حكومة إيطاليا الجديدة.. انقسام بشأن أوكرانيا وجبهة ضد الصين
مع وصول اليمين المتشدد إلى أعلى هرم السلطة في إيطاليا، بدأت التباينات بين أحزابه تطفو على السطح، لا سيما في القضايا الخارجية.
وقادت الزعيمة اليمينية جورجيا ميلوني، ائتلاف اليمين المتشدد إلى الفوز بأغلبية ضئيلة بمجلس البرلمان الإيطالي، بعدما فاز حزبها "إخوة إيطاليا"، إلى جانب حزب ماتيو سالفيني "الرابطة" وحزب سيليفو برلسكوني "فورتسا إيطاليا"، بحوالي 44% من الأصوات، وتستعد ميلوني الآن لأن تصبح "رئيسة الوزراء الأكثر يمينية منذ موسوليني"، بحسب تحليل لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
لكن تلك التباينات في السياسة الخارجية قادت إلى شكوك بشأن "الوحدة المفترضة" للائتلاف اليميني في قضايا السياسة الخارجية، لا سيما في ضوء علاقتهم الممتدة منذ عقود مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
- الهجرة والشرق الأوسط في ميزان إيطاليا الجديدة.. سياسة ميلوني المتوقعة
- اليمين المتطرف في أوروبا.. نصر في روما ومداهمة في برلين
حرب أوكرانيا وصداقة بوتين
وتعود صداقة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني الشخصية مع الرئيس الروسي إلى أول مقابلة لهما عام 2001، وكثيرًا ما تخير زعيم "فورزا إيطاليا" كلماته عن "الموقف العدواني" لروسيا، حيث وصف استفتاء شبه جزيرة القرم عام 2014 بـ"الديمقراطي" وطلب من الاتحاد الأوروبي "جعل كييف توافق على شروط روسيا".
ومن المفهوم أن النقاشات المتعلقة بالانتخابات أثارت إلى حد كبير مواقف ميلوني اليمينية المتشددة وتاريخ حزبها الفاشي الجديد. لكن لعبت السياسة الخارجية دورًا أيضًا في الانتخابات، حيث تمحورت إلى حد كبير حول التحالفات الدولية لإيطاليا والحرب الروسية في أوكرانيا.
واتخذ الائتلاف اليميني بقيادة ميلوني موقفا موحدا على ما يبدو بشأن الحرب، حيث أدان العملية العسكرية الروسية وتجاهل المواقف السابقة الودية تجاه موسكو.
وفي الوقت نفسه، وكما الحال مع الأحزاب السياسية الإيطالية الأخرى على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، تحول الائتلاف اليميني إلى نهج أكثر عدائية تجاه الصين تدريجيا.
وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، ظهرت بعض التصدعات. فقد واجه برلسكوني ردود فعل عنيفة عندما ردد الدعاية الروسية على التلفزيون الوطني، قائلًا إن هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان "مجرد استبدال (الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي) بحكومة مكونة من أشخاص لائقين".
وبالمثل، أصر سالفيني مرارًا على الحاجة لإعادة تقييم العقوبات ضد موسكو، حيث إنها "لا تضر بالطرف المستهدف بالعقوبات بل بالأحرى أولئك ممن يفرضون العقوبات".
وعام 2015، في منشور محذوف الآن على "فيسبوك، انتقد سالفيني الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا بسبب عدم تأييد مواقفه المناهضة للهجرة بالبرلمان الأوروبي، وعبر عن أمنيته "باستبدال اثنين من ماتاريلا بنصف بوتين" بينما كان يرتدي قميصا عليه صورة وجه بوتين، والآن يخضع المتحدث السابق باسم سالفيني للتحقيق بزعم محاولة نقل أموال النفط الروسي سرًا إلى حزب الرابطة.
وفي محاولة للظهور بين الثلاثي، تمكنت ميلوني من أن تنأى بنفسها بعيدا عن مواقفها السابقة الودية تجاه الكرملين. فمن الإشادة بإعادة انتخاب بوتين عام 2018 ووصفه بمؤشر "قاطع" على "إرادة الشعب" والمطالبة باستمرار بإلغاء عقوبات القرم، تحولت ميلوني إلى حامية لمواقف إيطاليا الأطلسية خلال الأشهر القليلة الماضية.
ودعمت الزعيمة اليمينية إرسال معدات عسكرية وأسلحة إلى أوكرانيا، وأصرت على أن رفض فعل ذلك سيتعارض مع المصالح الوطنية الإيطالية وسيضر بشدة بالمصداقية الإيطالية كشريك موثوق. كما تراجعت عن بعض مواقفها السابقة المتعلقة بالسياسة الخارجية، بما في ذلك الخروج من منطقة اليورو ورفع العقوبات عن روسيا في 2014.
وبحسب "فورين بوليسي"، تفهم ميلوني أنه لا يمكن النظر إليها كطرف غير موثوق في الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي الأوسع نطاقا، ولذلك نأت باستمرار بـ"أخوة إيطاليا" بعيدا عن موقفها السابق المناهض لأوروبا حيث اجتذب حزبها المزيد والمزيد من الأصوات.
اتفاق بشأن الصين
وفي حين خلقت روسيا حالة من الاضطراب داخل ائتلاف اليمين، تقود نقاشات السياسة الخارجية الإيطالية بشأن الصين جبهة أكثر اتحادا.
وقد شهدت إيطاليا حكومات تخلف بعضها: الأول، ائتلاف حركة النجوم الخمسة والرابطة المتشكك في أوروبا عام 2018، ثم الائتلاف الأكثر توازنا المكون من حركة النجوم الخمسة والحزب الديمقراطي عام 2019، وأخيرا حكومة ماريو دراجي الموالية لأوروبا عام 2021. واتجهت كل تلك الهياكل بروما من المواقف الودية تجاه الصين إلى موقف أكثر صرامة مؤيدا لأوروبا.
وكان سالفيني جزءًا من الائتلاف الحاكم الذي وقع في مارس/آذار عام 2019 مذكرة تفاهم بشأن مبادرة الحزام والطريق، مما أعطى مشروع الرئيس الصيني شي جين بينج دفعة قوية بالداخل والخارج.
ومع ذلك، ربما أدى رد الفعل الدولي والداخلي الذي واجهته حكومة رئيس الوزراء –آنذاك- جوزيبي كونتي إلى تغيير في الموقف ودفع روما مجددا باتجاه حلفائها الغرب.
وعشية التوقيع، نأى سالفيني بنفسه بالفعل من الاتفاق، معربا عن معارضته القوية لـ"استعمار إيطاليا وشركاتها من قبل قوى خارجية." وفي سحب على ما يبدو لدعمه السابق لمبادرة الحزام والطريق، رفض سالفيني حتى لقاء شي خلال زيارته إلى روما عام 2019 ورفض حضور عشاء رسمي أقيم على شرفه.
ومع تفشي جائحة كورونا والضربة القوية التي وجهتها لإيطاليا تحديدا، أصبحت مواقف زعيم حزب الرابطة أكثر تشددا بشأن الصين.
ومن ناحية أخرى، لطالما كان لبرلسكوني رؤية أكثر عدائية بشأن الصين. وفي البرنامج الانتخابي لانتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019، نبه زعيم "فورزا إيطاليا" من "التوسع الاقتصادي والسياسي" للصين.
وجاء في الجزء التمهيدي للبرنامج أن "النموذج الصيني، المعارض للقيم الغربية، يمثل تحديا للعقود القليلة المقبلة".
وفي عام 2019، دعا برلسكوني لأوروبا موحدة ذات سياسة خارجية ودفاعية مشتركة يمكنها منافسة قوى مثل الولايات المتحدة، والصين، وروسيا: ووعد بالدفع من أجل سياسة تجارية قادرة على حماية الأعمال الأوروبية والإيطالية من الممارسات الصينية غير العادية والسيطرة على الاستثمارات الأجنبية لحماية التقنيات والمعرفة.
وكثيرا ما أشارت ميلوني نفسها إلى أنه، حال انتخابها، ستدفع حكومتها روما تجاه موقف مناهض للصين أكثر صراحة. ووصفت المذكرة بشأن مبادرة الحزام والطريق بـ"الخطأ الكبير"، وأكدت أنه، بالوقت الراهن، لا ترى شروطا سياسية لتجديد الاتفاق، الذي سينتهي في 2024.
وبعزمها على عدم جعل روما "الحلقة الضعيفة" في التحالف الغربي، تنوي ميلوني تحدي كل الطموحات التوسعية للصين وروسيا.
وعلى عكس الحزبين الآخرين في الائتلاف اليميني، لطالما سعى حزب إخوة إيطاليا لعلاقات أوثق مع تايوان؛ وهناك السيناتور لوسيو مالان من الحزب هو أحد رئيسين مشاركين بالتحالف البرلماني الدولي بشأن الصين، الذي تم تشكيله لتنسيق تعامل الدول الديمقراطية مع الصين.
كما أنه بصفته رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الإيطالية التايوانية منذ 2013، كان مالان أيضًا بين أكثر منتقدي سياسات الصين الخارجية العدوانية في إيطاليا.
وخلال الأيام الأولى للحملة الانتخابية 2022، التقت ميلوني مع ممثل تايوان لدى إيطاليا أندريا سينج ينج لي، مغردة بأنها "ستقف دائما إلى جانب أولئك الذين يؤمنون بقيم الحرية والديمقراطية".
وخلال مقابلة نادرة مع وكالة الأنباء التايوانية "سي إن إيه"، أعلنت ميلوني أنه، حال انتخابها، "ستكون تايوان بلا شك شاغلا أساسيا لإيطاليا".
aXA6IDE4LjE5MS4xNzguMTYg جزيرة ام اند امز