ياللهول.. أي جحيمٍ هذا الذي أرادت جماعة "الإخوان المسلمين" أن يُحرق فيه الأردن؟
أي عقل مريض، وأي قلب مسموم، وأي فكر مختل قاد هذه الجماعة التي طالما ادعت الطهر والنقاء، إلى أن تخطط بدمٍ بارد لعمليات إرهابية تستهدف منشآت الدولة، وتزرع الفوضى، وتغدر بوطنٍ لم يبخل عليها يوماً لا بالفرصة ولا بالاحتواء؟
ما كُشف أمس الثلاثاء من اعترافات بثها التلفزيون الأردني ليس مجرد تفكيك خلايا إرهابية، بل هو كشف صادم لحقيقة مشروع ظلامي متكامل، خططت له قيادات إخوانية منذ أربع سنوات، وربما أكثر، بهدف إشعال الفوضى في الأردن، وتصفية الحسابات مع الدولة، وتمرير أجندات خارجية على حساب أمن الأردنيين واستقرارهم.
فبينما كانت الدولة منشغلة بلملمة جراح ما بعد كورونا، ومنهمكة في الدفاع عن الحق الفلسطيني في غزة، كانت الجماعة تعدّ عدتها للغدر. هذا التنظيم الذي طالما طالب بالمشاركة والانفتاح، والذي مُنح أكثر مما مُنح لغيره، لم يكتفِ بامتيازات الحضور في الحياة العامة، بل استغلها في بناء شبكة متكاملة من التمويل والتجنيد والتصنيع والتخطيط، بالتعاون مع أطراف خارجية معروفة بعدائها للأردن، على رأسها "حزب الله" وأذرع إيرانية، تسعى لتحويل المملكة إلى ساحة صراع إقليمي.
اليوم، وقد تكشفت الحقائق وظهرت الاعترافات من 16 عنصراً داخل أربع خلايا إرهابية، فإن آخر ما تبقّى من قناع "العفة" الذي طالما تغنّت به الجماعة، قد سقط. لم تعد شعاراتهم عن الإصلاح والانتماء تساوي شيئاً أمام ما وُثق من نوايا تفجير وتخريب ومؤامرة.
أعضاء في الجماعة، بعضهم من الصف الأول، لهم انتماءٌ للتنظيم منذ أكثر من خمسين عامًا، انخرطوا في هذا المشروع الجهنمي. هل يعقل أن تكون هذه هي مكافأتهم لوطنٍ احتضنهم حين لفظهم الجميع؟ وهل هذه هي رسالتهم لجيلٍ جديد كان ينتظر منهم الوعي، لا العبث، والولاء لا الخيانة؟
من يتأمل في سلوك الجماعة في السنوات الأخيرة، لا يصعب عليه أن يرى كيف انساقت تدريجيًا نحو الهاوية. من خطاب المظلومية والتشكيك بالسلطة، إلى محاولات اختراق الدولة من الداخل، ثم أخيرًا إلى نهج العنف والتآمر. قرار بالمواجهة، والتخريب، والعمل مع أجندات لا ترى في الأردن إلا ساحةً قابلة للاشتعال.
لكن ما تجاهلوه أن هذا البلد ليس هشًّا كما يتوهمون. فقد أثبتت الأجهزة الأمنية مرة تلو أخرى أنها صمام الأمان، وكاشفة الفتن، وراصدة كل خيطٍ للعبث قبل أن يتحول إلى نار.
في لحظة كهذه، من الطبيعي والمطلوب أن تُرفع الأقلام المغشوشة عن المنابر، وأن يُحاسب كل من يسوّق للتنظيم أو يلمّع صورته رغم الحقائق الدامغة التي ظهرت. إن السكوت عن الإرهاب تواطؤ، والدفاع عن أصحابه خيانة – لا جدال في ذلك.
ولذا من الخطير جدًا أن تُترك نوافذ الإعلام أو الخطاب العام مفتوحة لمن يروّج لهذا التنظيم بعد اليوم، وكأن شيئًا لم يكن. فالقضية الآن أكبر من اختلاف سياسي، إنها قضية أمن وطني، ومسألة مصير.
لا شك أن ما جرى يمثل جرس إنذار حقيقيا. ليس لأننا كنا غافلين، بل لأننا كنا نحسن الظن أكثر من اللازم.
وقد آن الأوان، أن نقولها بصوتٍ عالٍ: الوطن لا يُساوم عليه، ولا يُستغَل اسمه لمآرب حزبية، ولا تُختطف شعاراته لتبرير خيانات متخفية. لقد سقط القناع.. وعاد الوجه الحقيقي ليظهر: مشروعٌ مأزوم، حاقد، وملوّث بروح الفتنة.
لكن الأردن أكبر من كل المؤامرات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة