أكثر ما يميز تجربة العمل الخليجي المشترك التي يجسدها مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو الحرص المشترك من قبل قادة ودول المجلس على الحفاظ على هذه التجربة وتطويرها بشكل مستمر
أكثر ما يميز تجربة العمل الخليجي المشترك التي يجسدها مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو الحرص المشترك من قبل قادة ودول المجلس على الحفاظ على هذه التجربة وتطويرها بشكل مستمر لتلبية طموحات الشعوب الخليجية في الوحدة والتضامن والرخاء المشترك.
وهذا الحرص هو الذي ضمن استمرار بقاء المجلس وتطور آلياته على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهته طوال مسيرته التي قاربت على إكمال عقدها الرابع، في الوقت الذي تعثرت فيه تجارب تكاملية أخرى في المنطقة أو انهارت كلية أو دخلت في مرحلة الغيبوبة والجمود.
وجود المجلس ذاته وانتظام اجتماعاته الدورية، وما يوفره من إطار مؤسسي لقادة دوله للقاء والتشاور والتباحث في القضايا المشتركة حتى الخلافية، كفيل بأن يوفر البيئة والظروف المناسبة التي تضمن لهذا التكتل الخليجي الناجح والرائد إقليميا استمراريته وتطوره بما يحقق طموحات شعوبه في الوحدة والرخاء والتقدم
ومع كل قمة خليجية، تتجه أنظار الشعوب الخليجية وأنظار العالم كله صوب مكان انعقاد القمة، ترقبا لقرارات جديدة تضيف إلى مسيرة التكامل والتضامن الخليجية لبنات تعزز رسوخها أو ترسم ملامح الموقف الخليجي الموحد تجاه هذه القضية أو تلك.
وهو الأمر الذي تكرر مع أعمال القمة الأربعين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض في العاشر من ديسمبر الحالي، مع ملاحظة أن الاهتمام بأعمال هذه القمة والتفاؤل بنتائجها الإيجابية على منظومة العمل الخليجي وعلى مجمل قضايا المنطقة كان أكبر بالنظر إلى مكانة الدولة المستضيفة لأعمال القمة وثقلها الإقليمي والعالمي الكبير، فانعقاد القمة في أرض الحرمين الشريفين وقيادة ملك الحزم والحسم الملك سلمان بن عبدالعزيز كان كفيلا وحده بأن يرفع من توقعات وطموحات وآمال أبناء الخليج بأن تكون هذه القمة الخليجية من العلامات المضيئة في مسيرة مجلس التعاون، لأن مملكة الحزم ارتبط اسمها دائما بالإنجازات والقرارات الحاسمة لحماية أمن ومصالح دول الخليج العربية وشعوبها، كما كانت دائما وأبدا السند القوي والحضن الجامع لكل أبناء الخليج.
وقد جاءت نتائج القمة ملبية بالفعل لتطلعات وتوقعات أبناء الخليج في شقها المتعلق بمواصلة وتطوير مسيرة التكامل الخليجي وتعزيزها، حيث أقرت القمة العديد من القرارات المهمة في هذا الشأن مثل تأكيد استمرار الترابط والتكامل بين دول المجلس وأهمية تعزيز التعاون العسكري والأمني بين هذه الدول وتعزيز آليات الشراكة الاستراتيجية فيما بينها لمواجهة التحديات المشتركة التي تعترض مسيرتها، كما أكدت القمة مفهوم الأمن الجماعي الخليجي من خلال تأكيد أن أي اعتداء على أي دولة بالمجلس هو اعتداء على المجلس كله، وتأكيد وجود اتفاق خليجي عام على ضرورة مواجهة التهديدات الإيرانية والإقليمية، وغير ذلك من قرارات تدعم مسيرة مجلس التعاون الخليجي وتعزز تجربة التكامل الخليجي الرائدة.
ورغم أن القمة لم تحسم ملف المصالحة الخليجية بصورة تامة كما كان يتوقع كثيرون نتيجة غياب أمير قطر عن المشاركة في أعمالها، فإن الأجواء التصالحية التي سادت خلال أعمالها، وما أكدت قراراتها من تأكيد وحدة الصف الخليجي، وما أشار إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته التي افتتح بها القمة والتي أكد فيها أن مجلس التعاون الخليجي تمكن من تجاوز الأزمات التي مرت بها المنطقة، مطالبا دول الخليج بأن تتحد في مواجهة التهديدات التي تواجهها، وما سبق القمة وما تلاها من مؤشرات تصالحية، كل ذلك عزز التفاؤل بإمكانية تحقيق اختراق كبير في هذا الملف في المدى القريب، مع توافر القناعة والحرص من مختلف الأطراف بأن قوة دول المجلس تكمن في وحدتهم، ومع استمرار الجهود التي تقودها دولة الكويت في هذا الملف.
إن أهم ما أكدته قمة الرياض الخليجية هو أن مسيرة التكامل والوحدة الخليجية مستمرة وتتطور باستمرار، رغم كل التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، فوجود المجلس ذاته وانتظام اجتماعات الدورية وما يوفره من إطار مؤسسي لقادة دوله للقاء والتشاور والتباحث في القضايا المشتركة حتى الخلافية، كفيل بأن يوفر البيئة والظروف المناسبة التي تضمن لهذا التكتل الخليجي الناجح والرائد إقليميا استمراريته وتطوره بما يحقق طموحات شعوبه في الوحدة والرخاء والتقدم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة