الحرب الدموية التركية لا تستهدف فقط حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وقوات قسد ولكنها تستهدف الكرد كشعب
في إطار سياسة الإقصاء التي تمارسها تركيا ضد الكرد تسعى تركيا جاهدة إلى تشويه القضية الكردية وتحريف حقيقتها، بوصفها قضية شعب حرم من حقوقه القومية، تعرض لأبشع المجازر على يد الحكومات التركية المتتالية، إلى درجة أن الذهن التركي تفتق إلى حد إطلاق صفة "أتراك الجبال" عليهم، في محاولة لتشويه هويته القومية، بما تحملها هذه الهوية من مكنون حضاري وثقافي.
في الواقع، هذه الحقائق المقلوبة في العقل السياسي التركي، والتي تحاول تركيا تسويقها للرأي العام العربي والإسلامي، بعد أن أشبعت الداخل بعنصرية قومية مقيتة ضد الكرد، هي نتيجة أيديولوجية قديمة-جديدة، مارستها الحكومات التركية ضد الكرد وأينما كانوا، وهي تأتي في إطار استراتيجية الحرب الخاصة التي تصنع في دوائر الاستخبارات التركية
الحرب التركية ضد الكرد تجاوزت كرد تركيا إلى كرد سوريا، لا سيما بعدما أسسوا ما يشبه كيانية سياسية خلال السنوات الماضية؛ إذ تحولوا إلى هدف لتركيا التي حوّلت آلتها الإعلامية والسياسية لبث جملة من المغالطات وتسويقها للرأي العام العربي والإسلامي، بغية التأثير في وعيه أولا، ولتشكيل رؤى مغلوطة عن واقع الشعب الكردي وقضيته ثانيا، ولتأليب هذا الرأي ضده ثالثا، ولعل من يدقق في هذه المغالطات سيجد سمة جامعة بين المحللين السياسيين الأتراك الذين يظهرون على وسائل الإعلام، إلى درجة يخيل إليك أن ثمة جهة تركية ناظمة، تضع هذه المغالطات، وتوزعها على هؤلاء لترويجها في العالمين العربي والإسلامي، بغية خلق رأي عام في المنطقة يؤيد سياسات أردوغان المتطرفة، ولعل من أبرز هذه المغالطات:
1- (الحرب ضد الإرهاب وليس ضد الكرد)، على أساس أن الحرب الدموية التركية تستهدف فقط حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وقوات قسد وليس الكرد كشعب، ولكن من يحلل الموقف في هذا الأمر سيجد أن الأمر ليس إلا محاولة لشرعنة الحرب التركية الجارية ضد الكرد منذ أكثر من قرن، أي حتى قبل ولادة حزب العمال الكردستاني، ولعل الحرب التي شنتها ضد عفرين ومؤخرا ضد رأس العين – سري كانييه، تؤكد حقيقة هذه الكذبة؛ إذ إن هذه الحرب طالت الكرد على اختلاف مشاربهم السياسية، كما طالت الشعوب الأخرى من عرب وآشور وسريان في مناطق شمال شرق سوريا، ولعل الأخطر من كل ذلك السعي إلى محو الهوية الكردية من خلال التغيير الديمغرافي الجاري على قدم وساق كما هو الحال في عفرين ورأس العين – سري كانييه.
2- (إخوة في الدين)، لا يتردد المحللون السياسيون الأتراك في كل لقاء تلفزيوني عند الحديث عن الحرب التركية ضد الكرد من تكرار مقولة إن الكرد إخوتنا في الدين ونحن وإياهم نعيش بسلام منذ القدم، لكن الحقيقة أن الهدف من هذه العبارة، هو كسب تعاطف العالمين العربي والإسلامي مع هذه الحرب، وعليه ليس غريبا أن تجد جماعات من الصومال مرورا بطرابلس الليبية وغزة وصولا إلى بعض الجماعات المسلحة في شمال سوريا تؤيد العدوان التركي تحت وهم شعارات إسلامية، مع أن الحرب التركية التي تقوم على القتل والتدمير تخالف الإسلام وكل الشرائع السماوية، حيث برع أردوغان في استخدام الدين لأجندته، فهو من جهة لا يتوقف عن رفع القرآن في كل مناسبة يخاطب فيها الحشود، ومن جهة ثانية يستشهد بصلاح الدين الأيوبي كبطل إسلامي كردي مع أن جيش أردوغان يقتل ليلا ونهارا أحفاد الأيوبي ويقف ضد تطلعاتهم.
3- (الحفاظ على الأمن القومي التركي) في كل عملية عسكرية عدوانية تركية تتذرع أنقرة بحجة الدفاع عن الأمن القومي التركي، وتحت هذه الحجة شنت ثلاث عمليات عسكرية عدوانية في سوريا (درع الفرات – غصن الزيتون – نبع السلام) مع أن أحدا لم يهدد تركيا أو أمنها الداخلي.
4- المادة 51 من الميثاق الدولي؛ إذ يفسر المحللون الأتراك بأن هذه المادة تعطي لتركيا الحق في القيام بشن عدوان على الأراضي السورية بحجة مكافحة من يهدد أمنها، مع أن المادة المذكورة لا تنص على ذلك أبدا، وللتأكيد نورد النص الحرفي للمادة 51 التي تقول: (ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي)، حيث من الواضح أن المادة المذكورة تشرع لحق الدفاع وليس الهجوم، وعلى الدولة التي تتعرض لهجوم ما، إبلاغ مجلس الأمن للبحث في اتخاذ الإجراءات المناسبة لحفظ الاستقرار والأمن، أي أن كل الحديث التركي عن شرعية إعطاء هذه المادة الحق بالهجوم والعدوان ليس إلا محاولة للالتفاف على الميثاق الدولي وإعطاء شرعية للعدوان.
5- (منع تقسيم سوريا) كثيرا ما يبرر المحللون الأتراك عدوان بلادهم ضد الكرد بمنع تقسيم سوريا على أساس أن الكرد يريدون الانفصال والتقسيم، مع أن الكرد السوريين لم يعلنوا ذلك يوما من الأيام، والغريب أن جميع ممارسات تركيا في الأراضي السورية التي احتلتها تكرس حالة من التقسيم بحكم الإجراءات التي تقوم بها على أرض الواقع، ولعلها تريد من وراء ذلك تأليب النظام والمعارضة معا ضد الكرد، فضلا عن تفجير حرب كردية – عربية من خلال اللعب على وتر القبائل العربية وبوصفها مدافعة عن الحالة العربية السنية كما يدعي حكم حزب العدالة والتنمية.
6- (العمالة لأمريكا والغرب) الحديث التركي عن هذا الموضوع يأتي في سياق تشويه سمعة الكرد والتحريض ضدهم، فضلا عن حشد الداخل التركي خلف أردوغان على اعتبار أن أردوغان يسوق (عمالة الكرد لأمريكا والغرب) في إطار خطط سرية لتقسيم تركيا وإقامة دولة كردية، وهو يريد من وراء ذلك تأليب القوى الإقليمية ضد الكرد من زاوية أن هؤلاء يعملون لصالح خطط أمريكا ومشاريعها في المنطقة، مع أن تركيا هي دولة حليفة لأمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وهي عضو في الحلف الأطلسي منذ عام 1952.
7- (عملاء لإسرائيل) اعتاد بعض المحللين الأتراك إلصاق هذه التهمة بالكرد، مع أن الحقيقة أن تركيا هي أكثر دولة في المنطقة على وفاق مع إسرائيل رغم خطاباتها العنترية ضدها؛ إذ إن تركيا هي أول دولة إسلامية اعترفت بإسرائيل عام 1949، وهي أكثر دولة عقدت معها اتفاقيات أمنية وعسكرية معها، وإلى اليوم قسم من السلاح الذي تقتل بها تركيا الكرد في الداخل والخارج هو سلاح إسرائيلي لا سيما طائرات من دون طيار من نوع (هيرون)، كما أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين في تحسن مستمر، والغريب أن بطل هذه العلاقة من الجانب التركي هو بلال نجل أردوغان وصهره بيرات البيرق.
8- (الإنسانية) اعتادت تركيا القول إن عملياتها في شمال وشرق سوريا هدفها إنساني، لا سيما في قضية اللاجئين والنازحين السوريين، ولكنها في الوقت نفسه تستغل قضية هؤلاء اللاجئين وتستخدمهم كورقة ضغط وابتزاز ضد أوروبا للحصول على المزيد من الأموال ولإجبارها على الصمت إزاء الجرائم التي ترتكبها سواء في الداخل أو الخارج، فضلا عن أن إجراءاتها ضد اللاجئين في الداخل، لاسيما في إسطنبول، تكشف عن زيف ادعاءاتها.
9- (المنطقة الآمنة) منذ البداية رفعت تركيا لواء شعار إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا لتأمين حياة مستقرة للاجئين ومنع القصف عنهم، لكن اتضح من خططها بخصوص إقامة منطقة آمنة بين تل أبيض ورأس العين-سري كانييه أنها تريد شكلا من أشكال الاحتلال، وتغيير البنية الديموغرافية للمنطقة المذكورة بهدف إنشاء بنية اجتماعية إدارية وسياسية مرتبطة بالأجندة التركية تجاه مستقبل سوريا.
في الواقع، هذه الحقائق المقلوبة في العقل السياسي التركي، والتي تحاول تركيا تسويقها للرأي العام العربي والإسلامي بعد أن أشبعت الداخل بعنصرية قومية مقيتة ضد الكرد، هي نتيجة أيديولوجية قديمة-جديدة، مارستها الحكومات التركية ضد الكرد وأينما كانوا، وتأتي في إطار استراتيجية الحرب الخاصة التي تصنع في دوائر الاستخبارات التركية، بهدف إضفاء الشرعية على الحرب التركية الهادفة إلى القضاء على الكرد هوية ووجودا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة