مخاض في العراء..أمهات بلا رعاية توليدية بمخيمات اليمن
تعد الرعاية التوليدية من الخدمات الطبية الضرورية التي يتوجب توفرها بمخيمات النازحين في اليمن.
وتسهم تلك الرعاية في خفض معدلات وفاة الأمهات أثناء الوضع، خصوصا في فترات المساء والتي تقل فيها فرصة الانتقال إلى المرافق الطبية نتيجة عدد من العوامل.
لكن غالبية مخيمات النازحين في مناطق الساحل الغربي لليمن التي زارتها "العين الإخبارية" لا تتوفر فيها مثل هذه الخدمات.
وتقع غالبية المخيمات في أطراف المدن، ويشكل الانتقال إلى أحد المرافق الصحية القريبة مهمة، حيث تنعدم وسائل المواصلات خصوصا خلال فترات المساء، والتي تتوقف فيها حركة السير.
وفي حالات الولادة الليلية تستدعي الحاجة الانتظار بضع ساعات حتى يتم الاتصال بطبيبة مختصة بالتوليد في الحالات الخطرة، ما قد يضع الأم في مواجهة عواقب محتملة، وفاتها أو وفاة الجنين.
محنة سالم
يتذكر سالم، وهو نازح يقيم في مخيم القعطبية الواقع شمال شرق المخا بالساحل الغربي لليمن، المحنة التي وقعت فيها زوجته عندما جاءها المخاض في مولودها الأول، منتصف الليل، أوائل العام 2019.
كان الأمر صعبا، بحسب وصف سالم لـ"العين الإخبارية" التي التقته في مدينة المخا، للمعضلة التي عايشها حينها، فلا وجود لوسائل مواصلات، بسبب وقوع المخيم في منطقة نائية بعيدة، ما اضطره للانتظار حتى صباح اليوم الثاني.
يضيف سالم: "لم يكن لدينا خيار آخر فلا مركز صحيا في المخيم، ولا وسيلة مواصلات، ولم يكن أمامنا سوى الانتظار مع ما يمثل ذلك من تهديد لحياة زوجته".
وفي قصة مشابهة كان افتقار مخيم "الجرف" للنازحين لمرفق صحي بطوارئ توليدية يقف عائقا أمام حصول أم نازحة كانت على وشك الولادة، على الخدمات الطبية التي تساعدها على ذلك، إذ إن حدوث الولادة ليلا، يفاقم من المخاطر المحدقة بالأم.
تقول تلك المرأة، وتدعى "ملوكة"، إن زوجها أركبها على متن دراجة نارية، رغم ما يمثله ذلك من خطورة على صحتها، من أجل إيصالها إلى مستشفى المخا العام، إذ إن المخيم الواقع في أطراف مدينة المخا، يستحيل وجود وسيلة نقل عند منتصف الليل.
ويشرح زوجها الوضع في المستشفى، بأنه كان مشابها لما عانى منه في المخيم، "فلا وجود لقابلة، فيما يرفض مجتمعنا أن يقوم طبيب بتوليد امرأة".
ورغم الأوجاع الشديدة التي كانت تعاني منها تلك المرأة، فإن الأمر تطلب منها الانتظار حتى تم جلب ممرضة ساعدتها على الوضع.
وأغلب الولادات داخل المخيم تتم بطريقة تقليدية، عدا الولادات المتعسرة التي يتم انتقال النساء خلالها إلى مرفق صحي.
غياب المنظمات
ويوجه أمين ردمان وهو نازح آخر، اللوم إلى المنظمات الإنسانية التي قال إن جهودها الإغاثية تبقى هامشية في ظل غياب الرقابة الحكومية، أو أنها تقوم بتنفيذ مشاريع آنية غير مستدامة.
وفيما يتعلق بالجانب الحكومي، فإن غياب التمويل يعد أبرز العوامل التي تقف أمام إنشاء مثل تلك المشاريع، رغم أهميتها في تجنب وفاة الأمهات أثناء الولادة.
ويعتقد "ردمان" أن السبيل الوحيد في الوصول إلى إنشاء مرافق صحية حتى وإن كانت من غرفة واحدة داخل المخيمات، ستتم من خلال ممارسة أقصى الضغوط على تلك المنظمات، ومناقشة الميزانيات والمبالغ التي تنفقها، وبدون ذلك فلن نتوصل إلى تحقيق أقل الخدمات للنازحين.
وفيما يواجه النازحون انتقادات للمنظمات الإنسانية بتجاهل إنشاء مراكز صحية بخدمات طوارئ ليلية داخل المخيمات، ألا أن تقص التمويل يضعف من تحقيق تلك الأمنيات.
ويرى"صدام النمر" العامل في قطاع الصحة بالمخا، في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن إنشاء مرافق صحية في 17 مخيما، في المخا يواجه عوائق مادية فإنشاء مرفق يتطلب أموالا لإنفاقها على أعمال الإنشاءات والتجهيزات الفنية، فضلا عن دفع أجور العاملين فيها، وهذا غير ممكن تحقيقه على الإطلاق.
ويضيف النمر أن بناء المرافق الصحية داخل المخيمات لا يتم إلا وفقا لعدد سكان المخيم، فيما مخيمات الساحل الغربي المتناثرة على مناطق شاسعة ذات أعداد قليلة، إذ إن سكان أكبر المخيمات لا يتجاوز 300 أسرة، بحسب قوله.
ويعتقد أن العيادات الطبية التي تم إعادة تأهيلها في المناطق الريفية بالساحل الغربي، والتي مولت المنظمات الإنسانية إعادة تجهيزها، من ضمن أهم مسؤولياتها توفير خدمات الرعاية التوليدية للأمهات.
ويؤكد النمر أن ظروف عدم وجود عيادات طبية داخل المخيمات تعتبر مشكلة تنسحب على أغلب مخيمات النازحين في اليمن.
وتملك منظمة أطباء بلا حدود مستشفى ميدانيا في مدينة المخا، يخصص جزء من أقسامه لحالات الولادة، لكنه في الغالب لا يقبل سوى حالات الولادة المتعسرة والتي يتم خلالها إجراء عمليات قيصرية.
وتبرر إدارة المستشفى حصر مهمات الطوارئ لمثل تلك الحالات بأنها تستقبل الحالات المتعسرة من جميع مناطق الساحل الغربي، فيما المرافق الطبية الموجودة قادرة على إجراء الولادات الطبيعية، فيما قسم العمليات الخاص بالمستشفى، يخصص لإجراء العمليات الجراحية الطارئة المنقذة لحياة الأم والجنين.