عهد التميمي هي طفلة فلسطينية اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد تصديها لجنود حاولوا الاقتراب من منزلها.
أواصل معك عزيزي القارئ ما بدأته في مقالي السابق.. ففي تقديري فإن ممارسات دولة الاحتلال بحق الأشقاء في فلسطين ما هي إلا إعلان صريح عن فشلها في الوصول إلى أي مكاسب، سواء في فكرة التسويق دولياً لفتح جبهة جديدة لإشغال الرأي العام العربي والعالمي؛ لينسى قضيته الأساسية ويقبل بوقائع جديدة تُفرض عليه بشروط احتلالية، أو في ملف الاستيطان أو ملف التفاوض على الأسرى أو غير ذلك.
وفي تقديري أيضاً أنها في أضعف حالاتها دبلوماسياً وداخلياً أيضاً لأنها أصلاً تستمد قوتها عبر فيتو حليفتها وعبر موكليها في كونجرس أمريكا، ومن شواهد هذا الضعف ذلك الرد الذي تلقاه نتنياهو من ماكرون مؤخراً حين سعى إليه مهرولاً أن أنقذني من هذه العزلة التي فُرضت عليّ وعلى ترامب، ومن الشواهد كذلك استجداء الدعم الدبلوماسي أفريقيا عبر الوعود الاستثمارية في دول القارة التي أظهرت نتيجة محدودة التأثير في الجلسة الطارئة حين امتنعت أو تغيبت بعض تلك الدول عن التصويت.. وما ذلك إلا جرس إنذار للعرب مفاده أن لا تتركوا الباب الخلفي لحديقتكم مفتوحاً، يرتع ويمرح فيه نتنياهو وشرذمته، وليُفتَح هذا الملف على أعلى المستويات في لقاءات الأفارقة والعرب عبر الاتحاد الأفريقي. لضمان مواقف صلبة في مخلتف ملفات المنطقة لأنه من المعيب في حقنا أن يكون لجيراننا الأفارقة -وهم الأقرب- موقف مختلف قد يضرنا في بعض الملفات نتيجة تقصيرنا في حقهم، وحتما فإنهم بخطوتهم هذه يعبّرون عن عدم رضاهم عنا لأننا ببساطة لا نستثمر أموالنا ولا نفيدهم ونستفيد منهم كما نفعل مع أوروبا مثلا، وهذه حقيقة مؤلمة انعكس أثرها سلباً علينا.
يجدر بنا تسجيل تحية للدبلوماسية المصرية الحصيفة التي لم ولن تتوانى في تسخير إمكانياتها وصلاحياتها واتصالاتها في مجلس الأمن، منحازة بذلك تمام الانحياز لهذه القضية العادلة كعادتها، لتنجح للمرة الثانية خلال أقل من عام في تسجيل أقوى التحركات الأممية التي تقف إلى جانب فلسطين
لقد تمكن العرب بقيادة مصر من إرباك مصدر تلك القوة وإضعافه دولياً، و يبدو أن الأثر امتد إلى الداخل أيضاً - ويجب أن لا تُهمل ورقة الضغط هذه أيضا لأهميتها – ويُجدر بنا تسجيل تحية للدبلوماسية المصرية الحصيفة التي لم ولن تتوانى في تسخير إمكانياتها وصلاحياتها واتصالاتها في مجلس الأمن، منحازة بذلك تمام الانحياز لهذه القضية العادلة كعادتها، لتنجح للمرة الثانية خلال أقل من عام في تسجيل أقوى التحركات الأممية التي تقف إلى جانب فلسطين أصالة عن مصر ونيابة عن أشقائها، ولابد أن تعمل على تعزيز حجم تأثير المجموعة العربية الأعضاء في الجمعية العامة لتسلمه صلبا لمن سيخلفها في المجلس، كما نأمل أن تواصل مصر الضغط بذات الآليات في اتجاه انتزاع المزيد من القرارات يغلب عليها الطابع الإنساني، وقد نجحت من قبل في تعبيد الطريق للقرار 2234 الذي يجرّم الاستيطان.. لنجرب طرح مشروع قرار يدين اعتقال أطفال فلسطين والاعتقالات التعسفية، خاصة أن التقارير الحقوقية والإعلامية تشير إلى أن عدد الذين اعتقلهم جنود الاحتلال منذ إعلان ترامب بلغ 600 فلسطيني، أكثر من ثلثهم من الأطفال !! وأمست عهد التميمي رمزاً للأطفال الذين يتعرضون للاعتقالات بشكل يومي.. بالله عليكم ألا يستحق هذا الأمر تحركاً دولياً جديداً يُنتزع بموجبه حق أصيل يسلب من أولئك الأبرياء الأبطال؟ لنجرّب طرح القرار عاجلاً.. ولنر إن كانت الولايات المتحدة ستلعب ورقة الفيتو ضده أيضاً وإن فعلت فمزيد من الإحراج داخلياً ومزيد من العزلة خارجياً، وحين يوافق العالم على القرار سيكون مجبراً على الموافقة على حماية قراراته التي لم يحترم هذا الكيان المحتل أياً منها إلى الآن، وبدأت دول صغيرة تحذو حذوها، وبالتالي ربما يكون هذا مبرراً قوياً لإعادة النظر عبر الجمعية العامة في فعالية قرارات مجلس الأمن وجديتها واستقلاليتها، وحتى آلية تمرير القرارات من عدمها خاصة آلية الفيتو الظالمة، وكم نتمنى لو تمكنت المجموعة العربية أو الإسلامية من إضافة مقعد سادس إلى جانب الخمسة الدائمة.
الواقع يقول إن الأشقاء لن يتوانوا في نضالهم الدبلوماسي والسياسي دفاعاً عن القضية الفلسطينية، وإن شاب الفترة الماضية بعض الفتور فإن ذلك لم يكن إلا بسبب حدة الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، الذي استغله المحتل - ومازال يستغله - ووظفه الوسيط الأمريكي منذ العام 1995 على أقل تقدير، لخدمة مصالح اللوبي الصهيوني الذي عمل على تحقيق وعد بلفور ولكن ضمن إطار قانوني.
يجب على العرب أن يستغلوا هذه الفرصة السانحة - التي قد لا تتكرر- لإعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها العادل، عبر قوة القانون الدولي التي لا يعوّل عليه في هذه الفترة للأسف، حيث طوعته الإرادة الصهيونية لخدمتها في فلسطين فحسب، كما يجب أن يوظّف العرب أوراق الضغط في جميع الاتجاهات وعلى مختلف المستويات والمجالات، لاسيما الاقتصادية منها، ونتذكر هنا تلك الحملة الأوروبية التي قاطعت المنتجات الإسرائيلية التي تم تصنيعها أو زراعتها في مناطق المستوطنات، تلك الحملة التي انتفض لها الكيان الصهيوني وتوترت علاقاته بعدد من الدول الأوروبية الكبيرة، وهذا أسلوب مبسط من أساليب الضغط الكثيرة التي يمكن أو تُوظّف على مختلف الصعد.. كما أن على العرب أن يرفعوا سقف الرهان طالما أن ترامب ونتنياهو رفعاه مرات ومرات، وليس هناك من خسارة تُخشى سوى خسارتنا المزيد من الحقوق والأرواح الفلسطينية في حال عدم تحركنا.. وجميعنا رأى كيف كان شكل ومستوى تهديد ترامب الذي استبق به جلسة الجمعية العامة الطارئة حين لوّح بورقة قطع المساعدات عن الدول التي ستصوّت ضد قراره وهو يضم يديه إلى صدره، في دليل على حالة الإحراج الشديد لرجل دائماً ما يتحدث بيديه أكثر مما يتحدث بلسانه! ومن استجاب لذلك التهديد؟ سبع من الجزر الخاضعة كليا للولايات المتحدة، التي يبدو أن بعضها بدأ في تنفيذ جزء كُلِف بالقيام به، لتخفيف الضغط الذي لم تتحمله الإدارة الأمريكية وأثّر على صورتها أمام العالم وأضرّ حتما بعلاقاتها مع حلفائها العرب والأوروبيين، عن غواتيمالا تحديداً أتحدث.. التي على ما يبدو أنها انقلبت علينا ربما لأن أحد عقود استيراد (الهيل أو الحبهان ) للمنطقة العربية انتهت مدتها ولم تجدد..
غواتيمالا هي إحدى الدويلات الصغيرة التي تتلقى مساعدات أمريكية، ويخضع قرارها السياسي بناء على ذلك للمصالح الأمريكية أو لنقل (الترامبية)، وفي رأيي فإنه يجب التذكير دوماً بأن من سبقوا ترامب لم يصل بهم الحال إلى ما وصل إليه هذا الرجل، وكانوا يقفون عند نقطة معينة حين يجدون أن مصالحهم ستتأثر فيما إذا كانوا سيقدمون على خطوة ستغضب أحداً، لذا من الواجب حصر هذه التصرفات الرعناء والطائشة في شخص ترامب والدائرة الضيقة من أعوانه الذين اصطفاهم. ولا أدري إن كان أحد أسدى نصحاً لهذا الرجل بالاهتمام بصورته التي اهتزت نتيجة الكوارث التي يتسبب فيها بشكل يومي لشخصه ولبلاده. لكن رب ضارة نافعة، فالمؤكد أن هذه الرعونة ستسرّع مسألة إعادة تكتّل العرب في مواجهة هذه الغطرسة الترامبية، ومع ذلك يجب أن يقول أحد لترامب إن القدس أكبر منكما ومن الجميع فلا تحرج نفسك أكثر من ذلك، وإلا أفقدت الولايات المتحدة المزيد من هيبتها التي باتت في الحضيض بسبب ما تفعل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة