استقبال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني للرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع في عمّان قبل أيام لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي بين زعيمين؛ بل جاء مُحمّلًا برسائل سياسية وأمنية تعكس تحولات كبرى في المشهد الإقليمي.
فللمرة الأولى منذ عقود، تظهر مؤشرات جدية على إمكانية "تطبيع" العلاقات بين عمّان ودمشق، بعد أكثر من نصف قرن من التوتر والقطيعة السياسية التي طغت عليها ملفات معقدة، من التدخلات الأمنية إلى النزاعات الإقليمية.
"المطبخ السياسي" في عمّان أراد أن يوصل رسالة واضحة؛ أن العلاقة مع سوريا التي عرفناها خلال عهد حافظ الأسد، ومن بعده بشار الأسد "لم تعد قائمة بالشكل ذاته"، واليوم هناك فرصة لفتح صفحة جديدة، على أسس مغايرة لما كانت عليه في الماضي. لكن هذه الصفحة ليست بيضاء تماماً، بل يحيطها الكثير من الحذر والترقب، والتي يجب أن تكون قائمة على أسس الجوار واحترامه ومبادئ القانون الدولي وعدم خرقها.
المصالح الأردنية واضحة وصريحة، ويمكن تلخيصها في ثلاث نقاط رئيسية: أهمها الأمن الحدودي؛ فالأردن لا يريد أن تتحول حدوده الشمالية إلى مصدر اضطراب، سواء من خلال تهريب المخدرات أو تدفق السلاح أو محاولة تسلل الجماعات الإرهابية، لذا فالملف الأمني هو أولوية قصوى في عمّان، وأي تقارب مع دمشق يجب أن يكون مرتبطاً بتعاون فعلي في هذا الجانب.
وكذلك السيادة الإقليمية؛ فعمّان تريد ضمان عدم استخدام الأراضي السورية كمنصة لإعادة رسم التحالفات الإقليمية بطريقة تهدد التوازن الذي سعت للحفاظ عليه طيلة العقود الماضية، كما أن هناك هاجساً واضحاً من محاولة الإيرانيين إعادة بسط نفوذهم مجدداً في سوريا، وهو ملف معقد بالنسبة للأردن، الذي لا يقبل بواقع يكون فيه الجار الشمالي بوابة مفتوحة للنفوذ الخارجي غير المرغوب فيه.
أما الملف الثالث فهو التوازن السياسي؛ فالأردن، يتعامل ببراغماتية سياسية، ولا يقطع الحبال بشكل جذري مع أي طرف، لكنه في المقابل لا يقدم تنازلات، فالانفتاح على دمشق يأتي في إطار إدراك إقليمي بأن سوريا ستعود بشكل أو بآخر إلى المشهد العربي، لكن عمّان تريد أن تكون هذه العودة وفق طريقة جديدة في التعامل مع المحيط العربي.
ورغم أن الأردن يبدو مستعداً للانخراط في علاقة سياسية جيدة مع دمشق، إلا أن الحذر يبقى سمة أساسية لهذا الانفتاح، فيما لا يزال هناك الكثير من الأسئلة العالقة، أهمها: هل يمكن لدمشق أن تقدم ضمانات أمنية حقيقية لعمان؟، وهل ستنجح عمان في تطبيع علاقاتها مع سوريا وهل ستتمكن دمشق من تبديد مخاوف عمان؟
لا شك أن الأردن يملك خبرة كبيرة في إدارة الملفات الإقليمية بحذر وذكاء، وهو يدرك أن أي خطوة غير محسوبة قد تكون لها تداعيات معقدة، لذلك، يمكن القول إن العلاقة بين عمان ودمشق دخلت مرحلة جديدة، لكنها ليست بالضرورة علاقة مطبعة بالكامل، بل هي علاقة تقوم على المصالح المشتركة، لكنها محكومة بحدود واضحة أبرزها مصلحة البلدين والمحيط العربي بشكل أوسع… فيما قادم الأيام سيكون محملاً برسائل سياسية أكثر عمقاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة