الكويت و"منتدى تعزيز السلم" يطلقان مبادرة إطعام مليار جائع حول العالم
في الختام، جرى تكريم الشيخ عبدالله بن بيه على دوره المشهود في ترسيخ ثقافة التسامح وتعزيز السلم العالمي، وعلى مبادراته الإنسانية.
برعاية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، بدأت المرحلة الأولى من تنفيذ مبادرة "إطعام مليار جائع حول العالم"، التي عُقد من أجلها مؤتمر "إنسانية واحدة ضد الجوع"، الذي نظمته دولة الكويت بالشراكة مع "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" والأمم المتحدة، في دولة الكويت 26 نوفمبر/تشرين الثاني.
جاء ذلك بحضور الشيخ عبدالله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، والدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي، والدكتور حمزة يوسف نائب رئيس منتدى تعزيز السلم، والدكتور محمد مطر الكعبي أمين عام منتدى تعزيز السلم، وفهد محمد محسن العفاسي وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت.
كما حضر الدكتور عبدالله معتوق المعتوق، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم المستشار في الديوان الأميري، ورشيد خاركوف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، وحشد كبير من الجمعيات الخيرية، والمنظمات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالأعمال الإنسانية في الشرق الأوسط والعالم عموما.
وتوجه الشيخ عبدالله بن بيه، في افتتاح المؤتمر، بخالص الشكر وجميل الثناء إلى أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كما شكر الدكتور عبد الله معتوق المعتوق على جهوده لإنجاح هذه المبادرة.
وقال: "لقد كنا معا في واشنطن بداية شهر فبراير/شباط الماضي، في تجمُّع كبير ضم قياديين من رجال العائلة الإبراهيمية في الولايات المتحدة، وبمشاركة كثير من محبي الخير من أبناء العائلة الإنسانية الكبرى، من سياسيين وأكاديميين وفاعلين مجتمعيين".
وأضاف: "لقد سعينا في مؤتمر واشنطن لإيقاظ النفوس وإصغاء القلوب إلى دعوة السلام والتعاون في سبيل صياغة تحالف إنساني، يُستلهم من حلف الفضول، ويقوم على تفعيل القيم المتشركة، قيم العدل والرحمة والتآسي في المعيشة، التي أدى تجاهلها إلى ما هو مشاهد من المآسي الإنسانية، التي تدمي القلوب".
وقال الشيخ عبدالله بن بيه إن حلف الفضول الجديد، يستلهم القيم التي قام عليها حلف الفضول التاريخي، الذي استمد فرادته من كونه لم يُؤسَّس على ما هو معهود في ذلك العصر" من المشترك الديني أو الانتماء القبلي، وإنما تأسس على القيم والفضيلة.
وتابع الشيخ عبدالله بن بيه: "حرصنا أن يكون من مخرجات مؤتمر واشنطن الدعوة إلى إطعام مليار جائع، من المعوزين من بني الإنسان، من دون تمييز بينهم بالدين أو العرق أو الوطن، وخاصة ضمن المجتمعات التي تعاني من أثر الحروب والصراعات الدموية".
وقال إن تقارير الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة الدولية والمنظمات الناشطة في العمل الإنساني، لا تزال تدق أجراس الخطر، وتصدع بحقيقة مؤلمة يكاد لا يصدقها العقل، حول أعداد البشر الذين يموتون سنويا؛ جراء المجاعة وسوء التغذية.
وأضاف: "هذا الواقع المرير ناشئ عن اختلالات بنيوية في منظومة الإنتاج والتوزيع في الاقتصاد العالمي، لِما أصاب هذه المنظومة من انفصام حاد بين فلسفة الاقتصاد وروح الأخلاق، حيث سادت القيم المادية الخالية من كل قيم إلهية أو إنسانية نبيلة، وهذا هو ما يُلقي على عاتق رجال الدين مسؤولية السعي، من مواقعهم، انطلاقا من دوائر تأثيرهم واهتمامهم؛ ليسهموا في استعادة الضمير الأخلاقي للإنسانية، الذي يُعيد الفاعلية لقيم الرحمة والغوث، ويُرسي معاني التعاون والإحسان وفعل الخير.
وتابع الشيخ عبدالله بن بيه: "إننا في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة منذ تأسيسه سنة 2014 في أبوظبي بدولة الإمارات، نعتبر أن من أهم عناصر الارتكاز في رؤية المنتدى التأكيدَ على مِحورية المَدخل القِيميّ في تجديد الخطاب الديني واستعادة البعد الإنساني لهذا الخطاب، باستثمار ما تتيحه النصوص القطعية والمقاصد الكلية، من الأرضية الروحية الصلبة لإطلاق مبادرات ميدانية تعيد للدين طاقته الإيجابية، ليغدو بلسما لجراح الإنسانية ودواء لمآسيها وسكينة تنزل على القلوب وحُبا يسكن في النفوس".
وأكد أن المنتدى ينطلق في هذه الرؤية، من قوله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَررَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْررًا عَظِيمًا"، فمقاصد السلم والإصلاح بين الناس والرحمة والمحبة هي مرتكزات الرواية الصحيحة للإسلام التي يسعى المنتدى في جميع المحافل للتأصيل لها وتوصيلها.
وقال: "ها نحن اليوم نجتمع في إطار هذه الرواية والرؤية لندعوَ إلى أفضل الصدقة (إطعامِ الجائع، مواساة المحتاج ومَدِّ يد العون للفقير)".
وتابع: "في الرؤية التي يتبناها المنتدى، انطلاقا من هذه النصوص، لا انفكاك بين مقصد السلم ومقصد الأمن الغذائي، وهو ما نفهمه من قوله تعالى "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"؛ و قد أيدت الدراسات المتخصصة والتقارير الدولية هذا التلازم، حيث برز أن من أهم أسباب المجاعة في العالم، بالإضافة إلى العوامل المناخية المتربطة بالاختلالات البيئية، عامل الحروب الأهلية، والصراعات الدموية التي تدمر النسيج الاقتصادي للمجتمعات، وتكسر دائرة الإنتاج والتوزيع، وتعيق الوصول السلس إلى الأسواق.
وختم الشيخ الشيخ عبدالله بن بيه كلمته، معتبرا أن هذه الدعوة من صميم رسالة الديانات السماوية والفلسفات الإنسانية كافة، فكل النصوص المقدسة جاءت بدعوة الإنسان إلى الإنفاق والتصدّق والبذل ولو من إقتار، وقيمة الإيثار.
وتحدث في الافتتاح الدكتور عبد الله معتوق المعتوق، قائلا إن المؤتمر يتصدى لقضية من أهم القضايا الإنسانية، وهي قضية الجوع الذي يهدد حياة الملايين في بعض المجتمعات الإنسانية المعاصرة، وبخاصة المجتمعات التي تشهد نزاعات عرقية وإثنية وحروب أهلية.
ولفت إلى أن المؤتمر هو ترجمة لتوصيات مؤتمر واشنطن، الذي نظمه منتدى تعزيز السلم، حيث جرى إطلاق مؤسسة حلف الفضول، مضيفا: و"تعهدنا لفضيلة الشيخ عبدالله بن بيه بالعمل لتنفيذها على أحسن ما يكون؛ لأننا كنا واثقين من تجربة دولة الكويت الإنسانية، كما كنا واثقين من المؤسسات والجمعيات الأهلية في الكويت والمنطقة باستعدادها للاستجابة لهذه المبادرة الإنسانية".
وأوضح المعتوق أن ترجمة "مبادرة إطعام مليار جائع" تأتي على ثلاثة مستويات: أولا: رغیف الخبز، والسلال الغذائیة، والمطابخ المركزیة، وتغذیة الطلبة والأیتام، والأطعمة المعلبة، والمكملات الغذائیة، وبنوك الطعام، وثانيا: التنمية المجتمعية، ويندرج في إطارها تمكین المستفیدین من القروض المیسرة، والمشاریع الصغیرة، والتأھیل الحرفي، والمزارع الإنتاجیة والزراعية، وثالثا: استصلاح الأراضي وتوفیر آلات الزراعة ومستلزماتھا، ومشاریع الري والسدود، ومحطات المیاه والخزانات والآبار، والصناعات الغذائیة.
كما تحدث الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، فوجَّه أسمى التحيات إلى الأمير جابر الأحمد الصباح، ودولة الكويت وشعبها المعطاء، مشيرا إلى أن ما حققته دولة الكويت في مجال العمل الإنساني وما اكتسبته من خبرات جعلها تستحق لقب مركز العمل الإنساني، وجعل أميرها قائدا للعمل الإنساني، حسبما كرمته الأمم المتحدة، على دوره المشهود في مد يد العون للمحتاجين حول العالم.
ونوّه الزياني بجهود الأمم المتحدة التي تندرج في إطار خطة القضاء التام على الجوع في العالم، داعيا لمعالجة العوامل المسببة للجوع، مثل: الفقر وانعدام التنمية والحروب الأهلية، ما يستدعي تدخل المجتمع الدولي لتخفيف المعاناة عما يزيد 21 مليون إنسان مهددون بخطر الموت جوعا، فضلا عن نحو 800 مليون شخص لا يجدون ما يفيهم من الغذاء.
وأضاف الزياني أن دول مجلس التعاون الخليجي تبذل جهودا مخلصة في دعم وتعزيز العمل الإنساني، وخاصة من جهة توفير المشاريع المتخصصة في تنفيذ برامج ومشاريع تهتم بالإنسان على كل المستويات الصحية والغذائية، كما أن الجمعيات الخيرية في دول مجلس التعاون تكتسب خبرات كبيرة في مساعدة المعوزين وتحسين شروط حياتهم.
إلى ذلك توجه رشيد خاركوف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، بالشكر إلى الشيخ عبدالله بن بيه رئيس "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، على جهوده الملحوظة دوليا في تعزيز السلم العالمي.
وأثنى على مبادراته الإنسانية الرائعة، التي تندرج في إطار محاربة الجوع، وهو جهد تثاقل به المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة؛ بسبب ازدياد عدد الجائعين والمشردين حول العالم؛ جراء الحروب والنزاعات، التي تزايدت وتيرتها في العقود الأخيرة.
وفي الختام، جرى تكريم الشيخ عبدالله بن بيه على دوره المشهود في ترسيخ ثقافة التسامح وتعزيز السلم العالمي، وعلى مبادراته الإنسانية التي تستعيد إحياء القيم الأخلاقية، التي تتسق مع روح الأديان وتستجيب لحاجات الإنسان في كل زمان أو مكان.
كما جرى تكريم نخبة من الشخصيات وممثلي المؤسسات الخيرية الإنسانية، العاملة في إطار مد يد العون للمحتاجين حول العالم، من دون تمييز بين الأعراق والأديان أو الأوطان.