حمد بن عيسى آل خليفة..مسيرة بناء تثري تاريخ البحرين
الـ16 من ديسمبر، ليس تاريخا عاديا في التقويم البحريني، ففي مثل هذا اليوم تزدان المملكة بعيدها الوطني وذكرى تولي الملك مقاليد الحكم، وهي ترفل بالاستقرار والازدهار.
ففي هذا اليوم تحتفي المملكة بيومها الوطني الـ49 والذكرى الـ21 لتسلم عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم.
مناسبة يقف فيها العالم أمام إنجازات تنموية وحضارية رائدة، تُوجت بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، بقرار تاريخي من ملك البلاد، بعد تبنيه رؤية فريدة لتحقيق السلام والتعايش في المنطقة.
إنجازات تستعرضها "العين الإخبارية" من حيث بدأها الملك حمد بن عيسى آل خليفة عقب توليه الحكم عام 1999، بإعلانه الإصلاحات الدستورية والميثاق الوطني عام 2001، الذي عادت من خلاله الحياة البرلمانية والديمقراطية إلى المملكة.
الأعياد الوطنية.. دروس في الوفاء
رغم توليه مقاليد الحكم يوم وفاة والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 6 مارس/آذار 1999، إلا أن ملك البحرين آثر استمرار احتفال البلاد بعيدها الوطني يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الذي يصادف تولي والده السلطة عام 1961، ليؤرخ بالتاريخ نفسه ذكرى عيد الجلوس .
وكانت البحرين شهدت في عهد حاكمها السابق الاستقلال عن بريطانيا في 14 أغسطس/آب عام 1971، وعقب هذا التاريخ تم تأخير الاحتفال بالعيد الوطني ودمجه مع ذكرى تولي الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة مقاليد الحكم، وهو ما حافظت عليه المملكة حتى اليوم.
وتعد ذكرى عيد الجلوس واليوم الوطني إلى جانب كونها مناسبة وطنية مهمة، فرصة يعبر فيها أهل البحرين عن مشاعر الفخر والامتنان والتقدير لقائد نهضة بلادهم على مدار 21 عاما.
مولده ونشأته
والملك حمد بن عيسى آل خليفة هو الابن الأكبر بين إخوته؛ حيث ولد في مدينة الرفاع يوم 28 يناير/كانون الثاني 1950، والتحق بالمدرسة الابتدائية في السادسة من عمره، وحرص والده على تعليمه اللغة العربية.
كما اقتنع بأن أفضل طريقة لتقويم لسان الطفل هي تعليمه تلاوة القرآن الكريم ومبادئ الدين، فاستعان بكبار المحفظين وشب يعشق الشعر العربي والنبطي، وهو ما كان له عظيم الأثر في تقدم لغته وأسلوبه وشخصيته.
ومنذ صغره، كان الملك حمد حريصاً على حضور مجالس والده ليستمع إلى تاريخ الأمم والوقائع بشكل عمق من خبرته وحنكته السياسية.
واهتم أيضا في فترة صباه بتعلم السباحة والرماية والفروسية على أيدي مدربين ماهرين، فأصبح يهتدي بآراء الرجال الأكفاء، كلٌ حسب اختصاصه، ولذلك فقد كانت هذه البذور الأولى لاهتمامه بالرياضة ورعايته للرياضيين بعد توليه الحكم.
ولاية العهد.. بداية تولي المسؤولية
ومع انتهاء دراسته المتوسطة سنة 1964 بتفوق، أعلن رسميا توليه ولاية العهد، يوم 27 يونيو/حزيران من العام نفسه، وهو في الرابعة عشر من عمره، وذلك بعد 3 سنوات من تولي والده مقاليد الحكم في 16 ديسمبر/كانون الأول 1961.
ثم التحق بالدراسة الثانوية في مدرسة ليز بمدينة كمبردج بإنجلترا، وبعدها التحق في 14 سبتمبر/أيلول 1967 بدورة في كلية مونز الحربية للضباط في مدينة درشوت همبشارير وتخرج فيها يوم 14 فبراير/ شباط 1968.
وبعد عودته إلى البحرين، قام بوضع خطة لإنشاء قوة دفاع البحرين التي تم تعزيزها ببراءة أميرية في مستهل شهر أغسطس/آب سنة 1968، وظل الملك متبوئا منصب القائد العام لقوة دفاع البحرين منذ بداية تأسيسها وحتى توليه مقاليد الحكم عام 1999.
كذلك شغل منصب رئيس مديرية الدفاع وأصبح عضوا في مجلس الدولة الذي تم تأسيسه في 19 يناير/كانون الثاني 1970، وعقب استقلال البحرين في 14 أغسطس/آب 1971، وتشكيل مجلس الوزراء أصبح وزيراً للدفاع.
وفي 21 يونيو/حزيران 1972، التحق الملك حمد بمقره العسكري التدريبي بكلية القيادة ورئاسة الأركان في فورت ليفنويرث (كنساس) بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنح وسام الحرية لمدينة كنساس من قبل عمدة وشعب مدينة كنساس.
خلال أوقات فراغه في ليفنويرث كان يتلقى مقرراً في المراسلات الخارجية للكلية الصناعية للقوات المسلحة في واشنطن، حيث نال شهادة الدبلوم الوطنية في الإدارة العسكرية، وذلك في 31 مايو/أيار 1972.
ويوم 26 يونيو/حزيران 1972 حصل على شهادة الشرف العسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية وذلك تقديراً لما أنجزه في الشؤون العسكرية منذ عام 1968، ونتيجة ذلك تم وضع اسمه ضمن الأسماء المدرجة في لوحة الشرف للضباط في الجامعة.
بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية انهمك بشكل جاد في العمل على دفع عجلة التطور والتوسع في بلاده بصورة عامة وفي قوة دفاع البحرين بصورة خاصة.
وجرى تعيينه في 26 يونيو/حزيران 1974، نائبا لرئيس مجلس عائلة آل خليفة بعد مرسوم أميري صدر في هذا السياق.
كما تم تعيينه رئيسا للمجلس الأعلى للشباب والرياضة في عام 1975.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1977، بدأ تدريبه على طائرات الهليكوبتر، وقد تخرج طيارا يتمتع بكفاءة تامة في قيادتها، وذلك في 14 يناير/كانون الثاني 1978.
ومنذ ذلك الحين، سار قدماً في إنشاء جناح الدفاع الجوي لقوة دفاع البحرين.
تولي مقاليد الحكم
بعد أن قضى 35 عاما وليا لعهد البلاد تقلد فيها كثيرا من المناصب واكتسب كثيرا من الخبرات، تولى الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة الحكم أميراً للبحرين (حيث كانت البلاد ما زالت إمارة) يوم السبت 6 مارس/آذار 1999م، في نفس يوم وفاة والده.
وفي 9 مارس/آذار 1999م، أصدر مرسوماً أميرياً يقضي بتعيين ابنه الأكبر الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة ولياً للعهد.
وبعد نحو عام من توليه الحكم، أصدر الملك حمد قرارا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2000 بتشكيل لجنة وطنية لإعداد ميثاق العمل الوطني، وقد تسلم مشروع الميثاق في الشهر التالي، وتم طرحه على الاستفتاء في 14 و15 فبراير/شباط 2001، ووافق عليه 98.4% من المواطنين.
ومشروع ميثاق العمل الوطني في البحرين يُعد وثيقة تاريخية، احتوت على مبادئ عامة وأفكار رئيسية، الهدف منها إحداث تغييرات جذرية في منهج العمل والأداء.
المشروع الإصلاحي
ومثّل هذا الميثاق قاعدة انطلق منها المشروع الإصلاحي الذي أطلقه ملك البحرين، وشمل إحداث تغييرات جذرية في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تم بموجبه إعادة إحياء الحياة السياسية والديمقراطية في البحرين بعد أن توقفت عام 1975.
وقد غدا الميثاق الوطني القاعدة الأساسية لجميع التغييرات السياسية التي شهدتها المملكة في عصرها الإصلاحي الشامل.
ففي الذكرى الأولى لتدشين ميثاق العمل الوطني، عُدل دستور البلاد في 14 فبراير/شباط 2002، وأعلن ملك البحرين في خطاب له تحول البلاد من إمارة إلى مملكة دستورية.
كما مهد الميثاق إلى إجراء انتخابات المجالس البلدية في أبريل/نيسان من العام نفسه، ثم انتخاب أعضاء مجلس النواب في أكتوبر/تشرين الأول وانعقاد أولى جلساته في 2002 لتبدأ المسيرة الديمقراطية في مملكة البحرين عهدا جديدا.
ولم تقتصر التغيرات الإيجابية التي شهدتها البحرين على تلك النواحي، بل اشتملت على تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية، الأمر الذي أهَّلها إلى دخول البرلمان.
وتتويجا لتلك المسيرة الديمقراطية، شهدت البحرين خلال الفترة من 24 نوفمبر/تشرين الثاني حتى 1 ديسمبر/كانون الأول 2018 انتخابات برلمانية وبلدية، وتوجت بانتخاب برلمان ومجلس بلدي جديدين.
رؤية 2030.. مستقبل واعد
على الصعيد الاقتصادي، تمتاز البحرين ببيئة اتصالات حديثة وبنية تحتية للنقل والمواصلات، كما أن المملكة لديها تشريعات عديدة محفزة للاستثمار، منها قوانين الشفافية ومكافحة الفساد وتسهيل منح التراخيص وغيرها.
وأضحت مركزا تجاريا وماليا متخصصا للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لتنجح إلى حد كبير في جذب مئات من البنوك والشركات الاستثمارية في مختلف القطاعات.
وتركز الرؤية الاقتصادية 2030، التي أطلقها الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أكتوبر/تشرين الأول 2008، على بلورة رؤية حكومية متكاملة للمجتمع والاقتصاد، والتي تتمحور حول 3 مبادئ أساسية؛ هي التنافسية، والعدالة، والاستدامة.
ومنذ إطلاق الرؤية الاقتصادية 2030 والاستراتيجية الاقتصادية الوطنية، تمكنت المملكة من إحراز تقدم ملحوظ في عملية الإصلاح الاقتصادي وزيادة كفاءة أداء الجهات الحكومية.
جهود رائدة لنشر السلام
وعلى صعيد السياسة الخارجية، واصلت مملكة البحرين في عهد الملك حمد جهودها ومساعيها من أجل تعزيز علاقاتها بدول العالم كافة والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في كل المحافل والمنابر الدولية.
كما التزمت المملكة بسياسة واضحة المبادئ والثوابت في علاقتها مع دول الجوار الخليجي ودول مجلس التعاون الشقيقة.
وشارك الملك حمد بصورة شخصية ناشطة في معظم المؤتمرات والمحافل الدولية المعنية بإنشاء السلام العالمي والتخفيف من معاناة الشعوب، وكان دائما على الخط الخليجي مبادرا لتعزيز الصف وتوكيد أواصر علاقات التعاون والتنسيق بين الأشقاء.
وتوجت تلك السياسة بالتوقيع على بيان تاريخي مشترك بين مملكة البحرين وإسرائيل يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بشأن "إقامة علاقات دبلوماسية إيذاناً ببداية عهد جديد وواعد في العلاقات بين البلدين".
وأشاد العالم في هذا الصدد بالمواقف الشجاعة لعاهل البحرين، وتبنيه رؤية فريدة لتحقيق السلام والتعايش في المنطقة، وسط إشادات بجهوده للإسهام في ترسيخ عصر جديد من السلام والازدهار، وسط تأكيدات بحرينية أن تلك الخطوات ستساهم في تعزيز الجهود الرامية لإيجاد حل عادل وشامل وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية لضمان حقوق الشعب الفلسطيني.
إنجازات مستمرة
وتحتفل مملكة البحرين بأعيادها الوطنية وهي تتطلع للغد بمزيد من التفاؤل والأمل، في ظل ما تشهده البلاد من إنجازات كبيرة في مختلف المجالات.
فقد أكد تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2020، نجاح مملكة البحرين في المحافظة على مكانتها في فئة "التنمية البشرية العالية جداً" من المؤشر، استناداً إلى المؤشرات المتعلقة بمتوسط دخلها والتعليم ومقاييس الصحة، إلى جانب زيادة نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي لكل من الذكور والإناث، فضلاً عن معدل مشاركتها في القوة العاملة للنساء.
كما سطرت مملكة البحرين خلال فترة جائحة كورونا نجاحات متميزة، حيث اتخذت إجراءات وخطط استباقية قبل بدء انتشار الوباء على المستوى العالمي للحد من التداعيات والآثار الاقتصادية له، و نفذت مبادرات عدة تهدف إلى الحفاظ على صحة وسلامة أفراد المجتمع وتعزيز النمو الاقتصادي.
وأطلقت المملكة حزمة مالية واقتصادية بقيمة تفوق 4.5 مليار دينار بحريني لدعم تنوع قاعدة الاقتصاد عبر ضخ السيولة اللازمة للقطاع الخاص وإسناده ودعم الأفراد والشركات مما أسهم في تقليل تداعيات الجائحة على مختلف القطاعات الحيوية.
وتمضي مملكة البحرين قدماً في تنفيذ كافة الخطط الواعدة والسياسات التي من شأنها أن تساهم في تجاوز تحدي فيروس كورونا بنجاح بما يصب في مواصلة النمو الاقتصادي.