في الثالث والعشرين من الشهر المنصرم، استخدم الرئيس أوباما الفيتو ضد مشروع قانون يسمح لأقرباء ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة دول
في الثالث والعشرين من الشهر المنصرم، استخدم الرئيس أوباما الفيتو ضد مشروع قانون يسمح لأقرباء ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة دول، أمام المحاكم الأمريكية، بتهمة رعايتها للإرهاب. بالطبع المقصود هو السعودية، بذريعة أن 15 من أصل 19 إرهابياً ارتكبوا هذه التفجيرات الإرهابية رعايا سعوديون، علماً أن تحقيقاً مطولاً سبق وأجرته الحكومة الأمريكية لم يجد دليلاً على تورط المملكة.
استخدم أوباما الفيتو لقناعته بأن نص القانون يقوض مبدأ الحصانة الذي يحمي الدول ودبلوماسييها من الملاحقات القضائية، ما يعني بأنه قد يعرض الولايات المتحدة لدعاوى أمام المحاكم في كل العالم.
من جهتهم المدافعون عن «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» (جاستا) أصروا على ضرورة تمكين ضحايا تفجيرات سبتمبر من المطالبة بالعدالة، مؤكدين أن معارضة إدارة أوباما مرتبطة قبل كل شيء بالخشية من إغضاب الرياض. وللتذكير فإنها المرة الأولى التي يقوم فيها الكونغرس بإجهاض «فيتو» للرئيس أوباما منذ وصوله إلى البيت الأبيض، علماً أنه استخدم «الفيتو» اثنتي عشرة مرة. وتستنكر إدارة أوباما الحسابات السياسية الضيقة لأعضاء الكونغرس الذين يعبرون في مجالسهم الخاصة عن تحفظاتهم على القانون ومخاوفهم من تأثيراته السلبية مستقبلاً، لكنهم صوتوا لمصلحته وعيونهم شاخصة على انتخابات الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل (الرئاسية والنصفية للكونغرس).
يؤكد البيت الأبيض أن قلقه لا يقف عند حدود التأثير السلبي للقانون على العلاقة مع السعودية ولكن مع كل دول العالم. وفي رسالة وجهها وزير الدفاع الأسبق ويليام كوهين ومدير «السي.آي.إيه» الأسبق ميخائيل موريل إلى أعضاء الكونغرس تحذير واضح من أن هذا القانون قد يضع واشنطن في موقف صعب جداً «جنودنا ودبلوماسيونا وكل موظفينا في الخارج يمكن أن يصبحوا أهدافاً لملاحقات قضائية في بلدان أخرى». كما ورد في الرسالة التي اتفقت مع مضمونها تصريحات لعدد كبير من المسؤولين والقانونيين والسياسيين الأمريكيين.
في 28 من الشهر المنصرم أقر الكونغرس القانون بأغلبية ساحقة غير مسبوقة (رغم أنه لا يتطلب أكثر من ثلثي الأصوات)348 صوتاً ضد 77 في مجلس النواب، وفي مجلس الشيوخ فقط هاري ريد صوت ضده على الأرجح لأنه سيترك الحياة السياسية في الأسابيع المقبلة. هل هناك قانون شبيه ل «جاستا» في التاريخ القضائي الأمريكي؟ منذ عدة سنوات سمح الكونغرس بملاحقة دول اعتبر أنها تدعم الإرهاب (إيران، السودان، سوريا) لكن عددها كان محدوداً وسمّتها وزارة الخارجية. «جاستا» يسحب من هذه الوزارة إمكانية تسمية الدول الراعية للإرهاب، ويسمح لأي مواطن أمريكي بمقاضاة أي دولة في العالم بتهمة التورط في أعمال إرهابية.
وقد تعرضت الرياض، منذ عقد ونيف، لملاحقات أمام المحاكم الفيدرالية في نيويورك، لكن أصحاب الشكاوى لم يحصلوا على شيء، لذلك تم إقرار «جاستا» كي يزيح العقبات التي وضعتها المحاكم، ويوفر الفرصة لأصحاب الشكاوى بإطلاق دعاوى جديدة.
يتفق عدد من أساتذة القانون في الجامعات الأمريكية على أن الغموض الدبلوماسي المحيط ب «جاستا» يشي بأن أصحاب الشكاوى لن يحصلوا على شيء يذكر في المحصلة. فالمشرعون أنشأوا مساراً يسمح للحكومة بإطالة أمد الأمور، ويسمح لوزارة العدل الأمريكية بالتدخل لتعليق الملاحقات بذريعة أن «هناك نقاشات في أجواء من حسن النوايا» بين الولايات المتحدة والدولة المتهمة، بحسب تعبير القانون نفسه. بمعنى آخر، إذا أرادت السلطة التنفيذية الأمريكية وقف الملاحقات يمكن لها التذرع أمام المحكمة بأن هناك تفاوضاً مع السعوديين. لقد تم إدخال تعديلات على القانون في اللحظة الأخيرة حتى لا يتسبب بموجة كبيرة من الملاحقات ضد دول مثل باكستان وإيران والسودان، وحتى روسيا. إنه قانون سياسي وضع لابتزاز الرياض بالتحديد ووضعها تحت رحمة الحكومة الأمريكية. انعكاساته الدولية خطيرة جداً لأنها بكل بساطة تضرب أحد أهم الأسس التي قام عليها القانون والنظام الدوليان منذ معاهدة وستفاليا في العام 1648، وهو سيادة الدول بمعزل عن حجمها وقوتها وثروتها.
وللتذكير فإن واشنطن تمتنع، منذ وقت طويل، عن توقيع معاهدات المحاكم الدولية خوفاً من تعرض جنودها ورعاياها إلى ملاحقات قانونية دولية.
من هنا يمكن اعتبار «جاستا» فخاً نصبته واشنطن وقد تقع فيه بنفسها.
لقد فشلت مساعي واشنطن للهيمنة على النظام الدولي الجديد الناشئ عن تفكك المنظومة الشيوعية. وذات يوم في العام 1998 أعلن أحد أقرب حلفائها رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان في تعليق على قانون داماتو - كنيدي أن «على القوانين الأمريكية أن تطبق داخل الأراضي الأمريكية وليس خارجها». ومجدداً سيعود الأمريكيون لإدراك هذه الحقيقة. «جاستا» لن يقوى على إلغاء معاهدة وستفاليا التي ما تزال صامدة منذ مئات السنين في وجه كل تقلبات النظام الدولي.
نقلا عن / الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة