المكتبة أُسست عام 1948، وكانت تشهد ندوة كامل الكيلاني الأدبية كل سبت منذ عام 1905 بحضور العقاد وطه حسين وحاكم الشارقة سلطان القاسمي.
كنوز من القصص العربية والمترجمات من روائع الأدب العالمي تحتفظ بها أشهر وأعرق مكتبة لأدب الطفل في عالمنا العربي بوسط القاهرة.
تقبع مكتبة كامل الكيلاني في شارع البستان بباب اللوق، بطرازها الكلاسيكي المميز.. ترحب بالزائرين من مختلف الجنسيات الذين يسعون للتزود بقصص رائد أدب الطفل كامل الكيلاني.
يعود تاريخ تلك المكتبة إلى عام 1948، وكانت تحتضن ندوة «كيلاني» الأدبية كل سبت من بين حضورها العقاد، وطه حسين، والحبيب بورقيبة، وحبيب جاماتي، وشكيب أرسلان، وحاكم الشارقة سلطان القاسمي، وغيرهم.
ولد كامل كيلاني في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1897، وتوفي في الشهر نفسه أيضا يوم 10 أكتوبر عام 1959. ليترك للأطفال العرب إرثا لا يستهان به وتزداد قيمته يوما بعد يوم. ووصفه أمير الشعراء أحمد شوقي: «الأستاذ (كيلاني) كعقرب الثواني: قصير، لكنه سريع الخطى، منتج، يأتي بدقائق الأمور».
اعتمد كيلاني منهجا متميزا وأسلوبا عبقريا في كتابته لأدب الأطفال، حيث كان يصر بضرورة التركيز على الفصحى لعدم إحداث قطيعة ثقافية مع الذات التاريخية، كما كان يمزج بين المنهج التربوي والتعليمي، فكان حريصا على إبراز الجانب الأخلاقي والمعياري في أعماله القصصية، بالإضافة إلى أن أساس المعرفة عنده هو المعرفة المقارنة، فلم يغرق الأطفال بالأدب الغربي باعتباره أدبا عالميا، بل كانت أعماله كرنفالا تشارك فيه ألوان ثقافية عديدة، فكان منها ما ينتمي للأدب الفارسي، والصيني، والهندي، والغربي، والعربي، وتمثلت مصادره في الأساطير والأدب العالمي والأدب الشعبي. من منا يمكن أن ينسى قصص الكيلاني المحفورة في ذاكرة الأمة العربية: (الأمير المسحور)، و(بساط الريح)، و(علاء الدين والمصباح العجيب)، أسطورة (الملك ميداس) وغيرها.
كما كانت لكيلاني إسهامات في مجالات أخرى غير أدب الأطفال، حيث ترجم، وكتب في أدب الرحلات، والتاريخ. ونَظَمَ الشعر، فكانت القصائد والأبيات الشعرية كثيرا ما تتخلل ثنايا أعماله القصصية، وكان حريصا على أن ينمِّي من خلالها ملكة التذوق الفني إلى جانب الإلمام المعرفي عند الطفل، كما كان يوجه من خلالها الطفل إلى الصفات الحميدة، والخصال النبيلة، والسلوك الحسن، وقد حرص أن يتم ذلك بشكل ضمني، وألا يظهر نصه صراحة بمظهر النص الوعظي أو الخطابي.
التجول داخل المكتبة العريقة متعة لا تضاهى حيث ستجد عشرات القصص التي تركها "الكيلاني" بعضها تعود طبعته لأربعينيات القرن الماضي، ما بين قصص فكاهية وقصص من "ألف ليلة وليلة"، وسلسلة أساطير العالم، جمع فيها أروع القصص من الأدب اليوناني والهندي والإنجليزي، وسلسلة القصص الهندية، وقصص شكسبير التي قدمها بشكل مبسط للأطفال، وقصصا عربية منها: حي بن يقظان، وابن جبير في مصر والحجاز، فضلا عن سلسلة القصص العالمية، وقصص تمثيلية منها "الملك النجار" التي يمكن للطفل أن يقوم بأدائها مسرحيا، ولم يغفل القصص الفكاهية التي تجذب الأطفال للقراءة والمطالعة، فقدم ما يزيد على ألف قصة، فضلا عن القصص المترجمة.
يقول المهندس أمين كيلاني نجل "الكيلاني" لــ"العين الإخبارية": "كانت المكتبة تحتضن ندوة أسبوعية كل يوم سبت من كل أسبوع يحضرها كبار المثقفين والأدباء في العالم العربي، وعدد كبير من دارسي اللغة العربية من روسيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرها، وقد تأسست هذه الندوة عام 1908، قبل تأسيس المكتبة الحالية، وكان اسمها (نادي كيلاني للطفل)".
كانت ندوة كيلاني ملاذا للساسة والأدباء، منهم: أحمد شوقي، وطه حسين، وعباس العقاد والحبيب بورقيبة، ويوسف العظمة، وشكيب أرسلان، والمفتي أمين الحسيني، وخليل مطران، وفارس الخوري، ومن فلسطين وصفي التل، والبشير الإبراهيمي، ومن السودان السيد التعايشي، والكاتب الصحفي السعودي عثمان حافظ، وأستاذ الخط العربي سيد إبراهيم، ومحافظ القاهرة السابق فؤاد شيرين، وأيضا وحاكم الشارقة الحالي سمو الشيخ سلطان القاسمي". فقد كان كامل الكيلاني يؤمن دائما بأن: "ما فرقته السياسة، يجمعه الأدب".
كما كان عدد كبير من أعظم صحفيي القرن العشرين يرتحل إلى ندوة الكيلاني للتعرف على مجريات المشهد الأدبي وحركة الترجمة والنشر، فقد كتب رائد الصحافة السعودية عثمان حافظ مقالا في مجلة «المدينة المنورة» عام 1952 بعنوان «البحتري في ندوة كيلاني»: «لم تكن ندوة كيلاني إلا فتنة وسحرا من سحر مصر.. لقد كتبت معجبا بهذه الندوة منذ رحلتي الأولى لمصر قبل نحو 15 عاما، وكان من أول أهدافي في رحلتي الثانية هذه زيارة هذه الندوة؛ للاستفادة من معين فيضها الذي لا ينضب، فقد وجدت فيها الأدب الرفيع الجم، والشعر الحي الجزل، والنكتة المصرية النادرة».
يستطرد "أمين": "تعلمنا من والدي أن العلم لا يباع ولا نزال نبيع القصص بأسعار زهيدة بحيث لا يتعدى ثمنها بضعه جنيهات، ولا يمثل عبئا على قدرة الأسرة المصرية البسيطة، ولا يزال الإقبال عليها من مختلف الأعمار والجنسيات". ويشير إلى أن "عددا من دارسي اللغة العربية من طلاب الجامعة الأمريكية يأتون لشراء قصص الكيلاني وينبهرون بطباعتها ورسوماتها وحرصه على تشكيل كل كلمة والمرادفات التي كان يذيل بها كل صفحة".
يشكو نجل الكيلاني من عدم اهتمام الدولة ووزارة الثقافة بتراث الكيلاني ويكشف مخاوفه من ضياع إرثه خاصة وأن هناك كثيرا من القصص نفدت طبعاتها ونسخها، ويقول: "هناك بعض المؤسسات الآن تسطو على إرث الكيلاني وتعيد نشره دون الرجوع لنا، نتمنى فقط من الدولة أن تحفظ حقوق الكيلاني" كما يعرب أمين الكيلاني عن رغبته في أن "تقرر وزارة التربية والتعليم بعضا من قصص الكيلاني على الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة خاصة وأنها تزخر بلغة عربية سليمة وسوف تمكن الأطفال من تعلم عديد من المرادفات العربية وتثري لغتهم".
aXA6IDMuMTMzLjE0NS4xNyA=
جزيرة ام اند امز