إن حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل اليوم، ليست معنيةً باستعادة الرهائن الإسرائيليين الموجودين بحوزة حماس وبقية الفصائل، بقدر كونها معنية باستعادة هيبة الردع التي فقدتها بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ولهذا يردد أعضاء مجلس الحرب في تل أبيب مقولة «حرب وجودية» تخوضها إسرائيل الآن، وهي عبارة تشرح الكثير من الحقائق المريرة التي تسكن في ذهنية صناع القرار الإسرائيلي، لأن جرّح أكتوبر بالنسبة لهم أصاب منظومتهم العسكرية والأمنية والاستخباراتية بمقتل، كما كرر «يائير لابيد» زعيم المعارضة الإسرائيلية داخل الكنيست في أكثر من مناسبة.
ودعوني أقول لكم: قد تكون هذه الاستعادة المنشودة بيت القصيد الذي يفرض على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاء إسرائيل في أوروبا استمرار الدعم بمختلف مجالاته، وترديد مقولة: لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها.
ولأن شبح الحرب في غزة خيم على المشهد من جديد بعد هدنة خلقت الكثير من التفاؤل، لابد أن عودة العدوان على المدنيين أظهرت عمق الصراع والعنف الآن، ورفض قادة إسرائيل الإصغاء لأي صوت يعلو ويطالبهم بإيقاف القتال.
والأخبار التي تتحدث عن أسلحة جديدة، ومتطورة لدرجةٍ تستطيع إسرائيل من خلالها غمر مياه البحر الأبيض المتوسط في القطاع بغية فتحها داخل الأنفاق، هي أخبار موثقة في وسائل الإعلام الأمريكية، وهي جزء أساسي من منطق «المراحل» المتفق عليها بين واشنطن وتل أبيب
وقد يكون نتنياهو صادقاً في تصريحه الذي ذكر به «خلافات محدودة مع البيت الأبيض» حول ظروف العملية العسكرية، لكنه أتبع ذلك بالقول: «تلك الخلافات سرعان ما يتم حلها وتفهم الجانب الأمريكي لوجهة النظر الإسرائيلية».
وهنا يجب أن نشير إلى مسألة انهيار التمديد للهدنة وعودة القصف وتعثر المفاوضات بعيد قدوم أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي لإسرائيل، وكأنه أعطاهم الضوء الأخضر ثم رحل.
وأمام هذا المشهد الكارثي لمدنيي القطاع، يستمرّ الجهد العربي الخليجي بالذات، من أجل تحقيق وقف إطلاق النار، فالسعودية ودولة الإمارات تسعيان وتساعدان وتغيثان وتقفان إلى جانب المنكوبين في غزة.
ومصر والأردن وقطر وغيرها من الدول المعتدلة كذلك تنخرط في جهود حثيثة من أجل الغاية نفسها، بينما إيران تكرر أسطوانة مشروخة تقوم على الشعارات والعنتريات وتقف عند حدود الميليشيات بغية تحقيق الهدف من مزايدات رخيصة لا تقدم ولا تؤخر.
والحوثي الانقلابي في اليمن تحديدا، أدخلته إيران على الخط، من خلال قرصنة، وعبث بحري، وصواريخ ومسيرات، وأمريكا على استحياء تنتقد ذلك وتحتفظ بحق الرد، ثم تصمت صمت أهل القبور.
وهنا يحق لكل عربي عاقل أن يقول للأمريكيين ومن معهم: لقد قوضتم سابقاً جهود التحالف العربي الهادفة لمكافحة الإرهاب الحوثي في اليمن، بل ودعمتم الحوثي حين قلتم عنه «مكون سياسي يمني يتوجب التحاور معه»، والآن حين وقع فأس عبثه برأس مصالح إسرائيل ولو من خلال مسرحية، تطالبون بأمن الملاحة البحرية.. ساء ما تحكمون.
وأخيرًا.. قد تصمت المدافع وتتوقف المعارك قريباً، لكن متى تنتهي فصول هذه القضية الفلسطينية بطريقة تضمن تحقيق حل الدولتين؟، متى يجلس الفلسطينيون والإسرائيليون على طاولة حوار من أجل علاقة حسن جوار بين بلدين مستقلين على أساس القرارات الدولية والمبادرة العربية؟، تلك أسئلة يعجز الجميع عن الإجابة عنها اليوم.. لربما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة