صحف غربية: خطاب كيري بلا جدوى.. ومخاوف من نهاية حل الدولتين
عدة صحف غربية شككت في جدوى خطاب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، معتبرة أنه محاولة عبثية لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني
تساءلت عدد من الصحف الغربية عن جدوى الخطاب المطوّل، الذي ألقاه بالأمس وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي يتناول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فيما حذّر مراقبون من أن محاولات كيري البائسة في نهاية ولاية أوباما ربما تعكس الوضع الصعب لحل الدولتين الذي أصبح مجرد مفهوما مجردّا.
وفي افتتاحيتها شككت صحيفة "تليجراف" البريطانية في جدوى ما وصفته بأنه "محاضرة كيري لإسرائيل"، التي حاول خلالها تفسير خلفية امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على القرار الذي أدان الاستيطان في الأراضي المحتلة، وهو ما يخالف ما اعتادت الولايات المتحدة أن تفعله في تلك الأحوال؛ حيث كانت دائما ما تستخدم حق النقض (الفيتو) لحماية حليفتها.
كما عبّر كيري عن مخاوفه من أن حل الدولتين بات في خطر وأن إسرائيل تتجه نحو ضم أراضي الضفة الغربية التي يفترض أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة.
وأشارت الصحيفة إلى أن إدارة أوباما ستترك السلطة بعد 22 يوما فقط، لتترك المساحة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي أعرب عن رفضه لموقف إدارة أوباما، معتبرة أن محاولات كيري خلال الأيام الأخيرة لإدارته بأنها محاولة عبثية لن تؤتي ثمارها.
وفي السياق ذاته، وصفت صحيفة "الجارديان" البريطانية خطة كيري للشرق الأوسط بأنها تشبه خطة الرئيس الأسبق بيل كلينتون العقيمة في أواخر أيام ولايته.
وأشارت الصحيفة إلى أن جون كيري، ليس أول وزير خارجية أمريكي يضع خطة للسلام في الشرق الأوسط وهو على مشارف ترك المنصب، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2000، طرح الرئيس الأمريكي بيل كلينتون مجموعة ضوابط لحل الدولتين تغطي نفس القضايا الشائكة: القدس، وحق العودة، وتبادل الأراضي على أساس حدود 1967.
وتعكس كلا المحاولتين حالة الشلل والتداعي التي أصيبت بها عملية السلام خلال الستة عشرة عاما الماضية.
وأضافت الصحيفة أن جون كيري، ذهب في خطابه الذي تجاوز الساعة أبعد من أي وزير خارجية أمريكي سابق في إدانته لسياسات بنيامين نتانياهو، مشيرة إلى أن تلك السياسات سيكون لها آثار كارثية على الأمن القومي بعيد المدى لإسرائيل.
واستخدم كيري لغة حادة على نحو غير معتاد في وصف طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية. وكما قال كيري، نتنياهو ما زال يردد عبارة "حل الدولتين" لكنه يترأس حكومة وصفها الوزير الأمريكي بأنها "الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل"، وينفذ أجندة تمليها العناصر الأكثر تشددا.
ويبدو الاختلاف الرئيسي بين خطاب كبري وما طرحه كلينتون من قبل هو الاعتراف الواضح بإسرائيل كدولة يهودية من قبل جيرانها، بالإضافة إلى مشاركة كلا الطرفين في القدس دون تقسيمها.
كما أن السياق الذي تم طرح المبادرتين فيه كان مختلفا، ففي كامب ديفيد في يوليو/ تموز 2000 اقترب كلينتون أكثر من أي رئيس أمريكي آخر من التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني شامل، وكان من الممكن عقد صفقة بين إيهود باراك وياسر عرفات بعد ذلك بخمسة أشهر. كما التقى الطرفان مرة أخرى في قمة طابا في يناير/ كانون الثاني 2001.
وعلى النقيض، ألقى كيري بخطابة في وقت أصبح فيه مفهوم حل الدولتين مجرد مفهوم فارغ حيث لم يعد جزءا مما يسعى إليه أي من الطرفين.
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن كيري كان يرغب في إلقاء مثل ذلك الخطاب قبل عامين ولكن البيت الأبيض رفض.
ورغم أن نتانياهو أسرع في التعبير عن غضبه من ذلك الخطاب ووصفه بأنه "منحاز ضد إسرائيل"، كان من الواضح أنه غير قلق وأن عينيه ترنوان للمستقبل القريب. فكان ترامب قد طمأن نتانياهو في تغريدة له قال فيها: "لا نستطيع قبول استمرار عدم احترام إسرائيل. لقد كان لديهم دائما صديق مخلص في الولايات المتحدة ولكنه لم يعد كذلك. وبدأ ذلك في الصفقة النووية الإيرانية المروعة ثم هذا (قرار الأمم المتحدة)! تحلي بالقوة يا إسرائيل، فيوم 20 يناير/ كانون الثاني بات قريبا" (في إشارة لتسلمه مهام منصبه رسميًا).
ومن ثم كانت رسالة الرئيس المنتخب لإسرائيل واضحة، تجاهلي كلمات كيري، فسوف تعمل الإدارة الأمريكية القادمة على تخفيف الضغط فيما يتعلق بالمستوطنات.
وتساءلت صحيفة "الغارديان" البريطانية في النهاية عن الغرض من ذلك الخطاب الذي ألقاه كيري قبل 23 يوما من مغادرته لمنصبه، وعن ذلك قال إلان جولدنبرج، أحد المسؤولين السابقين بالخارجية إن الخطاب يحاول وضع حدود لأجندة الإدارة قبل مجيء ترامب.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن خطاب كيري يجسد شخصيات مختلفة ومتضاربة تعكس سنوات من الإحباط التي شعرت بها إدارة أوباما وكيري نفسه أمام ما كانوا يعتبرونه العناد الإسرائيلي.
وفي المقابل، كان تعامل نتانياهو وترامب قويا مع ما اعتبروه خيانة لأقرب أصدقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ووسط ذلك التراشق العنيف، أصبح مفهوم حل الدولتين الذي كان يحظى بقبول دولي واسع مستبعدا على الأقل حتى الآن.
ومن جهة أخرى، أشار موقع "بلومبرج" إلى أن خطاب كيري يزيد من توتر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعدما تبادل كيري ونتانياهو الاتهامات بشأن توقف عملية السلام في الشرق الأوسط فيما تعهد دونالد ترامب ببداية جديدة بعد توليه المنصب.
وأشار الموقع إلى أن أوباما ونتانياهو لم يتمكنا أبدا من إقامة علاقات إنسانية قوية حتى في الأوقات التي كانت تتعاون فيها حكومتاهما في العديد من القضايا العسكرية والاستخباراتية والتجارية. حيث كان أوباما ينتقد بوضوح المستوطنات الإسرائيلية منذ اللحظة التي وطأت فيها قدماه مكتبه، كما أنه اصطدم بإسرائيل بسبب الصفقة النووية مع إيران خلال العام الماضي.
وأضاف الموقع أن خطاب كيري الذي يأتي مع مشارف انتهاء إدارة أوباما لن يكون له تأثير كبير على الأرجح، فيقول شامويل ساندلر، خبير العلوم السياسية بمركز "بيجن- السادات للأبحاث الاستراتيجية" إن الانتقاد المباشر لنتانياهو "كان قويا وكان شخصيا في بعض الأحيان، ولكنه سرعان ما سيذهب طي النسيان".
ومن جهة أخرى كانت صحيفة "الغارديان" قد تحدثت في عدد سابق عن مساعي إدارة الرئيس الأمريكي إلى الإسراع في وضع إطار لاتفاقية فلسطينية إسرائيلية بالتعاون مع حلفاء دوليين في محاولة لحماية ما تبقى من عملية السلام.
وأشارت إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى من خلال مؤتمر باريس المزمع عقده في 15 يناير/ كانون الثاني المقبل وقبيل خمسة أيام من تولي ترامب مهام منصبه إلى عزل نتانياهو في محاولة لدفعه مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات.
فيما قلل مراقبون من أهمية خطاب كيري والأطروحات التي تترتب عليه حيث إن ترامب بإمكانه تغيير دفة الأمور ودفعها في طريق جديد.
وفي النهاية، تساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عما إذا كان ترامب الذي اشتهر ببراعته في التفاوض وعقد الصفقات سيتمكن من عقد صفقة عمره عند توليه المنصب خلال الشهر المقبل.
aXA6IDQ0LjE5Mi45NS4xNjEg جزيرة ام اند امز