«سانسيتو» يقلب الموازين.. اليابان على أعتاب تغيير سياسي

بعد النتائج المخيبة للآمال في الانتخابات الأخيرة، هناك إجماع في اليابان على أن أيام رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا باتت معدودة.
ورغم تعهده بالبقاء في منصبه، يواجه رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا أزمة سياسية خطيرة منذ انتخابات مجلس الشيوخ التي أُجريت في 20 يوليو/تموز الجاري.
ورغم أن المجلس هو الغرفة الأقل سلطة في البرلمان الياباني وليس له دور مباشر في تحديد رئيس الوزراء، لكنه مؤشر على الحظوظ السياسية في بلد يعاني فيه القادة من عدم الاستقرار حتى لو تمتع الحزب الحاكم بالقوة وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
ومنذ تأسيسه قبل 70 عاما، حكم الحزب الليبرالي الديمقراطي البلاد حتى هزيمته في انتخابات عام 2009 قبل أن يعود في 2012، لكنه الآن فقد أغلبيته حتى مع الدعم الإضافي من شريكه في الائتلاف "حزب كوميتو" حيث يمتلك الائتلاف الحاكم حاليا 122 مقعدًا فقط من أصل 248 مقعدًا في مجلس الشيوخ، و220 مقعدًا فقط من أصل 465 مقعدًا في مجلس النواب، وهو ما يعني أن قبضته على السلطة باتت ضعيفة.
ومع ذلك، لم يقدم هذا التراجع للحزب الليبرالي الديمقراطي أي دفعة لأحزاب المعارضة الرئيسية فمثلا الحزب الديمقراطي الدستوري، الذي تأسس من اندماج أحزاب عام 2017، والذي نجح في الاستيلاء على السلطة بين عامي 2009 و2012، لديه 148 مقعدًا في مجلس النواب و38 مقعدًا فقط في مجلس الشيوخ.
بدلاً من ذلك، قدم الغضب المتزايد بين الشباب، خاصة الرجال، على وسائل التواصل الاجتماعي دفعة للشعبويين الذين استغلوا أزمات ارتفاع الأسعار والأجانب دون أن يقدموا أي سياسات واضحة.
وكان حزب "سانسيتو"، الذي ظهر من قناة غاضبة على يوتيوب، والذي خاض حملته الانتخابية تحت شعار "اليابانيون أولاً" هو الفائز الأكبر في الانتخابات الأخيرة، حيث حصل على 15 مقعدًا، بزيادة عن مقعد واحد فقط في السابق كما نجح في الفوز بنسبة محترمة تبلغ 15% من الأصوات للمرشحين النسبيين في الانتخابات التي أُجريت على مرحلتين.
وفي ضوء هذه النتائج لا يزال "سانسيتو" حزبًا صغيرًا على الأقل في الوقت الحالي، لكن صعود حزب يميني معاد للأجانب يعد أمرًا غير ضروري في اليابان التي يُنظر إليها وإلى حزبها الحاكم على أنهما معاديان للأجانب بالفعل.
ويبدو أن معظم الغضب مُوجّه نحو التدفق الجماعي للسياح الأجانب، الذين يُمكن رؤيتهم بأعداد كبيرة في مدن شهيرة مثل طوكيو وكيوتو، وهو أمر لا علاقة له بالهجرة، ولكنه يُتيح لـ"سانسيتو" فرصة للحديث عن شرور الأجانب، الذين يزعم الحزب أنهم يشترون الأراضي اليابانية ويرتكبون جرائم.
ويتضمن برنامج "سانسيتو" الأفكار المعتادة لأحزاب أقصى اليمين من نظريات المؤامرة والأكاذيب التي قد تساعده في الانتقال من هامش السياسة إلى مركزها.
ومن بين هذه المزاعم أن جائحة كوفيد-19 كانت من تدبير شركات الأدوية، وأن اليابان سعت إلى تحرير دول آسيوية أخرى خلال الحرب العالمية الثانية، وأن العولمة قد أضرت بطريقة ما بالاقتصاد الياباني القائم على التصدير.
يأتي هذا في الوقت الذي يعاني فيه المواطن الياباني من الارتفاع الطفيف في التضخم، والذي يتراوح بين 2.5 و3.5%، إضافة إلى ارتفاع سعر التجزئة للأرز، وهو غذاء أساسي له مكانته الأسطورية في الثقافة اليابانية.
وفي بيئة تضخمية، ترتفع الأسعار بثبات، فيما تأتي زيادات الأجور بشكل أبطأ، مما يؤدي إلى شعور بالركود وهي أزمات تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على تضخيمها.
ورغم جاذبيتها الشعبية فإن وصفات حزب سانسيتو الاقتصادية غامضة، ومن المرجح أن تكون غير قابلة للتطبيق.
وقال سوهي كاميا، الزعيم الكاريزمي والمؤسس المشارك لسانسيتو، إن المشكلات الاقتصادية في اليابان يمكن حلها من خلال تقليل عدد العمال الأجانب وخفض الضرائب.
ومؤخرا، نقلت وكالة "رويترز" عن روميو ماركانتوني، الباحث في جامعة واسيدا بطوكيو قوله: "من يقرأ الصحف ويتخذ قراراته بناءً عليها يصوت للأحزاب التقليدية، ومن يقرأ الكثير من المدونات، ويقرأ الكثير من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، ويشاهد الكثير من يوتيوب لاتخاذ قراراته، يميل أكثر نحو الأحزاب المناهضة للمؤسسة".
لكن "سانسيتو" ليس الحزب الوحيد الذي يسعى لاجتذاب الناخبين الساخطين فاقترحت أحزاب أخرى تخفيضات على ضريبة الدخل أو خفض ضريبة الاستهلاك الوطنية، البالغة حاليًا 10% كما اقترح الحزب الليبرالي الديمقراطي، دفعات نقدية محدودة تُدفع لمرة واحدة.
ورغم خطورة الأزمة السياسية، جاء رد الحزب الليبرالي الديمقراطي فاترًا، فعلى الرغم من الدعوات لإعادة هيكلة الحزب ليصبح صنع القرار فيه مفتوحًا، انصبّ التركيز بدلًا من ذلك على من سيحل محل إيشيبا مثل المحافظ المتشدد ساناي تاكايتشي، ووزير الزراعة شينجيرو كويزومي، ورئيس الوزراء السابق تارو آسو.
ولا يُمثل أي من هؤلاء مظهرًا جديدًا، ولكل منهم مشكلاته الخاصة فيُنظر إلى تاكايتشي على أنه متطرف وغير قادر على استرضاء الجناح الأكثر ليبرالية في الحزب، فيما كان كويزومي وهو ابن زعيم سابق ضعيفا أما آسو (84 عامًا) فمشهور، بزلاته اللفظية المتكررة.
في المقابل، كرر إيشيبا موقفه بضرورة بقائه في منصبه بعد اجتماع شاق استمر أربع ساعات أمس مع أكثر من 230 عضوًا برلمانيًا من الحزب الليبرالي الديمقراطي.
ويروج إيشيبا لحقيقة أنه نجح في التوصل إلى اتفاق مفاجئ في اللحظة الأخيرة مع الولايات المتحدة تحد من أضرار التعريفات الجمركية على الصادرات اليابانية، خاصة قطع غيار السيارات لكن خصومه يرون أنه مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ الآن، يمكن لإيشيبا الآن الرحيل ويقولون "الامتنان ليس سلعة فائضة في السياسة."
ويرى ماساهيرو موغاكي، إخصائي الشؤون السياسية في المرصد الاقتصادي بجامعة كيو، أنه "ليس من الواضح ما إذا كانت الأحزاب قادرة على معالجة التحديات الاجتماعية الناشئة"، مضيفا أن "التطرف قد يكون استجابةً تلقائية للبشر عندما لا تسير الأمور على ما يرام".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTAg جزيرة ام اند امز