في ظل درجات حرارة تنخفض إلى ما دون الصفر بـ20 درجة اعتادشعب كازاخستان في هذا الوقت من العامٍ قضاء احتفالات رأس السنة بالشوارع والكنائس.
اعتادوا أن يحتفلوا وهم يطلقون الأغاني والترانيم.. لكن هذا العام بات المشهد مشتعلاً باحتجاجات الغضب، بدلاً من الفرح والابتهاج.. احتجاجات شعبية سريعة التطور حلت في ظل تلك البرودة القارسة، التي ظنت السلطات أنها ستظل على حالها، إلا أن الأمور تصاعدت سريعا.
في المشهد الأول شعوب تنتظر التغيير وتنفجر في لحظة لم تكن في حسبان الحكومة التي توعدت بـ"رد صارم" كما حدث في مدن كازاخية أغضبها قرار رفع أسعار الوقود والسلع الأساسية في دولة هي الأقوى اقتصاديا بآسيا الوسطى، وتعد مصدراً رئيسياً للمعادن والنفط والغاز، والتي تمثل أكثر من 55٪ من ميزانية الدولة.
في المشهد الثاني مواجهات ومناورات يحسمها قائد بمعالجة الأزمة قبل تفاقمها وامتصاص الغضب الشعبي بتلبية المطالب العقلانية وإطلاق وعود صادقة مقيدة بمدد زمنية للتنفيذ الفعلي.
إلا أن ما يحدث في كازاخستان من تطورات سريعة ودخول للقوات الروسية من أجل إعادة الاستقرار إلى البلد، بعد طلب الرئيس توكاييف دعمًا من منظمة معاهدة الأمن الجماعي -تحالف دولي يضم عدداً من دول الاتحاد السوفييتي السابق- ينقل الوقائع من دائرة شعب غاضب إلى دائرة الشكوك بوجود "مخططات جيوسياسية استخباراتية بفعل قوى أجنبية غربية ذات نفوذ إقليمي تهدف إلى خلق أزمة ومناطق نزاع متقاربة، وبالأخص قرب الحدود الروسية والصينية!".
إذاً هي تراكمات سياسية واقتصادية وأمنية عديدة تقوم اليوم على إثر احتجاجات كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وفي الأفق لمحة جيوسياسية من صراع روسيا مع الغرب -أمريكا والناتو.
ولكن في الداخل يعاني الشعب كذلك ارتفاع نسب البطالة.
ورغم أن شعب كازاخستان في بداية الأزمة أصدر تنبيهاته بتغيير الحكومة، فإن الحكومة واجهته بقطع الإنترنت، فكانت النتيجة أن تضاعف الغضب الدفين وتصاعدت المطالب لتغيير النظام بأسره، وليس الحكومة وحدها، في ظل تراكمات من حكم نور سلطان باييف، الرئيس الأسبق للبلاد، والذي لا يزال مؤثرا في كازاخستان ومفاصله رغم استقالته.
ويبقى الترقب للحراك المحيط بكازاخستان والتساؤلات فيما إذا كانت الدول الغربية ستكتفي بمراقبة الوضع عن بُعد، في ظل ما تملكه من استثمارات هناك، ومدى الدور الذي ستلعبه منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والتي في الغالب لا تتخذ موقفاً إن كانت الصراعات ناتجة عن الشؤون الداخلية، بعكس التدخلات الخارجية!.. وما إذا كان الصراع الداخلي سينتقل لمستوى العنف أم سيواجَه بطريقة عقلانية؟!
نأمل أن يعود الاستقرار لهذا البلد المسالم وأن ينعم الناس بيوم عيدهم في أواخر الشتاء، وهم يغنون ويصنعون الألعاب والأمل لمستقبل مزهر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة