عقدت مجموعة وزراء تحالف أوبك+ مؤتمرها الشهري يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين لتقرير مستوى إنتاج دول التحالف خلال شهر فبراير المقبل.
وكانت الطروحات التي عرضت أمام المؤتمر تذهب في اتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول يرى ضرورة خفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا، بينما يدعو الاتجاه الثاني إلى زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا.
ونعيد التذكير بأن هذه الطروحات تأتي على أساس من الاتفاق الذي توصل إليه وزراء تحالف أوبك+ في شهر أبريل الماضي. وقد نص الاتفاق حينها على خفض مستوى إنتاج دول المجموعة بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا طيلة الشهور الثلاثة مايو- يوليو، ثم تم تمديده شهرا إضافيا حتى نهاية أغسطس. ثم يتم بعد ذلك زيادة الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل، أي يصبح مقدار الخفض الإجمالي 7.7 مليون برميل يوميا حتى نهاية شهر ديسمبر، وهو ما تم تنفيذه بالفعل. وأخيرا زيادة الإنتاج بمقدار 1.9 مليون برميل يوميا، إذ تصبح كمية خفض الإنتاج هي 5.8 مليون برميل يوميا من بداية يناير 2021 حتى نهاية مارس 2022، وهو ما تم التوافق على تعديله، بحيث يتم زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا فقط، أي تصبح كمية الخفض الإجمالية 7.2 مليون برميل يوميا وليس 7.7 مليون برميل يوميا خلال شهر يناير، مع زيادة قدرها 500 ألف برميل يوميا خلال شهري فبراير ومارس.
وأيضا مع تعديل موعد الاجتماعات للمؤتمر الوزاري للتحالف، ليصبح شهريا بدلا من مرتين في العام، من أجل توفير مرونة أكبر في اتخاذ القرارات. ومن هنا جاء اجتماع شهر يناير لتعرض أمامه الطروحات التي سبق الإشارة إليها في بداية المقال.
دعوة إلى خفض الإنتاج
وكانت المملكة العربية السعودية فيما يبدو من أكبر الداعين إلى خفض سقف إنتاج التحالف، وذلك لمراقبتها لمستوى الطلب في ظل تحور فيروس كورونا والإغلاقات التي فرضت بالفعل في عدد من البلدان وإمكانية توسيع هذه الإغلاقات في عدد آخر من البلدان، نتيجة للانتشار السريع للعدوى، مما يؤدي إلى ضعف الطلب على النفط، أضف إلى ذلك زيادة مستوى المخزونات لدى الدول المستهلكة، وهي عوامل ربما تضعف أسعار النفط كثيرا.
وكان الموقف السعودي واضحا أشد الوضوح من تصريحات وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في بداية المؤتمر بقوله "لا تخاطروا بما حققناه من أجل تحقيق فائدة فورية وغير واقعية"، محذراً من النسخة الجديدة لفيروس كورونا وتداعيات تفشيها على اقتصادات العالم قائلا: "الطفرة الجديدة للفيروس لا يمكن التكهن بعواقبها، في أجزاء كثيرة من العالم، حيث زادت معدلات الإصابة بشكل مثير للقلق.. يتم وضع موجة جديدة من الإغلاق والقيود، والتي ستؤثر حتماً على معدل الانتعاش الاقتصادي في تلك البلدان". وحث الوزير السعودي وزراء التحالف على "توخي الحذر" وعدم التسليم بالتقدم الذي أحرزته المجموعة خلال العام الماضي، حتى في هذه البيئة المتفائلة بشكل عام، فلا يزال مستوى عدم اليقين في العالم مرتفعا، وأضاف "لا يزال الطلب العالمي على النفط أقل بكثير مما كان عليه في بداية العام. الطلب على وقود النقل، خاصة وقود الطائرات، هش بشكل خاص".
دعوة أخرى إلى رفع الإنتاج
مقابل ذلك كان هناك الموقف الروسي، يدعمه موقف كازاخستان، حيث طالبتا بزيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا، ويرى نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أن أي تقليص للإنتاج في ظل أسعار تدور حول 50 دولارا للبرميل يعني أن يتم سد النقص أو ملء الفراغ في السوق من قبل المنتجين الآخرين لا سيما منتجي النفط الصخري الأمريكي. ويستند الموقف الروسي إلى التفاؤل بشأن الطلب مع اكتشاف لقاحات لفيروس كورونا ومع التوقعات السائدة للكثير من المنظمات الدولية بتعافي النشاط الاقتصادي في دول العالم خلال العام الحالي. إذ من المنتظر أن تبلغ معدلات النمو في بعض البلدان المستهلكة الكبرى للنفط مثل الصين والهند (ثاني وثالث أكبر مستهلك) نحو 8%، كما سيبلغ معدل النمو في منطقة اليورو نحو 3.6%، كما من المتوقع أن تسجل الولايات المتحدة معدلا للنمو يبلغ 3.5%، بينما يُتوقع أن يبلغ معدل النمو في العالم النامي نحو 6%.
كما أن التطورات على المدى القصير خاصة خلال الشهر الماضي توضح تحقق تعافٍ كبير في النشاط الاقتصادي لا سيما في النشاط الصناعي.
فقد أُغلق مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في الولايات المتحدة في ديسمبر عند أعلى مستوى في 6 سنوات، إذ أعلنت "آي إتش إس ماركت" أن مؤشرها لمديري المشتريات التصنيعي ارتفع إلى مستوى 57.1 في ديسمبر من 56.7 في نوفمبر، وتحسن المؤشر أيضًا من القراءة الأولية في منتصف ديسمبر عند 56.5، مع الوضع في الاعتبار أن كُل قراءة أعلى من 50 تشير إلى التوسع في النشاط.
وحقق قطاع التصنيع في منطقة اليورو نموا بأسرع وتيرة في أكثر من عامين ونصف العام في ديسمبر، إذ أظهرت القراءات الأحدث لاستطلاعات الرأي الشهرية التي تجريها شركة "آي إتش إس ماركت" أن ألمانيا قادت النمو مع توسع النشاط بأسرع وتيرة في ثلاث سنوات تقريباً. كما سجلت جميع الدول الأخرى تقريباً تحسناً. وجاءت قراءة مؤشر منطقة اليورو عند 55.2 نقطة بارتفاع من 53.8.
ويعود بعض التحسن في المصانع في ديسمبر، خاصة في أيرلندا وهولندا، إلى ارتفاع مؤقت في الطلب من العملاء في المملكة المتحدة الذين أرادوا ملء مخازنهم قبل موعد بريكست بنهاية العام.
إزاء هذين الموقفين المتعارضين ما بين خفض مستوى الإنتاج أو رفعه بنصف مليون برميل يوميا، كانت هناك صعوبات في التوصل إلى اتفاق جماعي، وهو ما استدعى تأجيل المؤتمر لمدة يوم واحد من 4 إلى 5 يناير، لإتاحة الفرصة لمزيد من المشاورات.
حل الخلاف ودور المنتج الموازن
وجاء الحل لهذا التعارض فريدا في وضعه إلى حد كبير، إذ سُمح لروسيا بزيادة إنتاجها بمقدار 65 ألف برميل يوميا، كما سُمح لكازاخستان بزيادة 10 آلاف برميل يوميا، بينما تم تثبيت مستوى إنتاج بقية البلدان باستثناء السعودية التي أقدمت على تضحية كبيرة في الحقيقة بتخفيض سقف إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا طوال شهري فبراير ومارس، بحيث يصبح مستوى إنتاجها 8.125 مليون برميل يوميا. وعلى حين وصف نائب رئيس الوزراء الروسي الخفض على أنه هدية السعودية في العام الجديد، قال وزير الطاقة السعودي إن "الخفض الطوعي لإنتاج النفط بادرة على حسن النوايا من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان".
ويبدو أن السعودية تستعيد بهذا الخفض الطوعي إلى حد كبير موقفها خلال فترة طويلة تمتد من منتصف ثمانينيات حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي حينما كانت تلعب دور المنتج المتمم أو المنتج الموازن داخل منظمة الأوبك. حينما كانت المملكة تقوم بتعديل حصة إنتاجها بناء على إنتاج المنتجين الآخرين ضمن سقف الإنتاج الإجمالي للمنظمة. صحيح أن الخفض هذه المرة قصير المدى لمدة شهرين فقط، ويأتي في ظل ظروف أفضل نسبيا، إذ ليس هناك انهيار أو موجة من الانخفاض في الأسعار وإنما حالة ضبابية فقط بشأن مستقبل الطلب في المدى القصير. إلا أنه من حيث الجوهر يلعب هذا الخفض الطوعي داخل تحالف أوبك+ دورا مماثلا لما كان يلعبه دور المنتج المتمم أو الموازن للمملكة السعودية ضمن منظمة أوبك. ويأتي ذلك ضمن توقع أن تكون ظروف السوق خلال الربع الثاني من العام أفضل وأكثر يقينية مقارنة بالربع الأول من العام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة