قادة دولة الإمارات لا يتركون أية مناسبة عربية ولو كانت هامشية دون أن يذكروا مواقف الأشقاء العرب ومواقف الدول الصديقة بأنهم أسهموا ولا يزالون يسهمون في صناعة قصة نجاح هذه الدولة.
ولدينا أمثلة لا تعد ولا تحصى، ويأتي أغلب هذا الثناء على لسان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات.
ولكي نضع الأمور في نصابها الصحيح، فإن هذا الثناء وهذا الشكر غير ملزمة به القيادة الإماراتية ولا أي إماراتي لأسباب موضوعية ومنطقية سيأتي ذكرها بالتفصيل لاحقاً، ولا يمنع أن نذكر أن التجربة أو النهضة الإماراتية خالصة من إبداعات مؤسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
ولكن الثناء والشكر هي سمة تمتاز بها القيادة الإماراتية، وشعور إنساني راق ينم عن احترام هؤلاء القادة لكل فرد خدم في هذه الدولة، خصوصا الأشقاء العرب.
إن أردت التخصيص من باب مناسبة الحديث فالأشقاء في السودان لهم مكانة وخصوصية، إذ يتفق الجميع (داخل الإمارات وخارجها) على عطائهم الكبير وجهدهم دون ضجيج، وإنهم لا يمنّون على أحد، كما فعل مندوب النظام السوداني في مجلس الأمن قبل أيام.
قد تكون المعايرة الأخيرة على دولة الإمارات -التي جاءت على لسان مندوب السودان في مجلس الأمن بأنهم "بنوا نهضة الإمارات"، لكنها لم تكن المعايرة الأولى- متكررة في كل مرة يختلف فيها بعض السياسيين العرب مع دولة الإمارات، وتكون ردة فعل هؤلاء السياسيين معايرة على بناء نهضة الإمارات، ولكن يتناسون أنهم سبب خراب أوطانهم وتشويش من يعمل على مساعدتهم ومحاولة قطع "شعرة معاوية" مع كل من يحاول تقديم الواجب الإنساني.
لا ينكر أبناء دولة الإمارات أن هناك أشقاء عرب وأصدقاء من مختلف دول العالم شاركوا في نهضة الإمارات، التي تقدم اليوم تجربة تنموية أنموذج في العالم، بل بات يطلق عليها "أحد النمور الاقتصادية" في العالم، الأمر الذي نعتقده أنه محل فخر أشقائنا العرب وليس الحسد والمعايرة، فالأولى الاستفادة من هذه التجربة وليس نقدها.
كما أنه لا يجد أبناء هذه الدولة أي غضاضة من هذه المشاركة الإنسانية في تنمية مجتمعاتهم، خصوصاً من الأشقاء العرب على الأقل من ناحية الواجب القومي إذا كانوا يؤمنون بهذا الفكر.
بل إن هذه الدولة الخليجية كانت وما تزال تمثل "فرصة" لصناعة الأمل للكثيرين من خلال العمل فيها، بل أحد الانتقادات الموجه لها أن تركيبتها السكانية المختلفة بسبب كثافة العاملين أو بالأصح (الباحثين عن الأمل) فيها تكاد تكون هي الوحيدة في العالم الجميع يعمل فيها أو عملوا فيها، وأن تحويلات هؤلاء العاملين في هذه الدول هي مصدر دخل الحكومات التي تعايرنا.
هذه المعايرة (بالنسبة لنا نحن في الإمارات ولمواطني الدول العربية الشقيقة) باتت تثير السخرية على مستخدميها وتثير الشفقة على المستوى الفكري الذي وصلت به بعض القيادات العربية الذين يستخدمون المنابر ووسائل الإعلام العالمية لفضح طريقتهم غير الحضارية باستخدام "أسلوب الردح" السياسي.
"الارتقاء فوق الاختلافات" ومحاولة حفظ الود هو المانع عن النزول إلى مستوى بعض الخطابات السياسية العربية والرد عليها، إذ باتت متكررة.
والمؤسف في الأمر، أنه بدلاً من محاولة النظام السياسي معرفة مرضه والخلل الذي أدى به لهذه الحالة من الفشل التنموي تجده يحاول استغفال شعب بلاده من خلال اتهام الناجحين، بأنهم سبب فشلهم، مع أن السمة الغالبة للنظام على مدى أكثر من ستة عقود هو عدم النجاح، (فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟).
أما إذا أراد من يعايرنا على تجربتنا عليه أن يتذكر هذه الخصائص أو العوامل وأن يقيسها على نجاحاته الوطنية كي يكون صادقاً مع نفسه وهي:
1- إدراك القائد، تكاد كل المعارف الإنسانية أن تتفق على أن وجود رؤية واضحة لدى القائد هو العنصر الأهم من أي عامل آخر، فإدراك من خلال رؤيته مكانة وطموحات بلاده في الساحة العالمية هو المحرك الأساسي في أن يضعها في المكان المناسب.
ولو أسقطنا هذا العنصر أو المتغير على الإمارات سنجده يمتلك رؤية تنموية واضحة لبناء وطنهم منذ تأسيسها، ومن الطبيعي بالتالي الاستعانة بأيد عاملة لتنفيذها وقد يكونون من السودان الشقيق، وقد يكونون من الأشقاء العرب وغيرهم، فالمعيار هنا الكفاءة المهنية، والأشقاء العرب يمتلكون كفاءات كبيرة وهم منتشرون في بقاع العالم.
2- البيئة المحفزة، الهجرات الإنسانية خاصة من ذات الكفاءات العقلية والمهنية تبحث عن المكان المناسب للعطاء والإبداع، وربما هذا السبب الذي دفع بالأديب السوداني (الطيب صالح) صاحب الهجرة إلى الشمال، وهم كثر من شاكلته في عالمنا العربي.
دولة الإمارات كانت ولا تزال واحدة من الأماكن المستقطبة لتلك العقول العربية لتبدع، والسودانيون هم شركاء في النهضة الإماراتية بلا شك منذ تأسيس الاتحاد، بل إن التجربة الإدارية للسودان متقاربة مع التجربة الإماراتية، لذا عملوا على وضع العديد من الأفكار في البلديات المحلية في دولة الإمارات.
3- تبادل المنفعة، تكاد تغيب هذه الفكرة عن الأخوة العرب وغيرهم عندما يعايرون دولة الإمارات وغيرها من الدول الخليجية بأن للمسألة جانبين "خدمة مقابل مكافأة مالية" يعني عقد عمل فهم يركزون على جانب واحد من الفكرة، وهي: أنهم شاركوا في بناء نهضة الإمارات يتناسون عمداً أنهم قبضوا مقابلا ماديا نتيجة جهدهم، وهذا المقابل قد يفوق أحيانا عما هو موجود في بلده الأصلي، وأن المسألة لم تكن مجانية، وإلا لما جلس لحظة في هذه الدولة ليس فقط لأن طقسها حار كما يردد بعضهم، ولكن لأن "الغربة مرة" بطبيعتها ولكن الدافع للهجرة أمرّ، ومن ثم من المناسب قبل شحن نفوس المواطنين ضد دولة الإمارات أن يتم ذكر منطق المصلحة المتبادلة لتكتمل القاعدة.
4- للنجاح ألف أب، مَثلٌ عربي معروف، والكل يدرك معناه، قصة نجاح الإمارات الكل ينسبها لنفسه، حتى لو لم يسهم فيها، ولكن من منطلق أن الكل يحاول أن يلصق نفسه بهذه التجربة التنموية ويتفاخر بأنها بُناة فكره وإبداعاته.
وكأنه يقدم مصلحة الإمارات على بلاده، مع أن الطبيعة البشرية هي محبة الإنسان لذاته وتقدم على الآخرين، بمعنى.. كان من الأجدى ومن المنطق أن يعمل مندوب السودان لينجح وطنه وأبناء شعبه قبل الآخرين، ولكن لو كملنا بقية المثل العربي أن "للفشل أبا واحدا" وأحيانا ليس له أب، سنعرف أن المندوب كان يحاول تحسين صورة نظامه على حساب دولة الإمارات من خلال المعايرة.
عندما يُحشر الفاشل أو العاجز في مكان لا مفر منه للهرب يختار اتهام الآخرين بما فيها من الأخلاقيات السيئة، وهنا علينا أن نستغرب محاولة حشر الخلاف ليكون مع أعز شعب على الإماراتيين وهو الشعب السوداني، ولكن هيهات.
الشعب السوداني قبل المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يدرك مساعي الإمارات لمساعدته والوقوف بجانبه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة