من أهم الانتصارات التي حققتها ثورة 30 يونيو/حزيران من عام 2013، أنها أقامت تحالفاً هدفه القضاء على تنظيم الإخوان وما تبقى من أفكاره؛ القضاء على البناء التنظيمي والوجود السياسي معاً.
حيث نجح في ابتلاع الحكم بمصر بعد عام 2011، ولهذا يبقى هذا التحالف علامة بارزة في مواجهة التنظيم الأكثر تطرفًا في المنطقة العربية.
مصر تستعيد "تحالف 30 يونيو" من جديد مع الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نهاية العام الجاري، خاصة أن طموح الجماعة بدأ يزحف في اتجاه العودة إلى صدارة المشهد السياسي، فبعيدًا عن نتائج هذه الانتخابات والفائز فيها، لن يعود التنظيم الذي مارس العنف وتلطخت يداه بالدماء إلى المشهد السياسي من جديد ولا المشاركة في مؤسسات الدولة.
مواجهة الإخوان كانت بإرادة شعبية وكل تحركات السلطة السياسية في البلاد كانت انعكاساً لهذه الإرادة التي جسدتها ثورة الـ30 من يونيو/حزيران قبل 10 سنوات؛ إذن قرار عودة الإخوان أو السماح لهم بالعمل ليس مرتبطًا بظرف سياسي ولكنه مرتبط بقرار شعبي استجابت له السلطة فيما بعد، ولا يمكن لأي سلطة أن تغتصب إرادة الشعب وتُعيد التنظيم المتطرف إلى صدارة المشهد السياسي مرة أخرى.
المصريون يشعرون بخطر تنظيم الإخوان وسوف تستمر مواجهة هذا التنظيم بكل جبهاته المنقسمة والمتشظية، وبكل الذين ما زالوا يحملون أفكاره حتى ولو لم يرفعوا شعاره على صدورهم، لأن الهدف القضاء على التنظيم والقضاء على الأفكار المؤسسة له، حتى يمكن محوه من الواقع فيبيت مجرد سطر في كتب التاريخ يحكي سير فصيل من المتطرفين.
"تحالف 30 يونيو" مُشكّل من كل المصريين وليس مجرد أحزاب سياسية أو مدنية، فهذا التحالف يهدف إلى حماية البلاد من نار التنظيم التي أرادت أن تحرق البلاد يومًا ما، كما أن هدفه تفكيك أي أفكار ربما يُعبر عنها التنظيم أو تُعبر عنه، خاصة أنه يؤمن بأن الوجود السياسي للتنظيم ليس الأخطر ولكن الوجود الفكري!
"تحالف 30 يونيو" هو إحدى ثمرات الثورة الشعبية في عام 2013، ففي تقديري الخاص أن هذه الثورة ليست سياسية وإن كانت لها أهداف في هذه المساحة، ولكن هدف الثورة الحقيقي تمثل في حماية الهوية المصرية من التيارات الدينية المتطرفة، في مقدمتها الإخوان؛ ولذلك سوف تظل هذه الثورة حيّة في قلوب كل المصريين، فهي ليست مجرد ذكرى نمر عليها كل عام ولكنها حالة يعيشها المصريون كلما شعروا بالخطر.
خطر الإخوان ما زال قائمًا حتى في ظل مواجهة التنظيم وتفكيكه وانقسامه إلى جبهات متناحرة ومتصارعة، خاصة أن أفكاره ما زالت تتنفس وعلى الأقل هناك من يعطيها إكسير الحياة؛ سوف يزول هذا الخطر عندما تتفكك الأفكار مع تفكك التنظيم، وقتها نستطيع أن نقول إن خطر التنظيم زال بشكل كامل، وهنا يمكن بناء حياة سياسية مدنية بعيدًا عن الاستقطاب والتحريض الديني.
من المنطقي أن يسعى الإخوان للعودة في ظل الجروح والتقيحات التي تملأ جسد التنظيم، ولكن الخطر الأكبر أن يوجد من بين الأحزاب السياسية من يزال يُدافع عن هذا الوجود، رغم الجرائم التي ارتكبها التنظيم وما زال في حق نفسه والوطن والدين؛ فأعضاء التنظيم ليسوا أسوياء ولن يكونوا، فمدخلات التنظيم تؤدي إلى مخرجات عبثية عظمت وعمقت من فكرة الاستقطاب والتحيز الديني وقللت من مفهوم الوطن عند النّاس وألغت المواطنة ربما من القاموس الوطني.
هناك مبادئ لممارسة السياسة وهناك مؤسسات دينية معنية بالدعوة والإرشاد الديني؛ فالإخوان خلطوا الدين بالسياسة، فلا هم مارسوا السياسة ولا هم عبروا عن الدين، فكانوا خنجرًا مسمومًا في ظهر الدين والوطن معًا، ولذلك لا أمل في أن ينصلح حال الإخوان أو أن تُراهن عليهم قوى سياسية أو نظام سياسي في المنطقة، على هؤلاء أن يتخلوا عن أنفسهم حتى يتم قبولهم في الحياة السياسية، وهو ما قد يكون مستحيلًا!
استدعى المصريون حاليًا "تحالف 30 يونيو" لمواجهة تنظيم الإخوان المسلمين لحماية هذا الوطن من أهل الشر الذين يطلون علينا بين الوقت والآخر؛ فهناك مشروع لا بد أن يستكمله المصريون في مواجهة جماعات العنف والتطرف، هذا المشروع تمثله السلطة السياسية الحالية، التي ترتكز على القواعد الشعبية التي خرجت في 30 يونيو/حزيران من عام 2013، هذا المشروع لا بد أن يتم بغض النظر عن شكل التحول السياسي، فنحن نتحدث عن وطن وأرض ودين، لا بد من حمايتها من أشرار الداخل والخارج معًا.
المصريون قادوا التغيير في المنطقة ولديهم تجربة رائدة في مواجهة تيارات العنف والتطرف؛ تجربة قديمة وليست جديدة، ربما أضيف لها خلال السنوات العشر الماضية، هذه التجربة تمثل استراتيجية عامة للمواجهة، لا بد أن تتبناها المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، إذا كان المجتمع الدولي جادًا في مواجهة التنظيمات المتطرفة، خاصة تنظيم الإخوان المسلمين.
يقف "تحالف 30 يونيو" في القلب من هذه التجربة الحديثة، وسوف تظل الأحزاب السياسية والمدنية والشعب المصري كله المدافع الأول عن الوطن، الذي يواجه غبنًا من تيارات العنف والتطرف، التي تُحاول أن تأتي عليه كلما مر بمراحل ضعف، ولا بد من تطوير هذا التحالف بحيث يكون أكثر حضورًا في الشارع المصري والعربي حتى يتم القضاء على التنظيمات المتطرفة وأفكارها الرديئة التي لوثت الحياة.
الاستمرار في مواجهة التنظيمات المتطرفة والإخوان على وجه التحديد ليس رفاهية، كما أنه ليس خيارًا قد نقبله اليوم ونرفضه غدًا أو حتى نتكاسل عنه، ولكنه مشروع كبير لا بد أن يتم البناء عليه، وهذه دعوة للكتابة في هذا المشروع وتفصيل أدواته واستدعاء الحضور الشعبي الدائم للمواجهة.
سوف نتناول مقومات هذا المشروع في كتابات قادمة بهدف الحفاظ على الحياة بعيدًا عن تعزيز مفاهيم الكراهية التي رسختها جماعات العنف والتطرف بأفكارها المنحازة، وعلى كل الباحثين أن يدلوا بدلوهم في كتابة ملامح هذا المشروع وفي تسويقه حتى يخرج للنور في شكل مشروع استراتيجي يُناسب كل دول العالم وليس مجرد تحالف سياسي يناسب ظروف دولة ما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة