الأردن والمقدسات.. مسؤولية تاريخية و4 ترميمات في 100 عام
ارتبط الأردن تاريخيا بحماية وتسيير أمور المقدسات، خاصة في مدينة القدس، ما يعكس تحمل المملكة الهاشمية مسؤولية شرعية وتاريخية بكل تفانٍ وإخلاص.
ومنذ قيام الدولة الأردنية قبل 100 عام، حملت البلاد في ظل الولاية الهاشمية مسؤولية الحفاظ على المقدسات بالقدس، ما ظهر في تنفيذ 4 ترميمات أسهمت في الحفاظ على المساجد والآثار الإسلامية في حالة جيدة حتى اليوم.
أولوية تاريخية
أكد اتفاق تاريخي وقعه الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان في مارس/آذار 2013، على الوصاية الهاشمية القديمة، على الأماكن المقدسة.
ونص الاتفاق على أن العاهل الأردني هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خاصة المسجد الأقصى.
وللقدس مكانة كبيرة ارتبطت باحتوائها أهم المقدسات الإسلامية وأَجلُّها قدراً؛ ففيها الحرم القدسي الذي يحوي مسجدين وأضرحة كثيرة للأنبياء والأولياء والصالحين، وتراثاً معمارياً إسلامياً من المدارس والسبل والزوايا والأسواق والمكتبات.
أما الركن الآخر من أركان الحرم الشريف، فهو المسجد الأقصى الذي أسُس في أيام الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، وأقيمت بعد ذلك قبة الصخرة إلى جانبه، والتي أتمّ بناءها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عام 691.
الترميم الأول
تصدى الأردن "الأسرة الهاشمية" لمزاعم إسرائيل في القدس، والتي مثلت تهديداً مباشراً للمدينة العربية وتراثها الحضاري، وأسست في المدينة عام 1922، المجلس الإسلامي الأعلى؛ كمنظمة إسلامية أهلية للحفاظ على التراث، وبادر إلى جمع الأموال اللازمة لترميم قبة الصخرة.
وتبرع الشريف الحسين بن علي، شريف مكة، بمبلغ 50 ألف ليرة ذهبية، لإعمار المسجد الأقصى ومساجد أخرى في فلسطين، لتشكل أساس المال الإسلامي لإعمار المقدسات.
وأسهمت عملية الترميم بيت المقدس، عن صمود مرافق المسجد حين ضرب زلزال عنيف المنطقة عام 1927.
ودفن الشريف الحسين في الرواق الغربي للحرم القدسي في يونيو/حزيران 1931، تأكيداً على مكانته وتقديراً لجهوده في إنقاذ المؤسسات الإسلامية في القدس.
الحرب والقيامة
وسياسيا، تمسك الملك المؤسس عبدالله بن الحسين بضرورة إلغاء وعد بلفور، وحلم طويلا بتأسيس دولة سوريا الكبرى للعرب.
وامتلك الملك المؤسس الذي تولى الحكم في شرق الأردن، رؤية استشرافية للنهوض بواقع المنطقة ومستقبلها، وظلت مواقفه طوال فترة الانتداب تجاه فلسطين أكثر ثباتاً وعناداً، خاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ونتيجة لإعلان إسرائيل قيام دولتها، بدأت حرب عام 1948، حيث شاركت قوات الجيش العربي الأردني في هذه الحرب، وخاضت معارك ضارية في باب الواد واللطرون وغيرها، لإنقاذ القدس وباقي الأراضي الفلسطينية، لكن هذه الحرب انتهت بهزيمة العرب، وإلحاق أضرار كبيرة بالحرم الشريف.
ونتيجة لذلك، لم يكن من الملك المؤسس إلا أنْ بادر بإطلاق دعوة لترميم محراب زكريا، وإعادة ترميم المباني المحيطة التي ألحقت بها أضرار هيكلية.
ولم تقتصر مسؤولية الملك على المقدسات الإسلامية وحسب، وعمل على إخماد حريق كاد أن يدمر كنيسة القيامة في عام 1949.
الترميم الثاني
مع تولي الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية في الثاني من مايو/أيار 1953، حتى صدرت قرارته بترميم قبة الصخرة، التي أخذت في فقدان بريقها بفعل عوامل الطقس والزمن، وتسربت المياه داخلها.
وتتابع الاهتمام بالقدس ومقدساتها في عامي 1956، و1959، وهو تاريخ بدء الترميم الثاني للحرم الشريف، الذي موّله الأردن، إلى جانب دعم قدمته بعض الدول الإسلامية الأخرى، واستمرت أعمال الترميم حتى السادس من أغسطس/آب 1964.
وشملت أعمال الترميم إعمار المسجد الأقصى وترميم جدرانه الخارجية الحجرية، وتركيب أعمدة رخامية لأربعة أروقة في الناحية الشرقية منه، وتركيب نوافذ من الزجاج الملون، وترميم الأسقف والجدران الداخلية والخارجية.
كما تضمن إعمار قبة الصخرة المشرفة، وتركيب قبة خارجية من الألمنيوم الذهبي اللون، وتركيب رخام للجدران الداخلية والخارجية.
الحريق والتعمير
تعرض المسجد الأقصى في 21 أغسطس آب 1969 إلى حادثة أليمة، عندما اقتحم أحد اليهود المتدينين المتعصبين المسجد، وأشعل النار فيه، ما أدى إلى تدمير معظم أجزاء المسجد.
ومن بين أهم الأجزاء المدمرة، منبر صلاح الدين، وهو منبر أحضره من حلب صلاح الدين الأيوبي الذي حرر المدينة من الصليبيين عام 1187 ميلادية، ومسجد عمر الموجود في الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى، ومحراب زكريا، ومقام الأربعين، والمحراب الرئيسي للمسجد والقبة الخشبية الداخلية.
وإثر ذلك، قرر الملك الحسين بن طلال إعادة تعمير المسجد الأقصى، وهو ما جرى بالفعل، حيث أعيد المسجد إلى حالته السابقة قبل الحريق، وكذلك قبة الصخرة المشرفة.
كما شمل التعمير مناطق أخرى في الحرم الشريف والقدس ومنها؛ قبة السلسلة، وباب الرحمة، وجامع المدرسة الأرغونية، ومكتبة المسجد الأقصى، والقبة النحوية وسوق القطانين، والمتحف الإسلامي، وسبيل قايتباي.
وعقب الانتهاء من إعمار المسجد الأقصى، تبرع الملك الأردني بمبلغ من ماله الخاص للجنة الإعمار حتى تستطيع القيام بأعمالها، وأوضح ذلك في رسالته إلى رئيس لجنة الإعمار بتاريخ 11 فبراير/ شباط 1992، إذ وصل المبلغ إلى 8 مليون دولار.
الترميم الرابع
وأضحت المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، في عهد الملك عبدالله الثاني، جزءا لا يتجزأ من برامج عمل الحكومات الأردنية.
وجسد اهتمام الملك الحالي بالمسجد الأقصى، استمرارية هاشمية في رعاية مدينة القدس ومقدساتها، لما لها من مكانة ومنزلة في سائر الديانات السماوية، وتمثل ذلك النهج بتشكيل لجنة إعمار المسجد وقبة الصخرة.
وأولت اللجنة عنايتها بالمسجد الأقصى، وما يشتمل عليه من مساجد وقباب ومحاريب ومساطب وغيرها من المعالم الحضارية، وأجرت أعمال الصيانة بشكل متواصل، وأزالت آثار الحريق الذي جاوز أكثر من ثلث مساحة المسجد، إضافة إلى إعمار مسجد قبة الصخرة.
كما شملت مشاريع الإعمار للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس إعادة بناء منبر المسجد الأقصى "منبر صلاح الدين"، وتركيبه في مكانه الطبيعي في المسجد في 25 يوليو/تموز 2006، وترميم الحائط الجنوبي والشرقي للمسجد الأقصى.
مسؤولية قديمة
مخطئ من يظن أن وصاية الأردن على المقدسات في القدس لم تؤكد سوى بتوقيع اتفاق عام 2013، فما كان هذا الاتفاق سوى تأكيد على الدور الأردني التاريخي في هذا الصدد.
ففي عام 1924، تكرست الرعاية الهاشمية للمقدسات في القدس حين انعقدت البيعة والوصاية للشريف الحسين بن علي، من أهل فلسطين والقدس. وآلت الوصاية إلى الملك عبدالله بن الحسين، بما في ذلك الوصاية على الأماكن المقدسة المسيحية.
ومنذ تلك البيعة، فإن الأردن يمارس مسؤولياته الدينية والتاريخية للحفاظ على المقدسات في القدس ورعايتها وإعمارها.
aXA6IDMuMTcuNzkuMTg4IA== جزيرة ام اند امز