جواهر القاسمي: علينا معالجة الأسباب المادية لظاهرة عمالة الأطفال
قرينة حاكم الشارقة تؤكد بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال أن الانتهاء من ظاهرة عمالة الأطفال يتطلب معالجة المسببات المتنوعة
دعت قرينة حاكم الشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة رئيسة مؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين، إلى المزيد من التنسيق والتعاون بين قادة العالم وصناع القرار والمنظمات الدولية والإنسانية لحماية الأطفال من العمالة المبكرة التي تنتقص من حقوقهم في التعليم والعلاج والرعاية الأسرية والاجتماعية.
وقالت - بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال الذي يوافق 12 يونيو من كل عام - إن الانتهاء من ظاهرة عمالة الأطفال يتطلب معالجة المسببات المادية المتنوعة لهذه الظاهرة وفي مقدمتها النزاعات والفقر والتغير المناخي، ومحدودية الوعي بالحقوق والواجبات للفئات الاجتماعية كافة، لهذا نعتبر أن حقوق الأطفال واليافعين المؤشر الحقيقي لمدى التقدم الذي يحرزه المجتمع الدولي في معالجة القضايا العالقة الأخرى.
وأشارت إلى بيانات منظمة العمل الدولية 2017 التي تؤكد وجود أكثر من 168 مليون طفل تحت الاستغلال .. مضيفة أن "استغلال الأطفال في العمل يعني أنهم يستغلون في الكثير من المجالات الخطرة الأخرى كالتجنيد للمنظمات الإرهابية التي توظف الفقر والحاجة لاستقطاب المزيد لأجنداتها".
وتابعت "لقد استطاعت هيئة الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني حول العالم أن تقلص من حجم عمالة الأطفال بنسبة ملحوظة لكن هذه القضية بالذات لا يمكن حسابها أو التعامل معها بالأرقام؛ بل على أساس كونها ظاهرة تحتاج إلى خطط وبرامج للانتهاء منها تدريجيا، فمعاناة طفل واحد كفيلة بأن تضع الإنسانية جميعها على محك الاختبار الأخلاقي والحضاري".
وحول واقع الأطفال واليافعين في العالم في ظل النزاعات القائمة وما نتج عنها من مآسٍ .. قالت الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي "كيف لكم أن تطالبوا الشباب برد جميل إن لم تقدموه لهم في طفولتهم". وطالبت الدول الغنية والمتقدمة بشكل خاص القيام بمسؤولياتها التي تتمثل بتعميم تجاربها الناجحة في التعامل مع حقوق الأطفال، وحمايتهم من الاستغلال واعتبرت أن كل تجربة في هذا المجال هي إنجاز إنساني يجب أن تستفيد منه الشعوب كافة، وأن مسؤولية الدول التي يتمتع فيها الأطفال بحقوقهم لا تقل عن مسؤولية تلك التي يعاني أطفالها من الاستغلال .. مشيدة بالدور الإنساني الذي تمارسه دولة الإمارات تجاه الشعوب المتضررة والمنكوبة.
وقالت "إن ثقافة العطاء التي ورثناها عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وترجمها قادة وشعب الإمارات بأمانة وإبداع جعلت من دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول من حيث العطاء الإنساني قياسا بناتجها المحلي الإجمالي، وأن المنجزات التي حققتها الإمارات على صعيد التميز في احترام حقوق الأطفال واليافعين وتوفير كافة السبل لهم لممارسة هذه الحقوق تشكل حافزا لاستمرار العمل من أجل أن يتمتع أطفال العالم بذات الحقوق التي يتمتع بها أطفالنا ".
وتابعت " إن اعتماد منظمة الأمم المتحدة للطفولة الشارقة مدينة صديقة للأطفال واليافعين منجز إماراتي نفخر به، وهو نجاح اجتماعي إنساني بامتياز لأنه يتعلق ببناء وتكوين الشخصية والهوية، وتوفير كل الشروط اللازمة لحمايتها من السلبيات التي قد تجلبها بعض السمات الحداثية للعصر وبناء الشخصية لا يتم إلا في إطار حاضنة اجتماعية ومؤسساتية سليمة، وهو نهج طورته إمارة الشارقة منذ عقود بتوجيه ورعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ".
واعتبرت أن التنمية المستدامة التي تعتبر المخرج الوحيد من الجهل والظلام والفقر الذي قد يدفع بالأطفال للعمل المبكر مرتبطة بالانتماء والهوية الوطنية والاجتماعية للأفراد.
وقالت "نؤمن بأن التنمية والاستدامة والاستقرار تتوقف على عمق انتماء الفرد لمحيطه وصلابة مكونات هويته الاجتماعية والوطنية التي تحدد واجباته ومسؤولياته تجاه وطنه، وعلى مدى إخلاصه له واستعداده لخدمته كما نؤمن أن الحضارة والتقدم الحقيقيين نواتهما الفرد والأسرة والاستقرار الاجتماعي".
وتابعت "من أجل تحقيق هذه الرؤية الشاملة سعت الشارقة منذ بداية مسيرتها إلى توفير شبكة من المؤسسات التي تعنى بالأطفال واليافعين؛ بهدف بناء بيئة اجتماعية سليمة وصحية ففي العام 1985 وجه صاحب السمو حاكم الشارقة ببناء أول مكتبة ثقافية للأطفال، هناك اهتمام خاص من قبل سموه بالمعرفة والثقافة التي يعتبرها نواة أي أمة تركت بصمتها على صفحات التاريخ، بل يعتبر التاريخ مسيرة تطور لثقافات الشعوب وعلاقاتها الاجتماعية وأنماط حياتها.. إلى جانب المكتبات بدأت الشارقة منذ أكثر من أربعين عاما من خلال تأسيس مراكز أطفال الشارقة، وتطورت هذه التجربة لتثمر مجلس شورى أطفال الشارقة الذي يشكل عن طريق الانتخاب الحر، ومن ثم جاء تأسيس ناشئة الشارقة ومجلس شورى شباب الشارقة وفي سبتمبر 2016 انطلقت مؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين التي تركز على بناء مهارات وخبرات عالية لدى الناشئة من ناحية وعلى تعزيز مكونات هويتهم العربية الإماراتية وقيم الموطنة والانتماء والمبادرة والابتكار من ناحية ثانية.
وأكدت الشيخة جواهر القاسمي أن الحفاظ على الاعتماد الدولي للشارقة كمدينة صديقة للأطفال واليافعين مسؤولية جماعية تتقاسمها المؤسسات مع الأفراد والمواطنون مع المقيمين.
وقالت إن "الشيء ذاته ينطبق على المؤسسات والشركات في القطاعين العام والخاص التي على عاتقها مسؤوليات كبيرة في مقدمتها مراعاة شروط الاستدامة وحماية البيئة والموارد عند ممارسة نشاطها الصناعي أو التجاري، كما تستطيع أن تشاركنا مهمة تثقيف الآباء والأمهات من موظفيها حول أفضل أساليب التعامل مع أبنائهم وأن توجه جزءا من مسؤولياتها الاجتماعية نحو تنظيم فعاليات ثقافية وترفيهية ورياضية يشارك فيها الأطفال واليافعون، أو إدارة ندوات وبرامج للتعريف بطبيعة العلاقة بين كفاءة الموارد البشرية ونجاح الغايات الاقتصادية".
وأضافت "أما بالنسبة للشركات العاملة في قطاع تطوير العقارات والمرافق على وجه التحديد، فمن واجبها أن تحافظ على مساحات التفاعل الاجتماعي من حدائق وأندية ومراكز تثقيفية وترفيهية، وأن ترتقي باستمرار بنظرتها نحو مستقبل الإمارة وما تحتاجه للحفاظ على هويتها ودورها كحاضنة لجميع الفئات والأعمار، فالتطور الاقتصادي لا يتحقق بدون تطور اجتماعي ومهما حققت قطاعاتنا الاقتصادية من أرباح مادية فإنها لن توازي في قيمتها بناء جيل يحمي منجزات من سبقوه، ويبني عليها وينتقل بها إلى مراحل أخرى".
أما عن مسؤولية صناع القرار تجاه حقوق الأطفال واليافعين. فقالت "سأكتفي في هذا السياق بما قاله الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بأن الحقوق كافة التي يجب أن ينعم بها أبناؤنا هي مسؤولية والتزام وليست تفضلا من أحد تجاه الآخر، وأنا أعتبر هذه الكلمات منه بمثابة تكليف لكل جهة حكومية أو شبه حكومية بأن تضع سياسة تمكين الأفراد من حقوقهم وخاصة الأطفال واليافعين على رأس أولوياتها، وأن يكون اعتماد الشارقة كمدينة صديقة للأطفال واليافعين بمثابة وعد من قبل جميع الجهات المسؤولة لأبناء الشارقة، بأن هذا الإنجاز فاتحة مرحلة جديدة من تعزيز المكتسبات واستمراية تطويرها.".
وشددت رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة على أهمية أن تتكامل الأدوار بين الأسرة والمجتمع في بناء شخصية الأطفال ورعاية حقوقهم.
وقالت "مسؤولية الأسرة كبيرة وحساسة بوصفها الحلقة الأقرب التي يتأثر بها الأطفال الذين يلجأون عند تحديد قرارتهم ومسلكياتهم إلى استحضار صورة الأبوين وتقليدهم ".. مشيرة إلى أن كل منطلقات شخصية الفرد تبدأ من هناك من أسرة مستقرة ومتحابة ومتعاونة، فاحترام حقوق الأفراد داخل الأسرة كالحق في الرعاية والحب والتعبير عن الرأي إلى جانب الحق في المساواة بين الذكور والإناث في كافة المجالات سيؤسس لمجتمع سليم في علاقاته ونظرته تجاه الآخر".
وأشادت بقرار القيادة الرشيدة اعتماد "السياسة الوطنية للأسرة" واعتبرته سبقا ومنجزا إماراتيا يستحق الفخر والاعتزاز لأنه يرسي قواعد متينة لمجتمع حيوي ومستقبل مزدهر.
وحول رؤيتها لمرتكزات بناء الشخصية الوطنية والاجتماعية .. قالت "نحن نعمل برؤية تقوم على حكمة مفادها أن أداء الأفراد لواجباتهم تجاه مجتمعاتهم يتوقف على مدى رعاية هذه المجتمعات لحقوقهم في الصغر، وتتضمن رؤيتنا عدة محاور أهمها .. الحق في الأمن الاجتماعي والاقتصادي وهو أن يشعر الطفل بأنه جزء من أسرة مستقرة ومحيط يهتم به، وألا يشعر بالخوف على مستقبله العلمي أو الوظيفي وهذا يتطلب ابتكار سياسات استيعاب كافة الفئات الاجتماعية بدون تهميش أي منها ويتطلب أن يكون النمو الاقتصادي مستداما وثابتا وأن الثروات التي هي حق للجميع مصانة ولن تتعرض للهدر.
وذكرت أن الرؤية تتضمن الحق في تعليم متطور يرعى المواهب ويتيح المزيد من الخيارات أمام أبنائنا ليستطيعوا تلبية ميولهم وطموحاتهم، وذلك من خلال توفير مراكز للبحث العلمي وتدريب الكوادر البشرية المحلية لتتمكن من المنافسة في سوق عمل مفتوح يزخر بالتجارب من بلدان مختلفة، فالثقة بالمستقبل الوظيفي في غاية الأهمية عند الحديث عن الحقوق لأنها تؤسس لشخصية مستقرة ليست قلقة من التطورات السريعة في قطاعات الأعمال".
و أكدت في ختام حديثها "نحن على قناعة تامة أن بناء علاقة تبادلية متساوية بين الشعوب المختلفة يتوقف على مدى اعتزاز الأفراد وفخرهم بمكونات هويتهم الخاصة، فالثقة بالهوية هي ثقة بالذات وثقة بالآخر وسبب لاستيعابه والتعامل معه والأهم أنها سبب في استقرار العلاقات بين الشعوب والحد من النزاعات، المجتمع الذي يفخر بتراثه وعاداته وتاريخه عصي على الاختراق والتبعية والتقليد الأعمى، لا يحقد على غيره لأنه يرى في ذاته ما يرضيه ويجلب له الاحترام، هذه هي رسالتنا لأطفالنا: كونوا امتدادا لتاريخكم ونواة لمستقبل بشري يليق بكم".