إحياء مؤسسات التعاون الإسلامي يتطلب مواقف موحدة وتوجهات مباشرة تجاه القوى الدولية الراغبة في تكريس سياسة الأمر الواقع.
لا يمكن النظر إلى قمة كوالالمبور الإسلامية وتداعياتها على أنها تحرك مباشر فقط من قِبل بعض الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا لمناقشة قضايا العالم الإسلامي فقط، من خلال التأكيد على وجود إدراك مسبق بما يمر به هذا العالم من تحديات ومخاطر حقيقية يمكن أن تؤثر على مسارات واتجاهات العالم الإسلامي في الفترة المقبلة، وأنها يمكن أن تكون بديلا للدول الإسلامية الكبرى، والتي تقوم بهذا الدور انطلاقا من وقائع ومعطيات إسلامية كبيرة، سواء من خلال رسالتها التي تقوم بها أو من خلال دورها الكبير في الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي وملفاته الكبيرة.
ومن ثم فإن المشكلة ليست في عقد قمة مصغرة أو مكبرة، وإنما الإشكالية الرئيسية تتعلق بكيف يمكن مواجهة هذه المنعطفات الجديدة والتي تقودها دول وزعامات معينة معروف توجهاتها وخلفياتها ومسعاها للوجود في قلب العالم الإسلامي والحديث باسمه، ومحاولة التأكيد على حضورها في مواجهة ما يجري، خاصة أنها تتحرك بدوافع أيديولوجية وسياسية، وعبر مشروعات ومخططات معينة تحت عباءة معروف لونها وتوجهاتها لبناء سواتر لما تقوم به.
إن مواجهة ما يجري تتطلب سرعة التفاعل مع هذه المخططات الجديدة التي تسعى للهيمنة على مقاليد العالم الإسلامي وفقا لتقديرات معروفة وبصرف النظر عما يروج عكس ذلك، وعبر مشروعات قديمة يعاد تدويرها انطلاقا من التأكيد على ضرورة العمل على حل مشكلات العالم الإسلامي ومواجهة أزماته الهيكلية، ودون طرح حلول حقيقية فعالة أو مؤثرة
هذا ما عبّرت عنه التحركات التركية الإيرانية القطرية، والتي حاولت في فعاليات القمة تغطيته بموضوعات عدة. لا شك أن بعض هذه الدول المدعوة أكدت عدم انضوائها تحت أي راية محددة، ولكن كل الشواهد أشارت إلى أن المخططات الجديدة لهذه الدول تعمل في مسارات أهمها العمل على بناء مؤسسات وكيانات موازية لمنظمات راسخة، والسؤال المشروع لماذا كان كل هذا الحشد من مفكرين وكتاب من تيارات محددة، وتحت مسمى مناقشة قضايا تنموية وعلاقاتها بسيادة الدول وخيارات التحرر، والخروج من حالة التبعية إلى غيرها من القضايا التي طرحت وجمعت كتابا من الشيعة والسنة ومن مذاهب سياسية محددة، وكان بعضهم قد شارك في منتدى الدوحة بعدة أيام.
الأصل في المضمون أن منظمة المؤتمر الإسلامي وحدها المختصة بمناقشة قضايا العالم الإسلامي، ولكن ما دار في قمة كوالالمبور يمكن أن يكون منطلقا لمخططات أخرى كان قد بدأ بتناولها مؤخرا، وفي الذاكرة مشروع الدول الثماني الذي طرح في التسعينيات وفشل، والواقع أن العالم الإسلامي في حاجة إلى تكاتف دوله الكبرى من أجل مواجهة المد الخارجي ومحاولة القوى الدولية تقويض أركانه، وهو ما تنبهت له دول عربية وإسلامية كبرى وليس مجموعة دول آسيا وحدها أدركت تبعات ما تقوم به بعض القوى العابثة بأمن الإقليم في الوقت الراهن، وعملت على تصدير الأزمات تباعا لأمن الإقليم وتوظيف حالة التفكك الراهنة، وتعميق مسارات التأزم رغم تحذيرات القمة الإسلامية الأخيرة، والتي عقدت في السعودية، ودعت لضرورة مواجهة ما يجري، ومحاولة بعض الأطراف النيل من وحدة العالم الإسلامي، كأكبر قوة مؤثرة في العالم، ولها ارتباطاتها الإقليمية والدولية الكبيرة.
إن إحياء مؤسسات التعاون الإسلامي يتطلب مواقف موحدة، وتوجهات مباشرة تجاه القوى الدولية الراغبة في تكريس سياسة الأمر الواقع، وإبقاء العالم الإسلامي في دائرة محددة لا فكاك منها، وهو ما يجب الحذر منه؛ إذ إن ما يطرح في داخل دوائر بعض الدول الإسلامية يحتاج إلى مراجعات حقيقية، ومعطيات معينة ترتبط بما يجري من خلافات داخل الكتلة الإسلامية، والتي تعبر عنها منظمة المؤتمر الإسلامي، وبين رغبة بعض الدول الإسلامية في لعب دور تدخلي، ولعل النموذج التركي خير تعبير عن هذا الأمر سواء بتدخلاته في شؤون الدول الإسلامية بصورة سافرة، كما يعبر النموذج الإيراني عن نمط في التفاعل مع الدول الإسلامية انطلاقا من مشروع فارسي معلوم توجهاته، ومنطلقا من أفكار بالية تقوم على ضرورة تصدير الثورة إلى الخارج.
إن مواجهة ما يجري يتطلب سرعة التفاعل مع هذه المخططات الجديدة التي تسعى للهيمنة على مقاليد العالم الإسلامي وفقا لتقديرات معروفة وبصرف النظر عما يروج عكس ذلك، وعبر مشروعات قديمة يعاد تدويرها انطلاقا من التأكيد على ضرورة العمل على حل مشكلات العالم الإسلامي ومواجهة أزماته الهيكلية، ودون طرح حلول حقيقية فعالة أو مؤثرة، وترديد شعارات ومبادئ تنظيرية ليس فيها خيارات حقيقية قابلة للتفعيل، خاصة أن أغلب المشكلات المطروحة على الصعيد الإسلامي سبق أن طرحت في قمم منظمة المؤتمر الإسلامي منذ قيامها 1969 حتى اليوم وبالتالي فإن خلصت إرادات الدول الأعضاء، وتوافقت الرؤى يمكن التوصل إلى خيارات حقيقية لمواجهة ما يجري ويسعى لضرب استقرار العالم الإسلامي، وتهديد دوله بالأساس، ومن المهم أن تكون هناك وقفة حقيقية من الدول الإسلامية الكبرى لمواجهة ما يجري من خلال استراتيجية جادة وفاعلة وعبر تنسيق يضم الدول الأعضاء، مع التأكيد على أن منظمة المؤتمر ستظل المنبر الإسلامي الرئيسي في الدفاع عن حقوق الشعوب الإسلامية، وليس أي كيانات أخرى تطرح نفسها بديلا عبر إعادة طرح أفكار القمم الإسلامية السابقة بهدف التأكيد على وجود البدائل لمواجهة ما يجري دوليا، وإن كان من الصواب النظر إلى هذه المخططات على أنها قد تزيد التجاذب بين الدول الإسلامية وليس التقارب أو التوافق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة