مظاهرات كينيا تهدد واشنطن بخسارة حليف أفريقي جديد
سلطت أسابيع من الاضطرابات غير المسبوقة في كينيا الضوء على أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
واندلعت احتجاجات دامية في كينيا بعد أسابيع فقط من استقبال الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الكيني ويليام روتو في مايو/أيار الماضي، في زيارة دولة انتهت بتصنيف الولايات المتحدة كينيا بأنها "حليف رئيسي من خارج الناتو".
وواجهت قوات الشرطة الاحتجاجات بحملة قمع وحشية قتلت خلالها ما يقرب من 20 شخصا فضلا عن إصابة 300 آخرين، في حين تقول جماعات حقوق الإنسان إن عدد القتلى يتراوح ما بين 39 و200 شخص، ما يعكس الفوضى وخطورة الوضع، وفقا لما ذكره موقع "ريسبنسبل ستيت كرفت".
واندلعت الاحتجاجات التي يقودها الشباب، وجرى تنسيقها عبر تطبيق "تيك توك" وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى بسبب الغضب من مشروع قانون المالية، وهو جزء من حزمة الإصلاح التي فرضها صندوق النقد الدولي لزيادة الدخل الضريبي الإضافي، من أجل سد العجز في ميزانية البلاد التي ترزح تحت وطأة عبء الديون السيادية الضخم.
وفي غضون 6 سنوات (بين عامي 2014 و2020)، ارتفعت مدفوعات فوائد الديون في كينيا كحصة من الإيرادات من 11% إلى أكثر من 20%، ما أدى إلى استنزاف هائل للاحتياطيات، إلى جانب انخفاض قيمة العملة الوطنية الكينية بنسبة 19%.
وفي محاولة لتهدئة التوتر بعد اقتحام الشباب مقر البرلمان في العاصمة نيروبي، جرى سحب مشروع القانون، إلا أن الاحتجاجات استمرت، ما دفع الولايات المتحدة إلى إصدار بيان الأسبوع الماضي يحث كينيا على "ضبط النفس".
وأثار البيان انتقادات داخل وخارج الولايات المتحدة وطالبت منظمة العفو الدولية الرئيس بايدن بإدانة "عنف الشرطة ضد المتظاهرين السلميين وحالات الاختفاء القسري"، والتحدث مع نظيره الكيني روتو مباشرة.
وقالت المنظمة إن وقوع حملة القمع مباشرة جاء بعد أن منح بايدن أعلى وسام دبلوماسي أمريكي لروتو، ما يدل على أن "الولايات المتحدة استمرت في الفشل في إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان في علاقتها مع كينيا".
ويعكس موقف واشنطن عدم الثقة الشعبية بشكل واسع النطاق في أفريقيا بالولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية الأخرى.
وفي تصريحات لـ"ريسبنسبل ستيت كرفت"، قال الناشط الكيني المشارك في الاحتجاجات موكي أبيل، إن "الولايات المتحدة تهتم بوجود هذه الحكومة في السلطة أكثر من اهتمامها بمواطني كينيا"، واعتبر أنها "جزء من القوى التي تقف وراء ما تعانيه كينيا اليوم".
ووسط دعوات لاستقالة روتو وشعارات معادية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مظاهرات كينيا، أصبحت واشنطن، التي تعد أكبر مساهم في المؤسستين الماليتين، هدفا سهلا للمشاعر المعادية للغرب.
ولطالما كانت كينيا شريكًا تجاريًا وأمنيًا رئيسيًا للولايات المتحدة في شرق أفريقيا، إذ لعبت نيروبي دورا مهما في جهود مكافحة حركة الشباب في الصومال، لكن الكثير من الناشطين الشباب يرون أن العلاقة بين البلدين مفيدة فقط للنخب في الغرب وأفريقيا، في حين يبقى الناس العاديون في صراع مع الفقر والبطالة.
وبالتزامن مع الاحتجاجات انتشرت قوات من الشرطة الكينية تدعمها الولايات المتحدة في هايتي في مهمة دعم أمني متعددة الجنسيات للتصدي للعصابات التي سيطرت على جزء كبير من الدولة الكاريبية منذ أوائل العام الجاري.
ويرجع البعض موقف واشنطن المتردد في انتقاد روتو إلى امتنانها لنشر قوات الشرطة في هايتي، وهي الخطوة التي يعارضها الرأي العام في كينيا وتعتبرها المحكمة العليا غير قانونية.
وتُظهر الاضطرابات في كينيا المعضلة التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة تعاني من انعدام الأمن وتشهد منافسة بين القوى العظمى.
ويسلط هذا التحدي، المعروف أيضاً باسم "معضلة السياسة الأفريقية الثلاثية"، الضوء على صعوبة تعزيز الديمقراطية، ومكافحة التطرف العنيف، وإيجاد الطريق في عالم تتنافس فيه القوى العظمى على النفوذ، إذ يأتي ذلك في الوقت الذي تحقق فيه روسيا اختراقات ناجحة في المنطقة مع اتباع سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وقال فيرغوس كيل من مركز تشاتام هاوس في لندن، إن الاستقبال الحار لروتو في شهر مايو/أيار الماضي في واشنطن، على الرغم من ماضيه المثير للجدل، يعكس "درجة من البراغماتية الأمريكية".
وأضاف أن الولايات المتحدة تواجه "خيارات محدودة بشكل متزايد لشراكة ثنائية قوية في القارة الأفريقية".
وبحسب المصدر ذاته، فإن البراغماتية شيء وتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان شيء آخر، خاصة في ظل تآكل النفوذ الأمريكي والغربي في القارة الأفريقية وسط موجة من الانقلابات العسكرية "الشعبية"، الأمر الذي يفرض على البيت الأبيض أن يضع في اعتباره أن هذا النهج قد يؤدي إلى زيادة الغضب المتزايد تجاه الولايات المتحدة التي تلقت عدة ضربات من دول أفريقيا مؤخرا.
ففي أبريل/نيسان الماضي، طلب المجلس العسكري في النيجر من القوات الأمريكية مغادرة البلاد التي شهدت انقلابا العام الماضي، وذلك في أعقاب انسحاب مماثل لفرنسا من مستعمراتها السابقة في منطقة الساحل.
وخلال السنوات الأخيرة تراجعت أيضا علاقات الولايات المتحدة مع الشركاء الأقوياء سابقاً مثل أوغندا ورواندا وجنوب أفريقيا.
وبالتالي، فإن معضلة كينيا تمثل فرصة لواشنطن لإعادة تقييم أهداف سياستها الخارجية في أفريقيا من خلال تحديد الأمر الذي يحظى بالأولوية القصوى وهل هو السياسة الخارجية القائمة على القيم أم القائمة على المصالح؟
ويبدو أن الاختيار لن يكون سهلا، لكن فيرغوس كيل ينصح الولايات المتحدة بتجنب إغراء التعامل مع العلاقات من خلال منظور المنافسة بين القوى العظمى فقط، وقال إنه "يجب على واشنطن أن تتخذ خطاً قوياً بشأن تشجيع قوات الأمن الكينية على ضبط النفس في التعامل مع المظاهرات والتأكيد على شرعية حرية التعبير".
وأضاف أنه يتعين على واشنطن أيضا الاستمرار في التأكيد على دعم حل التحديات العالمية الأوسع نطاقاً التي ساهمت في الضائقة المالية في كينيا.
aXA6IDMuMTI4LjE3MS4xOTIg جزيرة ام اند امز