الآن وبعد أن فشلت «واشنطن بوست»، وقد راهنت تركيا على دورها في دفع الرئيس ترامب لما تهواه، وأثبت هذا الفشل ناشر الصحيفة في تغريدة له.
تم الإفصاح من «المحبين» و«المترحمين» على روح المواطن السعودي جمال خاشقجي، رحمه الله، عن الهدف الأساسي في تبنيهم للقضية التي أشغلتهم لعدة أسابيع واستهلكت مخزون اللون الأحمر المستخدم في أسفل قناة الجزيرة المصاحب لمفردة «عاجل». الحقيقة، وكما انكشف وتابعتم، لم يكن الهدف ترحما على وفاة أبي صلاح ولا تعاطفا مع ما تعرض له من جريمة بشعة ولا بحثا عن العدل ومحاكمة المتهمين على الإطلاق. الهدف قبل وبعد القضية هو السعودية أولا، ثم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. اليوم لم يعد الحديث تلميحا بل صريحا للغاية، لكن لماذا تتم مهاجمة مسؤول كهذا؟ ما الذي دفعهم إلى هذا الحد من التهور والهستيريا؟
«القزم الذى يتمتع بشهية الغيلان» كما يصفها الكتاب الفرنسي «قطر، أسرار الخزينة»، الذي صدر وانتشر مؤخرا في أوروبا، فلم تزدها هذه القضية إلا الخسران والعزلة. سلوك حكامها وإعلامها، ولا أتحدث عن الشرفاء في قطر، خلال هذه القضية قذفهم إلى أعماق مناطق العار الذي لن يتمكنوا من التطهر منه أبدا.
لعلنا نستذكر بدايات هذا القائد الشاب.. كشف خيانة قطر وقاطعها وحشرها في شبه الجزيرة الزائدة من المملكة. واجه المد الصفوي في اليمن بالسلاح وبواسطة تحالف عربي قوي تحت قيادته. أوقف رموز السرورية الإخوانية وبعض من تدور حولهم الشبهات من السعوديين في الداخل ذوي التواصل مع الخارج بهدف ما يزعمون بأنه «إصلاح» وهو في الواقع خيانة، وهم اليوم يحاكَمون. الأمير وضع رؤية حديثة نحو مستقبل واعد لبلاده لزمن ما بعد النفط. وعد بخلق فرص عمل جديدة والإقلال من البطالة. فتح نوافذ المجتمع السعودي المغلقة ودفع بحماس وعزم ومحبة إلى تمكين الشعب السعودي من الفرح داخل بلاده، والمرأة السعودية من قيادة سيارتها واقتحامها غير المسبوق لسوق العمل. تحدث عن تنمية كبرى للشرق الأوسط وليس المملكة فقط، وهذا يعني تحولا هائلا لمستقبل شعوب المنطقة التي أدمنت الفشل وعاشت على الصراعات المزيفة.
كل هذا العمل يعتبر توجها جديدا وقويا لاستقرار الدولة وقيادتها وهيبتها بل وواعدا لبناء متين للمنطقة برمتها. لم يكن كل ذلك متوفرا عندما قرر حمد بن خليفه وحمد بن جاسم حكام قطر قبل ١٥ عاما الجلوس مع القذافي وطلب مشاركته في إسقاط المملكة «المترهلة» كما زعما، ليتسنى لهما تقسيمها بعد إحداث الفوضى بداخلها.
قضية خاشقجي إذن سمحت فقط بتضخيم الحملة الإعلامية القائمة أصلا منذ سنوات ولكن باستحياء، وإشراك تركيا هذه المرة وهي الطامعة لقيادة المسلمين بزعامة أردوغان؛ سمحت القضية لهم بتدويلها عبر توظيف المال المدفوع لمراكز البحوث والعلاقات العامة الدولية ذات الميول الأوبامية في الولايات المتحدة ممن وقفوا ودعموا سنوات الربيع العربي الغابرة؛ صادف ذلك أيضا فترة انتخابات الكونجرس والحملات المسعورة هناك ضد الرئيس الأمريكي ترامب، حيث أن الهجوم على السعودية يعتبر هجوما على الرئيس. بل إن وجود هذه القضية والاستماتة في تدويلها تحولت إلى منزلق غير مسبوق للهاوية لصحف عالمية كبرى، مثل «الواشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» وغيرها، فقد مارست هذه الصحف كل أنواع الأكاذيب وعنونت على صدر صفحاتها ومواقعها تسريبات تركية لا مصادر لها واستكتبت المجرمين أهل السوابق السوداء، ووصل الحماس والحقد مع واحدة من العاملات بالبوست وكانت تساعد المرحوم بصياغة مقالاته، حد الجنون، بأن تساءلت كيف يبقى حساب المستشار السعودي سعود القحطاني في «تويتر» موثقا حتى اليوم.
قد نجد لهؤلاء بعض العذر لو كان الشعب السعودي متذمرا ومتململا من قيادته ويشعر بأنها قيادة لا تصلح ويتطلع إلى دعم العالم للتخلص منها. قد نتفهم حملتهم لو كان السعوديون من الشعوب غير الواعية ممن تتلاعب بعواطفهم مسائل القال والقيل. مصيبتهم بل وسوء طالعهم أن ولي العهد الذي يرونه رأس الحربة ويجب إبعاده، يتمتع ربما بأعلى نسبة تأييد بين مواطنيه في العالم مقارنة بأي شخصية عالمية أخرى في موطنها. من أسباب هذا التأييد غير المسبوق إضافة إلى ما ذكرته قبل قليل، وعي الشعب السعودي وإدراكه بما يدور حوله، وما يحاك خلف الأسوار للإطاحة بطموح الوطن وتطلعاته التي يقودها الملك وولي العهد بشكل أبهر الأعداء قبل الأصدقاء.
الآن وبعد أن فشلت «واشنطن بوست»، وقد راهنت تركيا على دورها، في دفع الرئيس ترامب لما تهواه وأثبت هذا الفشل ناشر الصحيفة في تغريدة له، استعدوا للقادم. قد تشعر تركيا بالحاجة إلى استخدام العاطفة من جديد وتسرب التسجيلات للعامة بما احتوته من أصوات وعراك، خصوصا وقد رفضت تسليم المملكة هذه التسجيلات واكتفت بالنص المكتوب فقط. قد تفعل ذلك كورقة أخيرة من أوراق الابتزاز لتشويه سمعة المملكة وقيادتها، لكن حتى هذه لن تنجح، والسبب أننا في المملكة نتعامل مع الجريمة بمهنية، والمتهمون تحت طائلة التحقيق وستتم محاكمة من قرر القتل وسينال العقاب الذي يستحقه، لكن ما يؤسَف عليه حقا إن هم فعلوا ذلك، هو التجرد الكامل من «الإنسانية» التي يتشدقون بها. هذا فضلا عن تجريمهم مستقبلا في التنصت على البعثات الدبلوماسية الأجنبية والتي سيأتي الحساب عليها في ما بعد، ولا يوجد لدي أدنى شك في ذلك.
أما «القزم الذي يتمتع بشهية الغيلان» كما يصفها الكتاب الفرنسي «قطر، أسرار الخزينة» الذى صدر وانتشر مؤخرا في أوروبا، فلم تزدها هذه القضية إلا الخسران والعزلة. سلوك حكامها وإعلامها، ولا أتحدث عن الشرفاء في قطر، خلال هذه القضية قذفهم إلى أعماق مناطق العار الذي لن يتمكنوا من التطهر منه أبدا.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة