القمة الخليجية المقبلة سواء عقدت في موعدها أو تم ترحيل موعدها ستكون كاشفة عن العديد من المعطيات الحقيقية.
ستكون أمام الكويت عدة خيارات في حال استمرار الأزمة القطرية على ما هي عليه في ترتيب الأجواء لعقد قمة مجلس التعاون الخليجي، وباعتبارها قمة فارقة في تاريخ المجلس الذي ما زال يمثل الأمل في إحياء النظام الإقليمي العربي باعتباره المؤسسة العربية التي صمدت أمام المتغيرات التي عصفت بالمجالس العربية الأخرى، والتي انتهت على أرض الواقع.
وبالتالي فإن القمة الخليجية المقبلة ستكون حاسمة لعدة اعتبارات؛ لأنها ستكون قمة تقرير المصير لاستمرار المجلس ونجاحه في تجاوز العثرات الراهنة في ظل العناد السياسي لقطر، ورفضها الاحتكام لصوت العقل، والعودة للحاضنة الخليجية وللبيت الخليجي بكل مقوماته وركائزه ومعطياته، والكف عند دور اللاعب المشاغب في المحيطين الإقليمي والعربي، ومن ثم فإن المجلس الخليجي وحده قادر على استيعاب الجميع والحفاظ على وحدة الدول الخليجية بأكملها في ظل التطلعات الإيرانية المتنامية في إيجاد دور لإيران في أمن الخليج والإقليم بأكمله، والانتهازية السياسية التركية التي تركز على مفهوم المصالح أولا مع كل توجه سياسي، وهو ما يجب على الجميع في الخليج وخارجه تقديره وتقييمه وحسابه جيدا.
ومن ثم فإن تحرك الأشقاء في الكويت للترتيب للقمة القادمة مع الاستمرار في لعب دور الوسيط المباشر في الأزمة القطرية سيرتبط بأمرين؛ الأول: مدى ما تقبل به قطر من أفكار للجانب الكويتي العربي ومدى قبول الدول الأربع المقاطعة بالردود القطرية التي لا تزال تدور في سياقات من المراوغة، ومحاولة الاستمرار في سياق من التجاذب السياسي والاستراتيجي مع العمل على نقل الأزمة إلى مراحل أخرى وتلوين أبعادها ومعطياتها الراهنة، مع رفض المواقف الطيبة التي تبديها الدول المقاطعة من استمرار الدعوة للحوار، وحل الأزمة. الثاني: نجاح أو فشل الوسيط الكويتي سيرتبط بخيارات التعامل المقابل للأزمة ومحاور حركتها، خاصة أن الدخول في مساحات جديدة من التعاملات وارد سواء على مستوى دول المقاطعة أو داخل قطر، والمعنى أن هناك خيارات جديدة قد يرتب لها جيدا تدور تفاصيلها في كواليس السياسة إلى مداخل أمنية واستراتيجية سواء على مستوى ثنائي أم متعدد، وهو ما برز في قيام كل دولة في الكشف عن أوراق كاملة في ملف إدانة قطر، وهو ما طرحته مملكة البحرين مؤخرا ودولة الإمارات العربية المتحدة وكذلك مصر، أما الشقيقة السعودية فكان توجهها في التعامل المباشر مع أزمة تسييس الحج بلفتة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والتي تعاملت معها قطر بصورة سلبية، ويبدو أن تكرار التعامل مع التقييمات الفاشلة في قطر هو الذي بدأ يشير إلى أن التغيير القادم في قطر قد ينطلق من الداخل، بل من الأسرة الحاكمة ذاتها أو من خلال بدائل أخرى متاحة، ولكن يبقى القرار في النهاية للشعب القطري ومدى تقبله لصور التغيير الواردة، والتي تدفعه دفعا لتبنّي خيار حقيقي للتغيير في ظل تردي الأوضاع والتشبث بإدارة الأزمة من منظور واحد ضيق لا علاقة له بعلم إدارة الأزمة في السياسة أو الاستراتيجية.
القمة الخليجية المقبلة سواء عقدت في موعدها أو تم ترحيل موعدها ستكون كاشفة للعديد من المعطيات الحقيقية التي يمكن أن تقود إليها الأزمة القطرية، التي ستدخل معها مرحلة أيضا ربما تكون حاسمة خاصة وأن دول الخليج لن تقبل بأنصاف الحلول وأشباه الخيارات في التعامل مع قطر
عودة للموقف الكويتي وتعامله مع الاجتماع القادم لمجلس التعاون الخليجي في حال استمرار الأوضاع على ما هو عليه والذي يمكن أن يتركز على عدة خيارات؛ الأول: تأجيل انعقاد القمة بأكملها لحين اتضاح الصورة الكاملة، خاصة أن الحضور القطري لن يكون مطروحا على مستوى الدول الخليجية؛ لأنه في حال الانعقاد فمطلوب اتخاذ قرار مباشر بالتعامل مع العضوية الكاملة لقطر، ومن ثم فإن الأفضل التأجيل لحين اتضاح الرؤية، وتبين المواقف حسب تطور توجهات كل طرف، أما الخيار الثاني فهو أن تنجح الكويت في إحداث اختراق مفاجئ في الموقف القطري إزاء الأزمة الراهنة ومن ثم تعقد القمة بحضور قطري ليس شرطا ممثلا في الشيخ تميم، وربما يكون التمثيل في درجة أدنى، وبالتالي تنعقد القمة في موعدها، خاصة أن الكويت مستمرة في وساطتها بصورة واضحة، ولن تنسحب من المشهد الحالي إلا إذا أخذت الأزمة أطرا جديدة قد تكون مطروحة في ظل تمسك الجانب القطري بمواقفه، وهو ما قد يتطلب تدويرا للمواقف والحسابات للدول الأربع المقاطعة، الخيار الثالث أن يتم تأجيل القمة الخليجية لأجل غير مسمى، وهو ما يعني أن الكويت فشلت في التعامل مع الأزمة وفضلت عدم الدخول في مواجهات جديدة، كما أنها لن تستطيع استبعاد الجانب القطري من الدعوة للمشاركة في القمة الخليجية، وبالتالي وفق كل الخيارات فإن الكويت أمام حسابات ضيقة ومواقف ربما تكون غير واضحة لحين الإعلان الكويتي عن نجاح أو فشل التحركات الراهنة، والتي تحظي بدعم أمريكي غير مباشر وغير معلن، وبالتالي الانتقال بالأزمة إلى مرحلة جديدة من التفاعل.
إن القمة الخليجية المقبلة سواء عقدت في موعدها أو تم ترحيل موعدها ستكون كاشفة عن العديد من المعطيات الحقيقية التي يمكن أن تقود إليها الأزمة القطرية، التي ستدخل معها مرحلة أيضا ربما تكون حاسمة، خاصة أن دول الخليج لن تقبل بأنصاف الحلول وأشباه الخيارات في التعامل مع قطر في ظل تماسك الموقف الراهن للدول الأربع المقاطعة، باعتبارها تملك الدلائل والبراهين على تورط قطر في هز استقرار دول الإقليم بأكمله، وليست الدول الأربع المقاطعة فقط، وبالتالي فإن أي توجه جديد مطروح على هامش الوساطة الكويتية سيرتبط بالفعل بمعطيات ترتبط بمواقف مسؤولة من قطر، وأيضا من دول الخليج الأخرى التي تتعامل مع قطر من منطق خليجي عربي بالأساس، وأعني سلطنة عمان والكويت التي لا تزال تتبنّى مواقف محايدة لاعتبارات تتعلق بالوساطة وبواقعها الخليجي.
سيحتاج مجلس التعاون الخليجي في حال انعقاد قمته دون قطر التأكيد على ثوابت العمل الخليجي المشترك، وفي حال نجاح الجانب الكويتي في عقد القمة والمشاركة القطرية المحسوبة ومن خلال أي تمثيل –وفي حال انفراج الأزمة القطرية وقبول الدول الخليجية التجاوب مع ما بعض أفكار الوساطة الكويتية–إعادة ترتيب الأولويات الوطنية في منطقة الخليج، والتأكيد على الخطر الإيراني المهدد الأول لاستقرار دول المنطقة مع إعادة الحياة لمؤسسات العمل العربي المشترك من جديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة