عواصف متتالية.. مرشح لخلافة ميركل "يحفر في الوحل"
"هل سبق لك الحفر في الوحل؟" بهذه العبارة واجهت سيدة ألمانية أرمين لاشيت مرشح المستشارية، خلال زيارة أجراها الأخير لمناطق الفيضانات.
لكن السيدة وإن كانت تقصد وضعها في ظل كارثة الفيضانات التي ضربت مناطق غربي ألمانيا، وبينها مكان إقامتها، إلا أنها وصفت بعبارة شديدة الفصاحة والدلالة وضع لاشيت السياسي خلال الفترة الماضية.
فخليفة ميركل على رأس الاتحاد المسيحي الحاكم (يمين وسط)، والمرشح الأوفر حظا لخلافتها في المستشارية أيضا، يخرج من أزمة لأزمة وتتهاوى الضربات فوق رأسه، وكأنه "يحفر في الوحل".
وقبل أيام، ظهر لاشيت بشكل غير لائق في حفل تأبين لضحايا الفيضانات بمناطق غربي ألمانيا، حيث ظهر وهو يضحك بشكل غير ملائم في وقت كان فيه رئيس البلاد، فرانك فالتر شتاينماير، يلقي كلمة حزينة.
هذا الظهور ألقى بظلال قاتمة على لاشيت خلال الفترة الماضية، وحرك عاصفة لا تهدأ من الانتقادات والتشكيك في قدرة الرجل على حكم البلاد.
ضحك وعقاب
وفي محاولة لتقليل الانتقادات في هذا الإطار، قام لاشيت، أمس الاثنين، بزيارة للمناطق المتضررة من الفيضانات، لإظهار نفسه في صورة المسؤول الذي يحمل مسؤولية إغاثة المتضررين، لكن الزيارة لم تسر كما كان يتمنى، وأضعفت موقفه.
وفيما كان لاشيت يتفقد الأوضاع، اشتكى مواطن بشكل ملحوظ من "إخفاقات كبيرة"، وهدد لاشيت "بعواقب الإخفاق في صناديق الاقتراع".
ثم توالت الانتقادات والصرخات بوجه لاشيت، إذ صاح رجل مشتكيا من أنه "لم يتلق أي مساعدة من حكومة الولاية أو الإدارة المحلية حتى الآن"، وسألت امرأة لاشيت: "هل سبق لك أن حفرت في الوحل لمدة أسبوع؟".
وتجمع أكثر من 100 مواطن غاضب حول لاشيت الذي حاول تهدئة الأوضاع، وقال إن "المناطق المتضررة بحاجة إلى مساعدة طارئة فورية. ثم تأتي المهمة الكبيرة وهي إعادة الإعمار".
وتابع: "ستعمل الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات معًا"، مضيفا "إننا نعمل بأقصى سرعة حتى يتم اتخاذ القرارات قريبًا على المستوى الفيدرالي".
لكن أحد المستمعين رد بقوة "لا مكان للوعود هنا سيد لاشيت"، في رفض واضح لتصريحات الرجل أثار تصفيقا حادا بين الحضور.
وفي هذه المرة، صاحت امرأة في وجه لاشيت "اضحك مرة أخرى"، ووبخ بول جريف (62) أحد السكان المحليين لاشيت، قائلاً: "حكومتنا فشلت فشلاً ذريعاً".
وما يعقد موقف لاشيت أنه يحكم ولاية شمال الراين ويستفاليا، أحد أكثر المناطق تضررا من الفيضانات التي ضربت البلاد قبل أيام، ويلومه الناس لأن "حكومته لم ترسل رسالة إنذار واحدة للسكان قبل الفيضان، ولم تبذل جهودا في الإنقاذ".
وقال أحد المواطنين في وجهه "أخرجت والدي بنفسي من المنزل في الثانية صباحا ولم يساعدني أحد.. لولا ذلك لكان ميتا الآن"، فيما قالت سيدة موجهة حديثها للاشيت "لم تكن معي.. لا أحد معنا".
السرقة الأدبية
ولم يتوقف الأمر عند أزمة الفيضانات والضحكة الشهيرة، إذ يواجه لاشيت اتهامات يومية بالسرقة الأدبية في كتابه المنشور في عام 2009، "الجمهورية الصاعدة. الهجرة فرصة".
واليوم الثلاثاء، فجر الباحث النمساوي المتخصص في الانتحال الأدبي ستيفان ويبر، موضع سرقة أدبية جديد في كتاب لاشيت.
وكتب ويبر يقول إن لاشيت يُفترض أنه أخذ ما يقرب من نصف الصفحة 177 من كتابه، من عالم السياسة الألماني المعروف ووزير الثقافة البافاري السابق هانز ماير، دون الاستشهاد به في المصادر.
ويواجه لاشيت منذ أيام اتهامات متلاحقة بالسرقة الأدبية في كتابه، كان أحدث حلقاتها اليوم.
ورد لاشيت بالاعتراف بالأمر في تصريحات مقتضبة الجمعة الماضية، حيث قال "لم يرد ذكر مؤلف واحد على الأقل من المواد المستخدمة في الكتاب سواء في النص أو في قائمة المصادر"، مضيفا: "لتوضيح ما إذا كانت هناك أي أخطاء أخرى، سأقوم على الفور بترتيب عملية لفحص الكتاب".
وتابع: "من الواضح أن هناك أخطاء في الكتاب أنا المسؤول عنها، أود أن أعتذر عن هذا، لأن العمل الدقيق عند كتابة الأعمال واحترام قانون حقوق النشر هو أيضًا مسألة احترام للمؤلفين الآخرين".
وتفجرت قضية السرقة الأدبية في كتاب لاشيت عندما أثار عالم السياسة كارستن فايتزينيغر، أمر وجود أوجه تشابه كبيرة بين مقطع من كتاب لاشيت وأحد منشوراته.
وتعد هذه ضربة قوية للاشيت الذي يكافح لعبور تداعيات ظهوره بشكل غير لائق في حفل تأبين لضحايا الفيضانات قبل أيام.
استطلاعات الرأي
واصل لاشيت السقوط الحر في استطلاعات الرأي خلال الأسبوع الجاري، مدفوعا بأزمتي الفيضانات والسرقة الأدبية.
ووفق استطلاع رأي لمعهد "إنسا" لقياس اتجاهات الرأي العام (مستقل)، نشر الثلاثاء، خسر لاشيت نقطتين في سباق السياسيين الأكثر شعبية في البلاد، وبات لديه 31.6 نقطة فقط، ما يضعه في المركز السادس عشر من بين 20 سياسيًا.
وحتى داخل حزبه الاتحاد المسيحي، تراجع لاشيت للمرتبة السادسة من حيث الشعبية.
فيما قفز منافسه على منصب المستشارية ومرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أولف شولتز، نقطتين، وبات في المرتبة الثالثة بين السياسيين الأكثر شعبية في البلاد بـ47.6 نقطة.
ووفق استطلاع آخر نشر قبل أيام، فإن الألمان ينظرون بغضب إلى تصرفات لاشيت، حيث يقيم 57 في المائة من الألمان مرشح الاتحاد المسيحي للمستشارية بشكل سلبي، فيما يقيمه بـ23% فقط بشكل إيجابي.
ودفع لاشيت ثمن ذلك، إذ بات يحظى بـ15% فقط من نوايا التصويت ليصبح مستشارا لألمانيا، وفق الاستطلاع ذاته، مقارنة بـ20% الأسبوع الماضي.
وتجري الانتخابات التشريعية الألمانية في 26 سبتمبر/ أيلول المقبل، فيما لا يزال الاتحاد المسيحي يتصدر نوايا التصويت، حتى الآن، وإن تراجع نقطتين متأثر بأخطاء لاشيت في أسبوع، ليستقر عند 27% من نوايا التصويت، وجاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي بـ18% في المرتبة الثانية.
ولن تخوض المستشارة أنجيلا ميركل الانتخابات هذا العام، بعد قرارها التقاعد طواعية بنهاية الفترة التشريعية الحالية مكتفية بـ4 ولايات في حكم البلاد.