في مشهد سياسي درامي ظهر مندوب الجيش السوداني بقيادة الفريق البرهان في مجلس الأمن الدولي، متهماً دولة الإمارات بتقديم السلاح والدعم لقوات الدعم السريع.
لم تكن هذه الاتهامات مجرد كلمات عابرة، بل جاءت محملة بعبارات قوية تهدف إلى زعزعة موقف أبوظبي على الساحة الدولية.
لكن الإمارات، ببراعتها الدبلوماسية، وصفت هذه الاتهامات بأنها سخيفة وباطلة، مؤكدة أنها لا تستند إلى أي أدلة، وأنها مجرد محاولات يائسة من الجيش السوداني للتغطية على هزائمه.
وراء هذا الاتهام يكمن هدف أكبر وأعمق، فقد أصبحت الهزائم المتتالية للجيش السوداني بمثابة كابوس يحاول قادته التخلص منه بتوجيه الاتهامات للخارج.
ولم تقتصر المسألة على مجلس الأمن فقط، بل امتدت إلى وسائل الإعلام المتحالفة مع جماعة الإخوان، الذين يسعون لإعادة إنتاج نظام البشير بوسائل مختلفة.
هؤلاء الذين اختطفوا البلاد عبر انقلاب 1989 بقيادة البشير وحسن الترابي، أشعلوا فتيل الخراب الذي أحرق السودان برمته نتيجة سياساتهم الكارثية.
فقد استخدم التنظيم الدولي للإخوان السودان كمحطة للإرهاب وممر للأفغان العرب، مما جعل البلاد مرتعا للفوضى وعدم الاستقرار.
من جهة أخرى، لم تنكر الإمارات يوماً جهود كل من أسهم في التنمية الاقتصادية والتعليمية منذ تأسيسها، وتعتبر كل الوافدين إليها جزءا من مجتمعها المتسامح.
أما سياسات جماعة الإخوان في السودان فقد أسهمت في تشريد مئات الآلاف من الشعب وتهجيرهم، مما جعل السودان نموذجا للفشل الذريع في إدارة الدولة واستغلال مواردها.
في خضم هذا الصراع الدبلوماسي كان السفير الإماراتي محمد أبوشهاب حاضرا بقوة، إذ التفت إلى نظيره السوداني الحارث إدريس وقال له بلهجة حازمة: "إذا كنتم تسعون إلى إنهاء الصراع ومعاناة المدنيين، فلماذا لا تأتون إلى محادثات جدة؟ لماذا تعرقلون وصول المساعدات؟ توقفوا عن المزايدات وتحملوا مسؤولية الصراع الذي بدأتموه".
كانت هذه الكلمات بمثابة السهم الذي أصاب قلب الأزمة، كاشفة عن الحقيقة المرة التي يحاول النظام السوداني إخفاءها.
وفيما يخفق الجيش السوداني في تقديم أي دليل على اتهاماته لدولة الإمارات، فإن الدعم العسكري الذي تلقاه من إيران بات واضحا.
فقد أرسلت طهران طائرات مسيرة ومدرعات وذخائر إلى الجيش السوداني لدعمه في معركته ضد قوات الدعم السريع، لكن هذه الحقائق لم تمنع السفير السوداني من مواصلة مزاعمه في مجلس الأمن، محاولا تشتيت الانتباه عن الانتهاكات الجسيمة التي تحدث على الأرض.
وتسيطر على الجيش السوداني حالة من الإحباط نتيجة الهزائم الميدانية المتتالية، خاصة مع اقتراب قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، هذه الهزائم لم تكن مجرد خسائر عسكرية، بل تحولت إلى جراح سياسية يعاني منها النظام السوداني أمام المجتمع الدولي.
ورغم الدعوات المتكررة للعودة إلى محادثات السلام في جدة، ترفض مليشيات الإخوان في الجيش السوداني التجاوب مع هذه الدعوات، مدعية أنها تبحث عن نوايا خالصة للسلام.
لكن الحقيقة هي أن هذه النوايا ليست سوى ستار يحاول النظام السوداني الاختباء خلفه، بينما يستمر في زعزعة الاستقرار الداخلي وافتعال الأزمات الخارجية.
المشهد السوداني في مجلس الأمن لم يكن سوى صورة مصغرة لصراع أكبر يدور على الأرض.
فبينما يسعى النظام السوداني لتوجيه الاتهامات إلى الخارج تبقى الحقيقة هي أن الحل يكمن في الداخل، عبر وقف المعارك والجلوس إلى طاولة المفاوضات بنوايا صادقة.
وحتى يتحقق ذلك ستظل الاتهامات والمزايدات مجرد زوبعة في فنجان، لا تغير من الواقع شيئا.
وسط هذه الدوامة السياسية تتعاظم معاناة المدنيين الذين يجدون أنفسهم عالقين بين نارين، قوات الدعم السريع من جهة، والجيش السوداني من جهة أخرى. بينما تتبادل الأطراف الاتهامات وتتشبث بمواقفها يبقى المدنيون هم الخاسر الأكبر في هذا الصراع المستعر.
لقد أصبح واضحا أن الاستمرار في توجيه الاتهامات والهروب من المسؤولية لن يجلب السلام أو الاستقرار للسودان.
إن الحل الحقيقي يكمن في التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تضمن حقوق جميع الأطراف وتوقف نزيف الدماء، لكن هذا يتطلب نوايا صادقة وجهودا جادة من جميع الأطراف المعنية، بعيدا عن المزايدات السياسية والاتهامات المتبادلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة