السخينة.. طبق يهودي ينير موائد المغاربة
لا يخلو الطبخ المغربي من لمسات الثقافة اليهودية، فهي جزء من المكون الحضاري للبلاد، لذا تتداخل الوجبات مع اختلاف بسيط من منطقة لأخرى.
ومن بين أشهر الأكلات اليهودية المغربية طبق "السخينة"، هذا الطبق الذي دأب يهود المملكة على إعداده في المناسبات وأيام الأعياد، يتفنون في صناعته ويتقنون أسراره، يمررونها من جيل لآخر، فهي ثقافة يخافون عليها من الاندثار.
يقول ألبير المالح، رئيس نادي الاتحاد اليهودي بالدار البيضاء، إن الأكلة استمدت اسمها من احتفاظها بالحرارة لمدة طويلة، وترتبط بتعاليم دينية صارمة، ناهيك عن كونها دليلا للتعايش بين المسلمين واليهود على مدى عصور طويلة.
الوجبة هي الأكلة الرئيسية ليوم السبت، الذي يمضيه اليهود صائمين وترافقها بعض المقبلات الباردة التي يتم إعدادها مسبقا، ولا يقتضي تقديمها استخدام النار، إذ تأكل باردة، مثل "الزعلوك"، و"التكتوكة"، والسلطات.
دأب يهود المغرب على إعداد السخينة في منازلهم، ثم إرسالها للفرن الشعبي لتطهى هناك، امتثالا للتعاليم اليهودية التي تقضي بعدم استخدام النار نهار يوم السبت.
مكونات متنوعة
يستخدم في إعداد السخينة الحمص والبطاطس واللحم والبيض والأرز والقليل من التمر، وتستعمل فيه التوابل كالزعفران، والرأس الحانوت والفلفل الأسود، الزنجبيل والزيت والملح بالإضافة إلى الثوم وترسل للفرن ليلة الجمعة ولا تجلب إلا يوم السبت عقب الصلاة.
للسخينة اسم آخر، هو "الدفينة"، إذ تُرجع تسميتها لكونها تطبخ في حفرة داخل الأرض وكأنها مدفونة أو في أفران تحت الأرض، ولهذا تحافظ على سخونتها طوال اليوم.
تقول سليمة الصايغ، يهودية مقيمة بالدار البيضاء، إن طبق "السخينة" دليل ملموس على التعايش الذي لطالما شهدته البلاد بين المسلمين واليهود، كمكونين لا يختلفان، مفيدة بأن يوم السبت الذي هو يوم صيام بالنسبة لليهود، والذين يمتنعون فيه عن القيام بكل شيء حتى الطبخ وإيقاد النار، كانوا يعتمدون فيه على طبق السخينة كمكون رئيسي.
وتفيد الصايغ بأن اليهود يعدون الطبق يوم الجمعة، ويرسلونه للأفران الشعبية التي غالبا ما يشتغل بها مسلمون، هؤلاء يتكفلون بطبخ الطبق، ويعرفون أهميته بالنسبة لجيرانهم اليهود، ويحترمون صيامهم، ومنهم من يتكفل بنقله للمنزل يوم السبت.
شبات
وبحسب المتحدثة فإن مائدة يوم السبت لدى اليهود المغاربة لا بد أن تضم 3 أطباق على الأقل، على أن يكون الدجاج والسمك حاضرين بقوة، علما أن العائلات التي لديها الإمكانيات، تضيف طبق اللحم.
ويمتاز اليوم أيضا بخبز "شباط" الذي لا بد أن يكون مختلفا عن خبز باقي أيام الأسبوع ويحضر من دقيق ممتاز، ويتطلب الكثير من الوقت لإعداده، لا سيما أن العملية تمر بعدة مراحل، والأكثر من ذلك، لا بد أن تحرص المرأة المكلفة بإعداده على الغناء، وهو ما يجعله مميزا.
ويشتكي عدد من اليهود من بينهم المالح من كون أن هذا الطبق التقليدي اليهودي قَلَّت وتيرته بعض الشيء داخل بعض الأسر اليهودية لأن شباب اليوم يرى أن هذا الطبق "ثقيلا" لأنه غني بالسعرات الحرارية، ويمتنع كثيرون من أكله في سعيهم للحفاظ على وزن محدد، في حين يشدد الأجداد على فائدته وقيمته الغذائية.
مزيج
التلاقح الثقافي والاندماج الكبير الذي عاشه المغاربة، يهوداً ومُسلمين، جعل حياتهم اليومية تتقاسم الكثير من العادات والتقاليد في جميع مناحي الحياة، وعلى رأسها المطبخ وما يُحضر فيه من أطباق شهية، بحسب الطباخة الحاجة يطو.
والحاجة يطو طباخة مغربية من أصول أمازيغية، أمضت جُزءاً كبيراً من شبابها، تُعد الطعام لمُناسبات المغاربة، سواء المُسلمين وإخوتهم اليهود في حواري المغرب الشعبية، وحتى الراقية منها، تؤكد لـ"العين الإخبارية" أن الكثير من الأسر المُسلمة تطلب منها إعداد أطباق يهودية في مُناسباتها والعكس.
ولفتت إلى أن نسبة كبيرة لا يُفرقون بين الأطباق ذات الأصول الإسلامية ونظيراتها ذات الأصول اليهودي، مُرجعة ذلك إلى السنوات الطوال التي عاشها الاثنان معاً في جو من الاندماج والتسامح، خاصة وأن اليهود استقروا في المملكة المغربية منذ عام 700 ميلادية.