تافرنوت.. قصة خبز أمازيغي تحن إليه موائد المغاربة
يُعتبر "تافرنوت" مُكوناً أساسياً للمطبخ الأمازيغي، وهو نوع من الخُبز المسطح، الذي اشتهرت به منطقة سوس بداية جنوب المملكة المغربية.
في فُرن انتهل منه اسمه، يُطهى خُبز "تافرنوت" الأمازيغي، بعدما استغرقت النسوة وقتاً لابأس به في تحضير عجينه، قبل أن يوضع على الحصى الصغيرة الساخنة المتواجدة في الفرن، ليُقدم كُمرافق للوجبات اليومية لأهل سوس بالمغرب.
شكل مُميز
يسهل تمييز خبز "تافرنوت" عن باقي أنواع الخبز المُتداول في المغرب، فشكله المُميز يجعله محط اهتمام كبير، يزيده مذاقه المُتميز، نظراً لبعض المكونات ذات المذاق السحري التي تُضاف إليه.
ويتميز شكل هذا الخُبز التقليدي، القادم من مناطق سوس والجنوب الشرقي للمملكة المغربية، بتعرجات واضحة، رسمتها على أجزائه، مواضع الحصى المُسطحة التي يُطهى فوقها، داخل فرن تقليدي، يُدعى أيضا "تافرنوت"، وهو اسم أمازيغي يُشير لهذا النوع من الأفران التقليدية، ونسبة إليه، سُمي هذا النوع من الخُبز.
رشيد عيداني، صاحب مطعم تقليدي نواحي العاصمة الرباط، يوضح لـ"العين الإخبارية" أن لذة خُبز تافرنوت لا تكتمل إلا بطهيه على نار الحطب، وليس في الأفران الكهربائية أو الغازية، مُشدداً على ضرورة عجنه بشكل كثيف ومُتكرر، حتى تصير عجينته لينة مُتجانسة.
وكانت هذه العملية تُكلف نسوة البوادي الأمازيغية ساعات طوال من الجُهد البدني والتركيز العالي، إلا أن العجانات الكهربائية، بحسب رشيد، خففت هذه الأعباء نوعاً ما، لكنها لن تحل أبداً مكان الأيادي التي كانت تستيقظ قبل الفجر، لتنجز هذا الخبز المعجون بالحب والإبداع، على حد تعبيره.
وليكون خُبز تافرنوت مُوافقاً للشروط المعمول بها في المجتمعات الأمازيغية، يجب أن تُقطع العجينة قطعاً مُتساوية، ثُم تُسرح باليد، ليأخذ شكلاً دائرياً، ثُم يوضع بعناية شديدة داخل الفرن المملوء بالحصى الصغيرة، بواسطة لوح خشبي له قبضة طويلة، وبعد نضوجه، يتم تناوله ساخنا إما مع الطاجن الأمازيغي، أو مع الشاي وزيت الزيتون أو العسل.
عشق جماعي
في الجانب الآخر من المطعم، يتحلق العشرات من عُشاق الطعام التقليدي، مُنتظرين أطباقهم التي تأتي دائماً مصحوبة بقطع كبيرة من خبز تافرنوت، والتي تُشد الرحال لمثل هذه المطاعم، خصيصاً لتذوقها والاستمتاع بمذاقها اللذيذ.
يوضح رشيد لـ"العين الإخبارية" أن مُعظم المطاعم المتخصصة في خبز تافرنوت تقع خارج النطاق الحضري، نظراً لصُعوبة بناء الأفران التقليدية داخل المُدن وبين العمارات، مُضيفاً أنها تُعتبر والدُخان المُنبعث منها، إشارة للزبائن مُرتادي الطُرق السيارة أو الوطنية، تدل على وجود مطعم يُوفر هذا الخُبز الشهي.
يوسف، واحد من عُشاق هذا النوع من الخُبز، يوضح لـ"العين الإخبارية" أنه كُلما سافر من مدينة إلى أخرى، خاصة نحو جهة سوس، لا بد أن يتوقف وأسرته لتناول طاجن مرفوق بخبز تافرنوت، مُرجعاً ذلك إلى المذاق الخاص الذي يتمتع به، بفضل طهيه بواسطة نار الحطب على تلك الحصى القادمة من الوديان.
"إنه يُذكرني بالحياة البسيطة"، يقول يوسف مُسترسلاً: "عندما نتذوقه نجد فيه طعم الطفولة والصبا، حين كُنا نزور جداتنا في البوادي، دون الحديث عن طعمه وملمس عجينه الفريد".