الأحزاب المناهضة لقيس سعيّد.. شعبية متناقصة ورصيد مفلس
شهدت شوارع تونس احتفالات شعبية ليلة 25 يوليو/تموز الماضي، عقب إعلان الرئيس قيس سعيّد عن إجراءات استثنائية من أبرزها حل حكومة هشام المشيشي وتعليق أشغال البرلمان ورفع الحصانة عن النوّاب.
واعتبر أغلب التونسيين وحتى الطبقة السياسية أن تفعيل الرئيس سعيّد للفصل 80 من الدستور التونسي كان استجابة لمطالب الشعب بالقطع مع منظومة الفساد التي كانت تحكم البلاد، محمّلين حركة النهضة الإخوانية وأتباعها الممثلين في حزب "قلب تونس" وكتلة "ائتلاف الكرامة" بالبرلمان مسؤولية ترذيل المشهد السياسي وتعطّل دواليب الدولة.
وعبّر أغلب الأحزاب الوسطية واليسارية والقومية وحتى المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعتبر قوّة نقابية ضخمة في البلاد على تأييدهم لقرارات الرئيس لاستكمال مسار الثورة وتصحيحها، مطالبين بعدم الرجوع إلى ما قبل 25 يوليو/تموز، ومحاسبة كل من أجرم في حق الشعب وعلى رأسهم حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي.
معارضو سعيّد عاجزون
الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس مراد الجديدي، أكد -في تصريحات لـ"العين الإخبارية"- أن معارضة حركة النهضة وأتباعها لقرارات الرئيس سعيّد أمر طبيعي باعتبارهم المتسببين والضالعين في تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس.
وتابع: "هذه الأحزاب خسرت السلطة والامتيازات، وتخشى المحاسبة وفتح الملفات، والعديد من قياداتها ملاحقين قضائيا واستحالة فتح ملفاتهم لتمسّكهم بالحصانة".
وأضاف أن معارضة هذه الأحزاب للرئيس سعيّد لن تقلب المعادلة ولو بشكل نسبي، خاصة أن عددا كبيرا من التونسيين لفظوهم وطالبوا بمحاسبتهم.
وأشار الجديدي إلى أن "الحزب الوحيد الذي كان قادرا على تحريك الشارع وتعبئته هو حركة النهضة، إلا أنها صارت عاجزة اليوم على حشد أنصارها والنزول إلى الشارع".
ولفت إلى أن "تراجع شعبية النهضة كان واضحا حتى قبل 25 يوليو/تموز، وهو ما تثبته نتائج الانتخابات، فالنهضة التي حصدت أكثر من مليون ونصف صوت في انتخابات 2011، وتآكل خزّانها الانتخابي لتحظى بـ560 ألف صوت فقط في انتخابات 2019، وتراجع حضورها البارز في المؤسسة البرلمانية بخسارتها لـ37 مقعدا تحت قبّة البرلمان من 2011 إلى 2019".
واعتبر أن النهضة أصبحت تخشى اليوم النزول إلى الشارع، بسبب الرفض الشعبي الواسع لسياساتها ورئيسها راشد الغنوشي، وهو ما يفسّر تخفيها وراء بعض الأحزاب أو الحركات الناشطة تحت اسم مكونات المجتمع المدني.
تصدّع واستقالات
الجديدي لفت إلى أن النهضة وعددا من الأحزاب الأخرى شهدت انقسامات وتصدّعات داخلها ترجمت باستقالات بعض منها علنيا والآخر بعيدا عن الأضواء على غرار الاستقالات التي طالت حركة "النهضة" و"التيار الديمقراطي" وحزب "قلب تونس".
وأفاد بأن الأحزاب السياسية حتى قبل 25 يوليو/تموز لم تكن فاعلة في المشهد السياسي، واكتفت منذ سنوات بتسجيل حضورها عبر بيانات وتصريحات لقياداتها.
وفي هذا السياق، قال الجديدي إن نتائج انتخابات 2019 أثبتت فشل هذه الأحزاب في استمالة الشعب وإقناعهم خاصة في ظل غياب برامج واضحة لها، وهو ما يفسّر ضعف تمثيليتها تحت قبّة البرلمان وعدد كبير منها غير ممثّل ولو بمقعد وحيد.
وبخصوص الأحزاب التي ساندت سعيّد بعد 25 يوليو/تموز وانقلبت عليه بعد إعلانه عن إجراءات استثنائية في 22 سبتمبر/أيلول ومن أبرزهم حزب التيار الديمقراطي.
واعتبر الجديدي أن هذه الأحزاب سعت لدفع سعيّد للتخلّص من خصومها السياسيين تحت اسم المحاسبة، وأن عدم انخراط الرئيس في المحاسبة خارج مؤسسات الدولة وعلى رأسهم القضاء دفع هذه الأحزاب للانقلاب عليه.
وأشار إلى أن هذه الأحزاب تعيش حالة من التخبّط والتصدّع والانقسامات والاستقالات، وهو ما يؤكده قياداتها في تصريحات إعلامية.
وبخصوص التنسيقية الحزبية المعارضة لقرارات سعيّد التي ضمت 4 أحزاب، أكد أنها لن تشكّل قوّة ضغط، بدليل أن قيادات هذه الأحزاب صرّحت في أكثر من مناسبة بأن مواقف التنسيقية لا تلزمهم، وأنهم غير ملزمين سوى بالنقاط التي تتضمنها البيانات المشتركة، معتبرا أن هذه التنسيقية لن تدوم طويلا وهي "مؤقتة".
ميزان القوى مختل
ورأى الجديدي أن ميزان القوى بين معارضي سعيّد ومؤيديه مختل، موضّحا أن "الأحزاب المعارضة للرئيس قيس سعيّد والتي تطالب بالرجوع إلى الشرعية هم عدد من أحزاب المعارضة التقليدية على غرار حزب العمال اليساري والحزب الجمهوري، وهي أحزاب فشلت في استمالة أصوات الناخبين في جميع المحطات الانتخابية التي عاشتها تونس، وغير قادرة أن تشكّل قوّة ضغط حتى في جبهة معارضة موحّدة لضعف شعبيتها وانقسام مواقفها من حركة النهضة".
وأشار إلى أن سعيّد يحظى بشرعية شعبية تثبتها نتائج الانتخابات وحتى نتائج استطلاعات الآراء بعد توليه رئاسة الجمهورية حيث يتمتع بثقة واسعة للتونسيين.
وأوضح أن سعيّد يعتبر أوّل رئيس في تاريخ تونس ينتخب بحوالي 3 ملايين صوت، وهو ما يفسّر التأييد الشعبي الواسع لقراراته التي تحظى بصبغة الشرعية الشعبية.
وتصدر الرئيس التونسي طليعة الترتيب في نسب الثقة على الصعيد الوطني بنسبة 66% تليه رئيسة الحكومة نجلاء بودن بـ35%.