القدس في السينما.. إجابة عن سؤال طرحه قرار ترامب
المهتمون بالسينما لا ينكرون أن التعامل مع قضية القدس سينمائيا كان "خجولا"، لكنهم يرون في المقابل إنه أتاح العديد من الأفكار المهمة
هل تذكَّر العرب الآن قضية القدس بعد إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ هذا السؤال الذي أثير طيلة الأيام الماضية في إطار جلد الذات، كانت السينما هي الإجابة التي يحتمي فيها البعض، مؤكدا أنها تفاعلت مع القضية في محاولة لتشكيل الوجدان والوعي بأهميتها.
ولا ينكر المهتمون بمتابعة تاريخ السينما أن التعامل مع هذه القضية سينمائيا كان "خجولا" نسبيا بالنسبة لحجمها، لكنهم يرون في المقابل إنه أتاح العديد من المشاهد والأفكار المهمة حول فلسطين عموما والقدس بشكل خاص.
ويرصد الناقد والباحث عماد النويري تفاصيل هذا التعامل في كتابه "القدس في السينما"، قائلا: إن البداية كانت من خلال "عزيزة أمير" إحدى رائدات السينما المصرية التي أنتجت وكتبت قصة وسيناريو فيلم "فتاة من فلسطين" الذي أنتج بعد النكبة مباشرة في عام 1948، وأخرجه محمود ذو الفقار، تلاها أفلام من نوعية "الله معنا" إخراج أحمد بدرخان، و"أرض الأبطال" إخراج نيازي مصطفى، وكذلك "وداع فى الفجر" لحسن الإمام، و"أرض السلام" مع المخرج الكبير كمال الشيخ، و"الناصر صلاح الدين" ليوسف شاهين، الذي يُعتبر من أهم الأفلام التي ركزت على قضية القدس، باعتبارها قضية عربية يجري حولها الصراع، وكيف أنها أكثر أمانا في يد العرب لكل الحجاج والزائرين من أي فصائل أو كيانات أخرى.
وأشار الكاتب إلى مجموعة من الأفلام الأخرى عن القضية مثل "فداكي يا فلسطين" الذي أخرجه أنطوان ريمي عام 1970، وشاركت في بطولته المصرية سناء جميل، والفلسطيني اللبناني محمود سعيد، وفيلم "السكين" الذي كتبه غسان كنفاني وأخرجه خالد حمادة، و"المخدوعون" لتوفيق صالح، و"ظلال على الجانب الآخر" للمخرج غالب شعث، وصولا لـ"ناجي العلي" لعاطف الطيب، و"باب الشمس" ليسري نصر الله، وأفلام حديثة أكثر بساطة من نوعية "ولاد العم"، و"أصحاب ولا بزنس"، و"صعيدي في الجامعة الأمريكية"... وغيرها.
بعد ذلك -وكما يقول الكاتب- حضرت القدس سواء بالصور، أو الإشارات المسموعة والمحكية، في العديد من الأفلام العربية، وعبر خطين روائي تجاري، ووثائقي تسجيلي، فبعد حرب 1967 وبروز القضية الفلسطينية كقضية آنية وملحّة لدى الجماهير العربية أكثر من أي وقت مضى، وظهور الفدائي الفلسطيني كمعادل تعويضي للانهزامية العربية الرسمية، لجأ المنتج التاجر إلى استثمار القضية مادياً؛ على أنها سلعة رائجة وأسلوب ناجح في استغلال عواطف الجماهير ومشاعرها الوطنية.
ولم يتوقف الكاتب في رصده عند الأفلام المصرية، لكن أكد أنه من المهم الإشارة أيضا إلى ما قدمته السينما الفلسطينية نفسها.
ويقول في هذا الإطار: "إذا كانت هناك أفلام فلسطينية، فمن روادها ما قبل 1948 محمد صالح الكيالي، إبراهيم حسن سرحان، أحمد حلمي الكيلاني، وجمال الأصفر، لكن الأفلام التي ظهرت عن مدينة القدس بدأت متأخرة كثيراً، وخصوصاً في العقد الأخير من الألفية المنصرمة مثل: "القدس تحت الحصار" للمخرج جورج خليفي، و"بيان عن مآذن القدس" للمخرج جمال ياسين، وفيلم "القدس، أبواب المدينة"، للمخرج فرانسوا أبوسالم، و"القدس.. احتلال مثبت في الحجر"، للمخرج مارتي روزنبلوث، و"النار القادمة" للمخرج محمد السوالمة، وفيلم "ومحوطة بالسور" للمخرج وليد بطراوي، و"كوشان موسى" للمخرجة عزة الحسن، و"القدس يوم إلك ويوم عليك" للمخرج ليون وليامز، بالاشتراك مع تينوس كرارم، وفيلم "القدس وعد السماء" للمخرج إياد داود، و"الذاكرة الخفية، حكاية الجواهرة الثلاثة، عرس الجليل" لميشيل خليفي".
ويضيف: "كما ظهرت أفلام مع الألفية الثانية مثل فيلميْ "خلف الأسوار"و"تذكرة إلى القدس" للمخرج رشيد مشهراوي، وفيلم "جوهر السلطان"، للمخرجة نجوى النجار ، وفيلم "آخر الصور" للمخرج أكرم الصفدي، وفيلم "فورد ترانزيت"، وأفلام"القدس في يوم آخر" و"عمر" و"الجنة الآن" للمخرج هاني أبو أسعد، وفيلم "عبور قلنديا" للمخرج صبحي الزبيدي، وفيلم "صباح الخير يا قدس" للمخرجة سها عراف، وفيلم "يد إلهية" للمخرج إيليا سليمان".
ولم ينسَ الكاتب ما تم تقديمه أوروبيا، فأشار في كتابه إلى أفلام أوروبية صُنعت أو صُورت في مدينة القدس وفي الأرض المحتلة عموما، مثل الفيلم الفرنسي "فلسطين"، و"ساعة ونصف الساعة" لبول لوي سولييه، وقد أنتج بمعاونة الاستعلامات الجزائرية، وهو عبارة عن ريبورتاج صُور داخل الأرض المحتلة، وفي الأقطار العربية، كما أن هناك أفلاما يهودية وصهيونية ظهرت في مراحل مختلفة؛ لتصوير القضية بوجهة نظر مزيفة، وكان ذلك على مراحل طوال السنوات الماضية، لكن تظل السينما العربية، ورغم تعاملها الخجول نسبيا بالنسبة لهذه القضية مكتظة بالمشاهد والأفكار المهمة حول فلسطين عموما، والقدس بشكل خاص طول الوقت.
ومن المهم أيضا إلى جانب ذلك، الإشارة إلى المؤتمرات والمهرجانات التي حملت لافتة القدس؛ مثل مؤتمر المقدسات الفلسطينية باتحاد الفنانين العرب في التسعينيات، وصدرت عنه عدة مطبوعات؛ أبرزها "الصهيونية وسينما الإرهاب" للناقد والباحث أحمد رافت بهجت، كما ظهرت بعض الكتب وأبرزها كتاب "القدس في السينما العربية" للكاتب والبحث عماد النويري وكتاب "فلسطين في السينما" للمخرج قيس الزبيدي الذي يجمع ما رصدته الكاميرا عن فلسطين في تسعة عقود، من وعد بلفور إلى ملحمة جنين، من خلال نحو 800 فيلم شارك فيها فنانون مختلفو الجنسيات من فلسطينيين وعرب وأجانب، وتشمل طيفاً واسعاً من الأفلام الروائية والتسجيلية، الطويلة والقصيرة، ويشكّل هذا الكتاب تحديدا أرشيفيا كاملا لتاريخ السينما الفلسطينية.
كما حمل مهرجان الإسكندرية السينمائي قبل الأخير شعار "القدس في السينما العربية"، حيث عرض فيلم "الطوق الأبيض" للمخرجة الفلسطينية حنين جابر في حفل افتتاح المهرجان، إلى جانب مشاركة مجموعة من الأفلام الفلسطينية التي تتحدث عن القدس سواء الروائية أو الوثائقية أو القصيرة.