصفقات، أما من شمر عن ساعديه وكشف بلاده إرضاء لتل أبيب ودعم بناء الهيكل ودفع أجور تدريبات جيش الدفاع الإسرائيلي وبنى المستوطنات فأصبح «كعبة المضيوم».
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة