"قنبلة جونسون" بشأن أوكرانيا.. ما تنفيه ألمانيا تثبته الأحداث
فجر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بوريس جونسون، قنبلة من العيار الثقيل، الأربعاء، عبر كشف كواليس ما قبل الحرب في أوكرانيا.
جونسون قال بوضوح في تصريحات لشبكة "سي إن إن البرتغال"، وهي شبكة شريكة لـ"سي إن إن" الأمريكية، الإثنين، إن الحكومة الألمانية أرادت هزيمة سريعة لأوكرانيا، إذ ما اندلعت الحرب، وذلك خلال المداولات ما قبل 24 فبراير/شباط الماضي.
وأوضح جونسون (58 عاما) أن الحكومة الفيدرالية الألمانية فضلت في البداية هزيمة سريعة لأوكرانيا بدلاً من معركة دفاعية طويلة ضد روسيا.
وقال جونسون في المقابلة:"سأخبرك بشيء فظيع"، مضيفا "كانت وجهة النظر الألمانية في وقت ما: إذا حدث ذلك (أي الحرب)، فستكون كارثة، وسيكون من الأفضل أن يمر كل شيء بسرعة، وأن تستسلم أوكرانيا".
وقال جونسون إن هذه "وجهة نظر كارثية"، ولا يمكنه دعمها، مضيفا أن ألمانيا تحججت بـ"أسباب اقتصادية"، ولم تغير وجهة نظرها إلا في وقت لاحق.
في المقابل، رفض المتحدث باسم الحكومة الألمانية، ستيفن هيبيستريت، بشكل قاطع، مزاعم جونسون، وقال إن "رئيس الوزراء السابق المسلي للغاية" "كان له دائما مقاربة خاصة للحقيقة"، مضيفا أن هذا ينطبق أيضا على مزاعمه الأخيرة.
وتابع أن تصريحات جونسون "محض هراء"، مضيفا: "محض هراء كامل".
وأشار هيبستريت إلى خطاب أولاف شولتز الشهير الذي جرى في البرلمان في 27 فبراير/شباط، تحت عنوان "نقطة التحول"، كدليل يثب عدم صحة مزاعم جونسون.
وبعد ثلاثة أيام من الهجوم الروسي، قالت المستشار في ذلك الخطاب، إن ألمانيا تعلن "ردًا واضحًا" على هجوم روسيا على أوكرانيا، مضيفا "قررنا أمس تزويد أوكرانيا بالسلاح للدفاع عن البلاد".
وحاول المتحدث باسم الحكومة الاستشهاد بهذه الواقعة وقرار ألمانيا تسليم أسلحة لأوكرانيا بعد 3 أيام فقط من الحرب، للتدليل على أن شولتز لم يتخل عن كييف في أي لحظة، إلا أن هذه الفكرة محل تشكيك.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير في الشؤون الروسية جوستاف جريسيل (43 عامًا)، وهو زميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الأسلحة التي سلمتها ألمانيا إلى أوكرانيا في الأسابيع الأولى من الحرب كانت "أسلحة محمولة على الكتف"، من الممكن "استخدامها أيضًا في حروب العصابات".
ووفق صحيفة بيلد الألمانية، فإن الحكومة الألمانية رفضت لفترة طويلة تزويد كييف، بالأسلحة الثقيلة التي يمكن أن تساهم بصد الروس بشكل فعال، متعللة بأن التسليم والتدريب والخدمات اللوجستية في حالة هذه الأسلحة، تستغرق وقتًا طويلاً.
جريسيل قال بسخرية في تصريحات لصحيفة بيلد:"ما لم يتم ذكره هو أن عبارة وقتا طويلا، كانت تشير إلى العمر المتوقع لأوكرانيا"، في ظل رغبة برلين في سقوط سريع لكييف، وفق ما ذكره جونسون.
ولا يزال الخبير ينتقد موقف الحكومة الألمانية، إذ قال "ما أزعجني في ذلك الوقت هو أنه لم يكن هناك أي فكرة عن أن مسار الحرب يمكن أن يسير بشكل مختلف عن سيناريو السقوط السريع".
وبالعودة إلى الخطابات الرسمية قبل 24 فبراير/شباط، فإن مواقف جونسون وشولتز كانت بالفعل مختلفة تماما، وكان واضحا أن ألمانيا لم تتخذ قرارا بعد بتزويد أوكرانيا بالسلاح للدفاع عن نفسها، وفق مراقبين.
ففي 19 فبراير/شباط، أي قبل الحرب بـ4 أيام، قال شولتز أمام مؤتمر ميونيخ للأمن إن الهجوم الروسي الذي كان منتظرا وفق تقارير استخباراتية غربية في ذلك الوقت، "خطأ فادح"، مضيفا أن نشر القوات الروسية على حدود أوكرانيا "غير مبرر"، بيد أنه لم يقل شيئًا عن الدعم العسكري لأوكرانيا.
في المقابل، قال جونسون في نفس اليوم، إنه "فخور" بأن بلاده دربت بالفعل 22000 جندي أوكراني منذ بداية الصراع في دونباس شرقي أوكرانيا في عام 2014.
وأضاف "في الأشهر الأخيرة، كانت بريطانيا من بين الدول التي زودت كييف بأسلحة دفاعية في شكل 2000 صاروخ مضاد للدبابات".
رئيس الوزراء الأسبق قال أيضا إن النصر الروسي السريع على أوكرانيا ليس مرجحا لأسباب عسكرية، موضحا "أعتقد أن الرئيس بوتين ودائرته يخطئون بشكل خطير في تقدير الاستعدادات لعملية أوكرانيا".
وأضاف "يتجاوز عدد قوات أوكرانيا المسلحة الآن 200 ألف رجل، وأصبحت أكثر قدرة على القتال مما كانت عليه في عام 2014."
في الواقع، جاء قرار الحكومة الألمانية بعدم تزويد أوكرانيا بالأسلحة قبل الحرب، من سلف شولتز، المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، التي لا تزال تدافع سياستها بالقول إن شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا لم يكن لها تأثير يذكر في فترة ولايتها، بسبب التفوق العسكري للروس.
حتى بعد ساعات من بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، أعلن العميد المتقاعد إريك فاد، المستشار العسكري السابق لميركل، أن شحنات الأسلحة الألمانية لم تكن ضرورية، بل أنه عارض تسليم كييف دبابات وناقلات جند مدرعة وتحدث عن التفوق الكاسح للروس.
"فاد" قال يوم 24 فبراير/شباط، "أعتقد أن بوتين سيفوز في هذه الحرب، لأن القوات المسلحة الروسية حديثة ومجهزة جيدا ولديها تفوق متعدد الأوجه".
وعقب تصريحات جونسون، قال خبير السياسة الخارجية في الاتحاد المسيحي المعارض، يوهان وادفول في تصريحات صحفية، إن الحكومة الألمانية "بالغت منذ البداية في تقدير القوة العسكرية الروسية وقللت من قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها".
وتابع "هذا هو السبب الذي جعل الحكومة الفيدرالية مترددة للغاية على مدى شهور في إمداد أوكرانيا بالأسلحة".
ورغم هذا الانتقاد من الاتحاد المسيحي؛ تكتل المعارضة الرئيسي، إلا أن الاتحاد نفسه وقع في نفس الفخ الذي وقعت فيه الحكومة الحالة، وزعيمة الاتحاد المسيحي السابقة، أنجيلا ميركل، وقت قيادتها للحكومة.
ففي نفس يوم بداية الحرب، قال فريدريش ميرتس زعيم المعارضة الحالي وزعيم الاتحاد المسيحي، إن وقت بتسليم الأسلحة الألمانية "ولى"، مضيفا أن المشكلة "لم يعد من الممكن حلها بتسليم السلاح".
وقال أيضا إن الجيش الروسي لديه مليون جندي، لكنه في نفس الوقت، استبعد أن يكون هناك حل عسكري حاسم للصراع في أوكرانيا.
ووفق صحيفة "بيلد" الألمانية، فإن تردد حكومة شولتز في تسليم الأسلحة لأوكرانيا بعد بداية الحرب، يثبت رواية أنها افترضت أن أوكرانيا لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد القوات الروسية على المدى الطويل.
الكاتب الألماني المتخصص في الشأن الأوكراني، جوليان روبكه، كتب على "تويتر"، قائلا إن "تصريحات جونسون عن الموقف الألماني قبل الحرب، من شأنها أن تفسر سبب عدم تسليم ألمانيا سلاحًا واحدًا إلى أوكرانيا، ومنها آخرون من القيام بذلك حتى اندلاع الحرب في 24 فبراير/شباط الماضي".
أما الكاتب الألماني، توماس دودك، فكتب على "تويتر" أيضا، وقال"إذا كان ما يقوله جونسون عن شولتز صحيحًا، فهو كارثة في عرف السياسة الخارجية"، مضيفا أن "عدم ثقة العديد من الشركاء تجاه برلين وسياستها تجاه روسيا أصبح الآن حقيقة واقعة"، وفق ما رصدته "العين الإخبارية".
aXA6IDE4LjExNi4xNS4yMiA= جزيرة ام اند امز