في النصف الثاني من القرن العشرين نجح العلماء في تصميم أجهزة ذاتية الحركة تستطيع القيام بمهام متكررة بشكلٍ دقيق.
وتم تسمية هذه الأجهزة بـ"الروبوتات"، وباللغة العربية "الإنسان الآلي".
واستُخدمت هذه الروبوتات في مجال الصناعة، وفي الأعمال الشاقة والخطرة مثل إطفاء الحرائق، والبحث تحت الأنقاض، وفي نقاط توقيف الشرطة في الأماكن الخطرة أمنياً.
ولكن التطور الأكثر أهمية جاء بعد إدخال برامج الذكاء الاصطناعي في هذه الأجهزة، فأكسبها قدرات عقلية هائلة تقارب البشر.
فتم مثلاً تصميم روبوت يرتدي زي طبيب ويقوم بالكشف على المرضى وتشخيص حالتهم وطريقة علاجهم.
ومن أشهر نماذج الروبوتات الذكية "صوفيا"، التي قامت بزيارة العديد من الدول العربية، منها الإمارات ومصر، وشاركت في مؤتمرات نقلها التليفزيون.
ولكن هناك وجه آخر لهذا التطور ينطوي على قدرٍ كبيرٍ من الخطورة، وهو ما يُسمَّى بـ"الروبوتات القاتلة"، والتي من أحدث صورها في عام 2021 روبوت "سبور"، الذي أنتجته شركة أمريكية، وهو في شكل كلب يحمل على ظهره بندقية يستطيع أن يستخدمها كأحد أمهر القناصة.
ومنها الروبوتات، التي تم إدخالها على نُظُم التسلح مثل نظام تستخدمه الطرادات البحرية بهدف الاكتشاف التلقائي لنُظُم الدفاع الجوي المضادة للسفن والغواصات وتعقبها وتدميرها، والطائرات دون طيار، التي تقوم بالبحث عن العدو وتحديد مكانه وتدميره، والطائرات المقاتلة صغيرة الحجم القادرة على الإقلاع من حاملة طائرات ومطاردة الأعداء ثم العودة للهبوط.
ومنها الروبوتات، التي تم تزويدها بتكنولوجيا التعرف على الوجوه، فتقوم بالبحث عن أفراد معيَّنين وقتلهم، والروبوتات التي تأخذ شكل قوات حرس الحدود في مناطق التوتر وتُدمِّر من تلقاء ذاتها أي هدف يعبر الحدود، مثلما الحال على الحدود بين الكوريّتيْن.
ومنها الاغتيال الجماعي للعشرات بواسطة الروبوتات القاتلة في ليبيا عام 2020، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن مجلس الأمن.
ويُمكن أن تقوم كل هذه الروبوتات الذكية بأداء مهامها بشكلٍ مستقل دون تدخُّل بشري، لذلك أُطلق عليها اسم "الأسلحة الفتاكة المستقلة".. ويُقصد بها أنواع من الأسلحة ذاتية الحركة والتشغيل تتسم بقدرتها على الرصد والاشتباك عند تعرُّفها على الخصوم أو الأهداف المعادية.. وهي تعمل وفقاً لبرامج الحاسب الآلي، فتختزن عدداً هائلاً من البيانات المتعلقة باتخاذ القرار وتنفيذه.
وتمتلك هذه الأسلحة القدرة على إدارة القتال، واتخاذ القرارات اللازمة تجاه الأعداء، أي إن لديها القدرة على رصد الأهداف المعادية وتعقبها والقيام بأعمال المناورة، واتخاذ القرار بالهجوم وإطلاق النار أو الانسحاب، وذلك كله دون تدخُّل بشري، ومن ثَم لا يُمكن التنبؤ بسلوكها.
وأثار ظهور هذه الروبوتات نوعين من الجدل: جدل سياسي حول شرعية استخدام الروبوتات القاتلة.. إذ يرى المدافعون عنها أنه يُمكن برمجتها بعشرات الاحتمالات والبدائل، وبالقرارات المختلفة المناسبة لكل موقف.. ومن ثم يُمكنها اتخاذ القرار الملائم في وقتٍ قصير وعلى نحو يتجاوز قدرة الإنسان، ويُقلل التكلفة البشرية للحروب.
كما أنها أسلحة عاقلة رابطة الجأش لا تغضب ولا ينفد صبرها، ومن ثم فإنها تُقلل من أخطاء البشر.
أما الرافضون فيرون أن الاندفاع في هذا الاتجاه أغفل الفارق الهام بين الإنسان والآلة، وهي قدرة الإنسان على وقف الهجوم العسكري إذا ما ظهرت معلومات جديدة غير متوقعة، مثل أن يكون المكان المستهدف غاصّاً بالمدنيين، وهو ما لا يستطيع الروبوت إدراكه.
هذا الفارق هو الذي يفسِّر حدوث بعض المآسي البشرية مثل إسقاط طائرة مدنية إيرانية عام 1988 ومصرع جميع ركابها، وتدمير سيارة يركبها نساء وأطفال في كابول خلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 2021.
وهذه المآسي هي ما دفعت الأمين العام للأمم المتحدة إلى وصف هذه الأسلحة بأنها "مرفوضة سياسياً وبغيضة أخلاقياً".
والجدل الآخر جدل قانوني حول من يتحمّل المسؤولية الجنائية عن تصرفات تلك الروبوتات القاتلة في الاشتباكات والحروب.
ففي الماضي، تمت إقامة محاكم جنائية دولية لمُحاسبة الأفراد الذين انتهكوا قواعد القانون الدولي الإنساني، كما حدث في مُحاكمات نورمبرج ومُحاكمات مجرمي الحرب في كوسوفو.
وهنا يثور السؤال حول من تتم محاسبته حال ارتكاب الروبوتات القاتلة مثل هذه الانتهاكات.
ونتيجة لهذا الجدل، فقد أصبحت الروبوتات القاتلة على جدول أعمال الأمم المتحدة ومجلسها لحقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، وعدد متزايد من علماء الذكاء الاصطناعي، الذين يطالبون بالتوقيع على اتفاقية دولية تُحرِّم بعض أنواع الروبوتات القاتلة أو بعض استخداماتها، كما حدث من قبل بالنسبة للأسلحة البيولوجية والكيميائية.
ويتخوف هؤلاء من احتمال أن يشهد المستقبل انتهاء سيطرة الإنسان على استخدام القوة، وأن تصبح الحروب مواجهة بين جيوش من الروبوتات الذكية المستقلة، التي لا تحكمها اعتبارات أخلاقية أو إنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة