عندما وصلت سوريا إلى هذه المرحلة من الهدوء والسلم ظهر أردوغان أعظم من ارتكب جرائم حرب في سوريا
عندما وصلت الأزمة السورية إلى نقطة الانفراج، وبدأت جميع الأطراف تتحدث عن طرق الحل التي تحقق وحدة سورية الأرض والشعب، وتحفظ مؤسسات الدولة وجيشها، وتفتح الأفق أمام تغيير ديموقراطي يحقق استقرار سورية، ويفتح أمام شعبها آفاقاً تساعده على رحلة إعادة إعمار ما هدمته الحرب من مدن وقرى، وإعادة ترميم شبكة العلاقات الاجتماعية التي نسفتها سبع سنوات من الاقتتال بين كل مكوّنات الشعب، وإعادة الأمل في غد أفضل لكل إنسان سوري …فقد يتحقق بالحوار والتفاهم، وبالسلام والتسامح بعدما فشلت في تحقيقه الجماعات المسلحة الممولة والموجهة من القوى الإقليمية والدولية؛ التي لم يكن في أبعد أهدافها مصلحة سورية، أو مستقبل الشعب السوري.
عندما وصلت سورية إلى هذه المرحلة من الهدوء والسلم ظهر أردوغان أعظم من ارتكب جرائم حرب في سورية، من خلال إدخال كل شذّاذ الأفاق من جميع أنحاء العالم لممارسة القتل الممنهج في الشعب السوري، وأعطى الذريعة لمجرمي الحرس الثوري الفارسي، وحزب الله الفارسي للانتقام، وارتكاب جرائم حرب في الجهة المقابلة، ارتفع صوت أردوغان مهدداً بإشعال حرب أخرى في شمال سورية؛ في عفرين ضد الأكراد، وما هي إلا أيام حتى دخلت القوات التركية ومعها الأتباع مسلوبو الإرادة من عملاء تركيا في سورية الذين يسمونهم بالجيش الحر المستعبد من قبل تركيا.
فى عفرين تقزّمت أحلام أردوغان وأهدافه، وتراجعت من الهجوم والحلم الإمبراطوري، إلى الدفاع وتأمين الحدود الجنوبية من وجود بؤر لحزب العمال الكردستاني الذي أرهق الدولة التركية واستنزفها لعقود، هدف أردوغان الآن التخلص من الأكراد في شمال سورية حتى لو اضطر للتعامل مع بشار الأسد في سبيل تحقيق ذلك.
قام أردوغان وجيشه، وعملاؤه من الجيش الحر، الذين يذكروننا بجيش أنطوان لحد الذي كان يسمى بجيش لبنان الجنوبي ذراع إسرائيل في لبنان بعد غزو 1982، قاموا بتدمير ما لم يتم تدميره في الشمال السوري، وبدأت مرحلة جديدة من خلط الأوراق، وتشتيت الجهود، وإعطاء فرصة لداعش لكي يلملم صفوفه؛ بعد أن ينشغل الأكراد بجيش أردوغان، وكأن أردوغان جاء لإنقاذ داعش، وتمكينه من التقاط الأنفاس لتحقيق مزيد من الإرباك في المشهد السوري، ولكن أردوغان كعادته في الاندفاع والحماقة بصورة تليق بزعيم مليشيا، أو ناشط سياسي، أو ثوري يساري من ثوار أمريكا اللاتينية في الستينيات، اندفاع أردوغان بهجومه على عفرين وضع نهاية للمشهد السوري لصالح اللاعبين الكبار، وساعد على خروج جميع اللاعبين الصغار بما فيهم أردوغان وحكومته. وذلك على النحو الآتي:
أولاً: في عفرين تم الاتفاق على إنهاء جميع الجماعات السورية المسلحة، فقد وافقت تركيا على إطلاق يد روسيا وسورية في إدلب لإنهاء الوجود العسكري لكل الفصائل التي تم حشرها في إدلب من جميع أنحاء سورية، حيث كانت إدلب هي وجهة المسلحين في كل اتفاقية من حي الوعر في حمص، إلى الغوطة الغربية، وبيت جن وغيرها، والآن تقوم القوات المسلحة السورية بدعم روسي بالتقدم في إدلب للقضاء على آخر وجود للمسلحين فيها.
ثانياً: في عفرين ينتهي الحلم الكردي بتكوين فيدرالية كردية في شمال سورية، وتنتهي فكرة سورية الاتحادية التي تم طرحها من قبل الأكراد لتكرار النموذج العراقي، وذلك لأن تركيا لن تقبل ذلك، وروسيا والحكومة السورية يتمنون أن يخلصهم جيش أردوغان من الصداع الكردي ممثلاً في قوات سورية الديموقراطية (قسد) التي تسامحت معها كل من روسيا وسورية لاستخدامها في التخلص من داعش في شرق سورية، فتخلصت قسد من داعش، والآن يجهز أردوغان على قسد، وينتهي الحلم الكردي في تكوين فيدرالية تتواصل مع كردستان العراق وتوصلها بالبحر المتوسط.
ثالثاً: في عفرين يتم دفن آخر أحلام أردوغان، وهو حلم إعادة النظر في اتفاقية لوزان 1923 التي وضعت حدود تركيا الحالية، ويطالب أردوغان منذ فترة بإعادة النظر فيها لضم أراضٍ من اليونان ومن العراق وسورية؛ أهمها محور الموصل حلب، وقبل ذلك كان يحلم بوضع نظام تابع له في سورية من أجل الاستيلاء عليها، وضمها لحلم العثمانية الجديدة التي تبدأ في العالم العربي في سورية، وتنتهي عند اليمن وعلى حدود المغرب.
في عفرين تقزّمت أحلام أردوغان وأهدافه، وتراجعت من الهجوم والحلم الإمبراطوري، إلى الدفاع وتأمين الحدود الجنوبية من وجود بؤر لحزب العمال الكردستاني الذي أرهق الدولة التركية واستنزفها لعقود، هدف أردوغان الآن التخلص من الأكراد في شمال سورية حتى لو اضطر للتعامل مع بشار الأسد في سبيل تحقيق ذلك.
رابعاً: باشتعال عفرين ومطالبة الأتراك للقوات الأمريكية الانسحاب من منبج، سيتم تسريع عجلة الترتيبات النهائية للوضع في سورية، وأول هذه الترتيبات خروج العصابات الطائفية القادمة مع الحرس الثوري الفارسي، ومع حزب الله الفارسي، وتقزيم دور إيران من أجل إنهائه تماماً، فلن يرضى الروس أو الأمريكان بوجود إيراني حقيقي في سورية بعد الحرب، ولن ترضى روسيا بالتحديد؛ التي استثمرت المليارات، والسمعة الدولية، وعلاقاتها مع الغرب من أجل الحفاظ على سورية في يدها، لن ترضى بالعبث الفارسي المتخلف في سورية، لن تقبل روسيا بوجود أجندة طائفية في دولة هي فسيفساء الأديان على ظهر الأرض، ستخرج إيران من سورية في وجود الأسد وقبل زواله، ومعها كل العصابات الطائفية؛ مثلما خرجت العصابات الطائفية الأخرى ممثلة في داعش والنصرة وغيرهما، فكلهم طائفيون متخلفون، قادمون من مجاهل التاريخ.
خامساً: انتهى دور كل من استثمر في جبهة النصرة أو فتح الشام أو الجيش الحر، كل العرب الذين استثمروا في هذه الجماعات، وجدوا أهم جماعة فيهم، وهي الجيش الحر الذي تستخدمه تركيا ليلعب معها دور جيش أنطوان لحد مع إسرائيل، ومن ثم تحول الجيش الحر إلى جماعة مرتزقة تقتل الأكراد لصالح تركيا.
سادساً: بقي في سورية الأمريكان والروس، هكذا نحن منذ قرن؛ في الثورة العربية الكبرى 1916 حاربنا الدولة العثمانية لنقع فريسة بين فرنسا وبريطانيا، واليوم حارب العرب والعثمانيون نظام بشار الأسد لتقع سورية في أحضان روسيا وأمريكا…. التاريخ لا يعيد نفسه…نحن بمنتهى البلاهة نعيد تمثيله.
نقلاً عن "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة