غادة عون.. تمرد يخلق أزمة سياسية جديدة في لبنان
تحوّل قرار كف يد القاضية غادة عون عن القضايا المالية، وهي المحسوبة على الرئيس ميشال عون، إلى أزمة سياسية جديدة في لبنان.
ولليوم الثاني على التوالي، تستمر القاضية عون في التمرد على قرار النائب العام التمييزي غسان عويدات، كفّ يدها عن القضايا المالية، إذ اقتحمت مجددا أحد "مكاتب استيراد الأموال" في "قضية مكتف"، مدعومة بمناصرين من "التيار الوطني الحر"، وهو ما لاقى رفضا لبنانيا واسعا.
وقضية "مكتف" كانت ضمن القضايا التي تتولاها عون، لكن النائب العام التمييزي اتخذ قرارا قبل يومين، بتعديل المهام وإحالة القضايا المالية إلى قاضٍ آخر، بما فيها تلك المتعلقة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والصيارفة على خلفية سعر صرف الدولار في السوق السوداء، إضافة إلى قضايا الأموال المهربة من لبنان.
ووفق تقارير لبنانية، فإن قرار عويدات جاء كإجراء تأديبي لمخالفة عون القوانين والأصول التي تنظم عمل القضاء والتعاميم الصادرة عن النائب العام التمييزي.
لكن التيار الوطني الحر وزعيمه جبران باسيل "متحالف مع الرئيس اللبناني" رأى في قرار النائب العام استهدافا للقاضية، ومحاولة من بعض السياسيين لإبعاد تحقيقات الفساد عنهم.
في المقابل، يتهم خصوم التيار الوطني الحر، القاضية عون بالاستنسابية انطلاقا من تركيزها على قضايا موجهة ضد حاكم مصرف لبنان وخصوم "الوطني الحر"، على حساب قضايا أخرى مثل هدر الأموال في وزارة الطاقة.
وكانت القاضية عون رفضت عدة مرات المثول أمام القضاء لمساءلتها حول تصريحات حزبية ومواقف على وسائل التواصل الاجتماعي تنعي فيها "دولة القانون في لبنان".
وبدورها، دعت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، المقربة أيضا من عون وباسيل، القضاء، اليوم، إلى "انتفاضة تغير واقعه القائم"، وإلى إجراء "محاسبة ذاتية ترفع الظلم عن القضاة".
ورأت أن "القضاء يظهر نفسه عاجزا عن مكافحة الفساد، ويقاتل في معارك إعلامية، وهذا يفقده ثقة الناس به"، مؤكدة أنها "ترفض أن تكون شاهد زور على ما يحصل".
وجاءت تصريحات وزيرة العدل بعد اجتماع عقدته بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، والنائب العام التمييزي غسان عويدات، ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد، وخصص للبحث في قرار كف يد القاضية عون كمدعية عامة استئنافية في جبل لبنان.
وقالت نجم في تصريحاتها "أنا لا أنصب نفسي حكما ولن أدخل في لعبة الاصطفاف رغم محاولات جري إلى هذا المكان، وليست لدي أي تبعية سياسية بل مرجعيتي الوحيدة هي القانون والمؤسسات".
وعبرت عن أسفها لـ"الخلاف القائم داخل القضاء، وكيف يرى الشعب أن القضاء منقسم، فهذا القاضي يتبع لمرجعية سياسية، وقاض آخر يتبع لمرجعية أخرى".
ومضت قائلة: "أرفض وضع القضاء الحالي الذي يلغي نفسه ويسقط نفسه أمام الناس. القضاء يظهر نفسه عاجزا عن مكافحة الفساد، ويقاتل في معركة إعلامية، فيما السلطة عاجزة عن تكوين سلطة، ولا تزيح أو تحتكم إلى الناس".
وأضافت "لا يعقل أن يكون هناك قضاة مع حاكم مصرف لبنان ومع المصارف وقضاة آخرين ضدهم، لأن القضاء يلغي نفسه بهذه الطريقة".
استقطاب جديد
سياسيا، اعتبر تيار المستقبل الذي يرأسه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، أن "ما يحصل في الجسم القضائي مسألة في غاية الخطورة, وهي سابقة لم تحصل في خلال الحرب الأهلية المشؤومة ولا حتى في أيام سطوة النظام الأمني اللبناني السوري المشترك".
وأضاف في بيان "أن التباكي على بعض القضاة بعد تشجيعهم على مخالفة القوانين، والطلب إليهم فتح ملفات استنسابية للخصوم هو أمر لم يعد ينطلي على أحد من اللبنانيين".
فيما قال النائب عن تيار المستقبل محمد الحجار في حديث تلفزيوني "ما رأيناه من قبل القاضية غادة عون صادم ولم يحصل حتّى في أيّام الحرب وصورة القضاء اللبناني أصبحت على المحك"، مضيفاً: "القاضية عون لديها مرجعيّة سياسيّة تغطيها اسمها رئيس الجمهورية ميشال عون".
بدوره، طالب الحزب التقدمي الاشتراكي بإقرار قانون استقلالية القضاء.
وقالت مفوضية العدل في الحزب في بيان: "ها قد ظهر ما كنا نحذّر منه ونلفت إليه وندعو لمعالجته، وأول ما يمكن فعله اليوم قبل الغد إقرار استقلالية القضاء قولا وفعلا، نصّا وروحاً وتطبيقاً".
وشن "الاشتراكي" هجوما على القاضية عون ومن خلفها التيار الذي تمثله قائلا "إن ما جرى من قبل القاضية من بدع واستنسابية وملاحقات عشوائية، لهو عراضة مهينة جرت على مرأى من اللبنانيين، وكأنما هي إعلان لفيدرالية جديدة في القضاء".
وحذّر الاشتراكي من ترك ما جرى يمر دون رادع حازم يمنع انقسام الجسم القضائي، وتكريس التبعية السياسية عليه وإلغاء دور مجلس القضاء الأعلى".
بينما هاجم النائب في حزب القوات اللبنانية زياد حواط، رئيس البلاد، محملا إياه مسؤولية ما يحصل في القضاء، انطلاقا من أن القاضية عون محسوبة عليه.
وكتب حواط على "تويتر": "نحصد اليوم نتيجة ما زرعوه في حقل القضاء من تأخير وتعطيل وتدخلات وعرقلة للتشكيلات القضائية التي وضعت في الأدراج".
من جهته، دعا النائب فريد هيكل الخازن، رئيس الجمهورية ميشال عون إلى التدخل لإنهاء ما وصفها بـ"المسرحية". وقال في تغريدة له على تويتر "كفى يا فخامة الرئيس، والله كفى دماراً للقضاء وللكيان وخصوصاً للعهد".
وبذلك، تسببت أزمة القاضية عون، وتمردها على قرار عزلها، في استقطاب جديد وأزمة سياسية يمكن أن تتطور وتتفاقم في الأيام المقبلة في بلد يعاني شلل سياسي بالفعل إثر فشل الأطراف السياسية في تشكيل حكومة جديدة منذ أكتوبر/تشرين ثاني الماضي، فضلا عن أزمة اقتصادية حركها انهيار العملة المحلية.
aXA6IDMuMTM4LjEyNS44NiA= جزيرة ام اند امز