ويزيد الطين بلة، بالنسبة للجيش التركي، أن عمليته هذه قد أدت إلى توتر علاقات أنقرة بواشنطن، رغم عضوية البلدين في حلف شمال الأطلسى.
إن لم يكتفِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمجرد عملية حربية محدودة أو «جراحية» محسوبة في عفرين السورية فإنه سيكون قد زج بجيش بلاده إلى مستنقع رهيب، تمتد حدوده من شمال سوريا إلى جنوب شرق تركيا نزولًا في العمق جنوباً إلى كردستان العراقية، ففي الحروب تعرف متى تبدأ؟ وكيف تبدأ؟ ولكنك لا تعرف كيف ستتوالى فصول القتال؟ وكيف سينتهي؟
لقد شرع الجيش التركي الأسبوع الماضي في هجوم بري وجوي في مكان آخر بشمال غرب سوريا، مستهدفاً وحدات حماية الشعب الكردية السورية في منطقة عفرين، ليفتح بهذا جبهة جديدة في الحرب الأهلية متعددة الأطراف التي انزلقت إليها الانتفاضة السورية، بعد أن انتقلت سريعاً من النضال السلمي إلى العنف المسلح.
وكان لتركيا دور ملموس في تطور فصولها، بدءاً من فتح الطريق واسعاً وممهداً أمام مسلحين متطرفين وإرهابيين غير متقاعدين ليدخلوا إلى أرض سوريا عدداً وعتاداً، وانتهاءً بعقد صفقات خفية مع الأطراف المتصارعة على الساحة السورية لضمان مصالح أنقرة، ولو على حساب الشعب السوري، وليس فقط النظام الحاكم.
قد يكون التدخل في عفرين، إن لم يكن سريعاً وجراحياً ومحسوباً بعناية، هو بداية دخول تركيا في اضطراب، فالجيش إن طال به المقام في سوريا من دون حسم فقد يرتد بعض قادته غاضبين على أردوغان
وإن لم ينكسر ما يسمى «وحدات حماية الشعب الكردي» سريعاً، أو انتهى الأمر بنقاط عسكرية تركية ثابتة في عفرين، لإقامة منطقة عازلة أو خالية من مناهضي تركيا، أو استمر القتال مدة طويلة، أو امتد إلى مناطق أخرى في العمق السوري، فإن كل النوافذ ستفتح أمام الطاقة الكردية الاحتياطية، الكامن منها والظاهر، كي تنخرط في المعركة، التي من الممكن أن ينقلها حزب العمال الكردستاني إلى عمق تركيا نفسها، سواء عبر حرب عصابات ضد الجيش التركي في جنوب شرق البلاد أو عمليات إرهابية داخل المدن التركية الكبرى، خاصة أن تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب منظمة إرهابية وامتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي حظرته أنقرة.
وحزب العمال يشن حرباً مسلحة منذ ثلاثة عقود في جنوب شرق تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية، وهو إن كان قد تأثر بالقبض على زعيمه عبد الله أوجلان وسجنه قبل سنوات، فإن عملية عفرين يمكن أن تعيد إليه سابق نشاطه.
ويزيد الطين بلة، بالنسبة للجيش التركي، أن عمليته هذه قد أدت إلى توتر علاقات أنقرة بواشنطن، على رغم عضوية البلدين في حلف شمال الأطلسى، نظراً لأن الولايات المتحدة هي التي قامت بتسليح الفصيل الذي تقوده وحدات حماية الشعب في القتال ضد تنظيم «داعش» في سوريا، والذي راهنت عليه أنقرة في كسر شوكة الأكراد، ولكن انكساره أثار مخاوف أردوغان من أمرين؛ هما: اتجاه السلاح والمقاتلين الأكراد من شمال سوريا إلى العمق التركي لمساعدة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، أو أن يؤدي امتلاك هذه الوحدات للسلاح إلى إغراء أكراد سوريا بالانفصال، وهي مسألة تقاومها تركيا، ومعها إيران والحكومة العراقية في بغداد، خوفاً من سعي الأكراد في البلدان الأربعة ومنذ عقود طويلة إلى الاستقلال، وإن كانوا قد عبّروا عن رغبتهم تلك بطرق اختلفت من بلد إلى بلد، ومن ظرف إلى آخر.
وقد يكون التدخل في عفرين، إن لم يكن سريعاً وجراحياً ومحسوباً بعناية، هو بداية دخول تركيا في اضطراب، فالجيش إن طال به المقام في سوريا من دون حسم فقد يرتد بعض قادته غاضبين على أردوغان، ولو فُتحت جبهة في جنوب شرق تركيا عبر حزب العمال الكردستاني، أو ظهر طرف إقليمي أو دولي سعى في صناعة فخ للأتراك في سوريا، فإن تركيا لن تكون بمنجاة من مشكلات عويصة، ولا سيما أن لأردوغان برهاناته وتحالفاته أعداء كثيرين، في وقت بدأت تظهر فيه أصوات رافضة للعملية العسكرية داخل تركيا نفسها، فضلًا عن مظاهرات في كردستان العراق، تحث بطريقة غير مباشرة «البشمركة» على الانخراط في المعركة، بشكل أو بآخر.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة