هل للجاسوس التقليدي أهمية في عصر التكنولوجيا؟ أزمة صحفي "وول ستريت" تجيب
احتجاز الصحفي الأمريكي في روسيا، خطوة ألقت بثقلها على ملف الأزمة الأوكرانية الذي لم يراوح مكانه منذ أكثر من عام، وزاد من حدة التوتر بين واشنطن وموسكو.
ففي ظل مشهد دولي ترفع الأزمة الأوكرانية من درجة حرارته يومًا تلو آخر، نكأ احتجاز الصحفي الأمريكي، ملف التجسس بين القوتين العظميين، وأثار تكهنات بشأن سيناريوهات مستقبلية، قد تجد طريقها إلى طاولتي الولايات المتحدة وروسيا.
فماذا حدث؟
احتجزت روسيا في 30 مارس/آذار الماضي، مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال"، في مدينة يكاترينبرغ؛ للاشتباه في قيامه بـ"التجسس لصالح الحكومة الأمريكية". إلا أن الصحيفة نفت التهمة بشدة، وأكدت أن إيفان غيرشكوفيتش حاصل على اعتماد من الخارجية الروسية.
وفي أعقاب ذلك، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، إن الخارجية الأمريكية على اتصال مباشر مع الحكومة الروسية بشأن احتجاز الصحفي الأمريكي إيفان غيرشكوفيتش، بتهمة التجسس.
فيما قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف لصحافيين الجمعة، إن الصحفي الأمريكي "ضُبط متلبساً (بفعل التجسس)" وأن "الحالة واضحة".
فمن هو غيرشكوفيتش؟
- يغطي الشأن الروسي منذ 2017.
- عمل لدى صحيفة "ذا موسكو تايمز" وفي وكالة الأنباء الفرنسية.
- أول مراسل يعمل لصالح وسائل الإعلام الأمريكية يتم القبض عليه في روسيا بتهمة التجسس منذ الحرب الباردة.
ما السيناريوهات المتوقعة بعد اعتقال غيرشكوفيتش؟
يقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إنه بات متوقعاً، أن ترد الولايات المتحدة على روسيا بالقبض على شخص روسي يعمل في الولايات المتحدة أو ربما في دول أوروبا.
وحذر المركز الأوروبي من أنه حال حدوث هذا، فسيزيد القضية تعقيدا، إلا أنه توقع في الوقت نفسه سيناريو آخر، مشيرًا إلى أن الأزمة قد تجد طريقها إلى الحل من خلال اتصالات يتم تمريرها عبر القنوات الدبلوماسية، لتبادل السجناء.
ما علاقة غيرشكوفيتش بالتجسس؟
يقول المركز الأوروبي، إن خلفية مراسل صحيفة وول ستريت جورنال، تُشجع لأن يكون صيدا ثميناً لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مشيرًا إلى أن الأخير من أصول روسية، هاجرت عائلته إلى أوروبا ثم إلى الولايات المتحدة.
وفيما قال إنه مراسل الصحيفة الأمريكية يجيد اللغة الروسية، وعمل داخل روسيا منذ عام 2017، أضاف أن حرب أوكرانيا، وتوتر العلاقات الثنائية ما بين روسيا والناتو والغرب، يجعل الأطراف بحاجة إلى جمع المعلومات، في مجالات التجسس التقليدي.
وأشار إلى أن "توتر العلاقات بين موسكو والغرب، وترقب الجميع معركة الربيع التي من المحتمل أن تكون معركة دروع ودبابات، ووجود الصحفي الأمريكي، قرب مجمع صناعي في مدينة روسية وتسليمه معلومات إلى عميل يحمل الجنسية التشيكية"، يعني أن واشنطن تحتاج إلى جمع المعلومات حول قدرات روسيا في التصنيع وخاصة الدبابات والدروع التقليدية.
كيف يمكن حل الأزمة؟
- قد يخضع غيرشكوفيتش لعمليات تبادل السجناء أو الجواسيس، والتي تعد آلية دقيقة تتضمن عددًا من الخطوات المتتالية وهي:
- تحديد أسماء المطلوب تبادلها.
- اعتماد السرية عبر القنوات الدبلوماسية والاستخباراتية بدل وسائل الإعلام.
- الاتفاق على مكان تبادل السجناء.
- الاتفاق على دولة وسيطة ثالثة.
- تنفيذ الاتفاق وغلق الملف.
وكانت روسيا أعلنت في 16 أغسطس/آب الماضي استعدادها البحث على المستوى الرئاسي في عملية تبادل سجناء مع الولايات المتحدة، ما عدها محللون "خطوة ستسهم في تخفيف حدة الاحتقان والتوتر في مشهد العلاقات الدولية على خلفية الأزمة الأوكرانية".
وجاءت التصريحات الروسية غداة الحكم بالسجن تسع سنوات على نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غراينر في قضية مثيرة للجدل تتعلق “بتهريب مخدرات”، حيث وصف الرئيس الأميركي جو بايدن إدانة البطلة الأولمبية بأنها “غير مقبولة”، واتهمت الولايات المتحدة موسكو باستغلال قضيتها لانتزاع تنازلات من واشنطن.
وفي وقت سابق أعلنت واشنطن أنها قدمت "عرضا مهما وجديا" لموسكو للإفراج عن الأمريكي المعتقل في روسيا بول ويلان يقضي عقوبة بالسجن 16 عاما بتهمة التجسس، بالإضافة إلى نجمة كرة السلة الأمريكية، بريتني غراينر التي حكم عليها بالسجن تسع سنوات في قضية مثيرة للجدل تتعلق بتهريب مخدرات.
فما آلية تبادل الجواسيس بين الحكومات :
تحديد الهوية والاعتقال: التعرف على الجواسيس المتورطين، عملية طويلة ومعقدة تتطلب جمع معلومات استخباراتية وأعمال مراقبة كبيرة.
التفاوض: تجري هذه المفاوضات بين كبار المسؤولين من الحكومتين المعنيتين، بمساعدة وسطاء أو دبلوماسيين من أطراف ثالثة. وتحدد المفاوضات شروط التبادل، بما في ذلك الجواسيس الذين سيتم تبادلهم، ومكان التبادل، وأي شروط أخرى يجب الوفاء بها.
السرية والأمن: لهما أهمية قصوى؛ فعادة ما يتم إجراء المفاوضات والاتصالات بين الحكومات المعنية من خلال قنوات آمنة، ويتم الحفاظ على سرية تفاصيل التبادل حتى اللحظة الأخيرة لتجنب التسريبات أو الاضطرابات.
وثائق السفر: بمجرد الاتفاق على شروط التبادل، يجب تخطيط وتنفيذ لوجستيات التبادل، والتي تشمل ترتيب نقل الجواسيس، وإعداد وثائق السفر، والتنسيق مع مسؤولي الأمن لضمان عملية التبادل.
ما دور وكالات الاستخبارات خلال الحروب؟
وكالات الاستخبارات تلعب دورًا حاسمًا في ضمان نجاح العمليات العسكرية، فالمعلومات التي تجمعها يمكن أن تساعد القادة العسكريين على اتخاذ قرارات صحيحة، مما يمنحهم ميزة استراتيجية في المعارك والحروب، وغالبًا ما يكون عمل وكالات الاستخبارات خلال أوقات الحرب محاطًا بالسرية .
تُعتبر وكالات الاستخبارات مسؤولة عن جمع وتحليل ونشر المعلومات التي يمكن استخدامها لدعم العمليات العسكرية، ويمكن أن تأتي هذه المعلومات من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية والاتصالات التي تم اعتراضها ونشطاء على الأرض.
خلال أوقات الحرب غالبًا ما يتم تكليف وكالات الاستخبارات بتقديم معلومات حول القدرات العسكرية لـ"العدو" ونواياه وتحركاته وقدرات التسلح. وتلعب دورًا رئيسيًا في تحديد وتحييد التهديدات للعمليات العسكرية، ويشمل ذلك تحديد الهجمات الإرهابية المحتملة والتخريب والتجسس.
وتعمل وكالات الاستخبارات بشكل وثيق مع الجيش ووكالات إنفاذ القانون للتحقيق في التهديدات المحتملة واتخاذ الإجراءات لمنع حدوثه.
ما أهمية العنصر البشري في عالم الاستخبارات؟
يقول المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات إن أجهزة الاستخبارات لم تعد تعتمد كثيراً على التجسس البشري في المستويات الكبيرة والخطيرة مدنية كانت أو عسكرية وإنما تستبدل بها وسائل حديثة من اقتحامات الذكاء الاصطناعي، وبعض الاختراقات التي لا يمكن إثبات من وراءها.
إلا أنه رغم التكنولوجيا والعولمة والتقنيات يبقى العنصر البشري هو الأهم في عالم الاستخبارات؛ حتى إن وكالة "ناسا" بقدراتها الفنية والتقنية الحديثة لا تستطيع ان تقوم بمهام العنصر البشري.
ويقول بيتر ريليي رئيس جهاز المخابرات السويسرية السابق: "بدأت كافّة أجهزة الاستخبارات الصغيرة منها والكبيرة تستخدِم أكثر فأكثر وسائط التواصل الاجتماعي ومحرك غوغل، إلا أنه مع ذلك يبقى العملاء الأشخاص هم الوسيلة الأكثر أهمية".
وأضاف أنه عندما يقوم جهاز الاستخبارات بدراسة حالة ما فإنه دائما ما يسأل نفسه: ما الذي يدور في ذِهن الخصم؟، ولمعرفة ذلك يُمكن بالطبع مُراقبة بَـريده الإلكتروني أو هاتفه، "لكن في نهاية المطاف لابد من الاتصال الشخصي لأنه لا يمكن لأي وسيلة أخرى أن تنوب عنه لمعرفة ماذا يدور في ذهن الخصم ومن هنا تأتي مهمّة العميل".