جوكنار داميت.. قصة تركية تدفع ثمن تبرعها لحملة "إمام أوغلو"
داميت تعرضت للطعن من قبل أحد مؤيدي أردوغان بعد تبرعها بقليل من المال لصالح حملة المعارض التركي إمام أوغلو
كانت جوكنار داميت، تسير بشكل اعتيادي في أحد شوارع مدينة تيكيرداغ التركية، عند الثالثة عصرا في أحد أيام شهر رمضان، عندما سمعت أقدام تسرع خلفها، وحين استدارت رأت شابا بشكل واضح وهو يطعنها بسكين في بطنها.
تقول داميت إن الأمر لم يستغرق 30 ثانية، وكانت الدماء تغطي بطنها، لكنها لم تكن تعلم أن هذا هو عقاب أنصار نظام رجب طيب أردوغان على تبرعها بمبلغ 20 ليرة، أي ما يعادل 3 يورو، لصالح حملة مرشح حزب الشعب لبلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، حسب تقرير لصحيفة ذود دويتشه تسايتونج الألمانية.
وبعد أن تلقت داميت العلاج، عادت إلى عملها في مركز للتجميل تملكه في مدينة تيكيرداغ، التي تبعد ساعتين بالسيارة عن إسطنبول، ولكن بوجه يغطيه الصدمة.
داميت "34 عاما" التي كانت تجلس على أحد المقاعد في مقر عملها، مشبكة قدميها، قالت للصحيفة الألمانية بعد 10 أيام كاملة من الاعتداء عليها: "أنا لا أفهم في السياسة، سبب الاعتداء عليّ هو المناخ السياسي السام في تركيا، خاصة أنه جاء بعد أن تلقيت تعليقات سيئة وتهديدات على حساب توتير الخاص بي".
وأوضحت أن "ما فعلته لا يستحق كل هذا لأنه حق لكل مواطن"، مضيفة "لقد تبرعت بـ20 ليرة لحملة إمام أوغلو، على الرغم من أنه لا يمكنني التصويت في انتخابات إسطنبول لأني أعيش في بلدية أخرى".
ومضت قائلة: "تبرعت لحملة مرشح حزب الشعب لأني أرى فيه أمل الشباب في الحرية والديمقراطية، ويمكنه إدارة إسطنبول بشكل أفضل".
وواصلت داميت حديثها، قائلة "عقب تبرعي مباشرة، نشرت الإيصال على حسابي بتويتر مشفوعا بجملة كل شيء سيكون على ما يرام، وهو شعار أكرم إمام أوغلو الانتخابي.. تعرضت بعدها لسب وتطاول وتهديد كبير جدا دفعني في النهاية لإغلاق حسابي".
ورغم الاعتداء لا تشعر داميت بالقلق، إذ تقول للصحيفة "الخوف ليس له مكان في حياتي.. إرادتي حرة وأريد أن تكون تركيا دولة حرة".
وتحتل مواقع التواصل الاجتماعي أهمية قصوى في تركيا، حيث يستخدمها 9 من كل 10 شبان تحت 30 عاما في البلاد، ما يجعل أي حملة معارضة عليها تلقى صدى كبيرا، وفي نفس الوقت تخيف دوائر النظام وعناصره النشطة إلكترونيا، حسب ذود دويتشه تسايتونغ.
وتعد داميت شخصية عامة في تركيا، حيث سبق لها أن نجت من موت محقق بسرطان الثدي في عمر الـ30 عاما، بعدما أبلغها الأطباء أنها لن تعيش أكثر من 6 أشهر، كما استطاعت تحقيق أحد أهم أحلامها مؤخرا بافتتاح مركز تجميل، وحصلت على جوائز عالمية عديدة كمتخصصة في المجال، كما رسخت دورها كناشطة في مجال مكافحة مرض السرطان خلال السنوات الأخيرة.
ولم يشفع لداميت لدى أنصار النظام الحاكم أن أردوغان نفسه استقبلها في مارس 2017 بالقصر الرئاسي، وأثنى على شجاعتها، ودورها ووصفها بأنها "ابنته بالتبني"، وفق الصحيفة ذاتها.
وقالت داميت تعليقا على ذلك: "رغم ذلك، تعرضت للاعتداء لأني تبرعت لأكرم إمام أوغلو ووصفت بالخائنة"، مضيفة "لقد وضعوا التاج على رأسي ثم نزعوه فجأة".
وبعيد الاعتداء الذي تعرضت له لم يحاول أحد من حزب العدالة والتنمية الحاكم زيارتها أو الاعتذار لها، وتوافد المعارضين على صالونها، كما جلس إمام أوغلو معها لمدة ساعة.
ولم يحقق الاعتداء على داميت مبتغاه، وزاد معدل التبرعات لحملة إمام أوغلو من كل أنحاء البلاد، حتى بلغت مساء الجمعة الماضي 15 مليون ليرة، أي ما يعادل 2.3 مليون يورو، معظمها من تبرعات صغيرة الحجم من مواطنين عاديين.
بل نشر عدد كبير من المواطنين وثائق تبرعاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن تضامنهم مع داميت، وإرسال رسالة للنظام بأنهم لا يخشون بطشه، حسب ذود دويتشه تسايتونغ.
ووفق الصحيفة ذاتها فإن الشرطة لا تزال تبحث عن منفذ الاعتداء على داميت، على الرغم من أن الناشطة أدلت بأوصافه كاملة. وكانت الناشطة التركية محظوظة للغاية لأن الطعنة كانت بعمق 3.5 سم، وأخطأت أحد شرايينها بأعجوبة.
واختتمت داميت حديثها للصحيفة قائلة: "سأنتصر على ذلك، ولن يتمكن الخوف مني".
والشهر الماضي قررت السلطات التركية إعادة الاقتراع في بلدية إسطنبول بعد فوز المعارض أكرم إمام أوغلو، بزعم انتماء عدد من المشرفين على مراكز الاقتراع لجماعة الداعية فتح الله غولن، الذي يتهمه أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب المزعومة في يوليو/تموز ٢٠١٦، ومن المقرر أن تجرى الانتخابات البلدية في إسطنبول في ٢٣ يونيو/حزيران المقبل.