آخر جولات "ما بعد بريكست".. لندن تطالب الاتحاد "بمزيد من الواقعية"
الحكومة البريطانية ستقدم الأربعاء مشروع قانون "من شأنه أن يلغي" النطاق القانوني لبعض أجزاء الاتفاق الذي حدد الخروج من الاتحاد الأوروبي
طالبت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بالتحلي "بمزيد من الواقعية" قبل بدء مفاوضات حاسمة بشأن العلاقة التجارية بين الجانبين لمرحلة ما بعد بريكست اليوم الثلاثاء، في ظل أجواء عكّرت صفوها التقارير التي تفيد بأن لندن تريد إعادة صياغة اتفاق وقعه الطرفان في وقت سابق.
وقال ديفيد فروست كبير مفاوضي رئيس الوزراء بوريس جونسون "علينا إحراز تقدم هذا الأسبوع" إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية الفترة الانتقالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أفاد فروست في لندن قبل المحادثات المقررة الثلاثاء مع كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن ملف بريكست ميشال بارنييه "نحتاج إلى رؤية المزيد من الواقعية من الاتحاد الأوروبي بشأن وضعنا كدولة مستقلة".
- 15 أكتوبر موعدا نهائيا لإبرام اتفاقية "ما بعد بريكست"
- تحالف الجائحة و"مابعد بريكست" يهدد اقتصاد بريطانيا.. التوقعات متشائمة
وأضاف "إذا لم يتمكنوا من القيام بذلك في الوقت المحدود للغاية المتبقي لدينا، فستكون التجارة بيننا مبنية على شروط كتلك التي بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا، ونحن نعمل على تكثيف استعداداتنا لنهاية العام".
ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود منذ أشهر بسبب مسائل مثل مدى وصول الاتحاد الأوروبي إلى مياه الصيد في المملكة المتحدة ومساعدات الدولة وشروط التنافس العادل. ويقول الجانبان إنه يجب التوصل إلى اتفاق خلال قمة الاتحاد الأوروبي في منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
لكن ساد قلق في بروكسل بعدما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" أمس الإثنين أن الحكومة البريطانية ستقدم غدا الأربعاء مشروع قانون "من شأنه أن يلغي" النطاق القانوني لبعض أجزاء الاتفاق الذي حدد الخروج من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير/كانون الثاني، بما في ذلك القواعد الجمركية في إيرلندا الشمالية.
وأوضح بارنييه لإذاعة "فرانس أنتر" أمس الإثنين "يجب احترام كل ما وقّع في الماضي. إنه ضمان للثقة في المستقبل".
وبموجب بروتوكول إيرلندا الشمالية، سيتعين على هذه المقاطعة البريطانية اتباع بعض قواعد الاتحاد الأوروبي بعد الفترة الانتقالية اللاحقة لبريكست من أجل ضمان عدم وجود حدود مادية وتجنب عودة التوتر في هذه المنطقة التي شهدت نزاعا دمويا استمر ثلاثة عقود.
وذكرت صحيفة "ديلي تلجراف" أن جونسون وافق على اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، لكنه يعتقد الآن أن هناك خطرا "غير متوقع" يتمثل في ترك إيرلندا الشمالية معزولة عن بقية المملكة المتحدة.
وكان إلغاء عمليات مراقبة الحدود مع جمهورية إيرلندا جزءا أساسيا من اتفاق "الجمعة العظيمة" الذي أبرم في العام 1998 وأنهى 30 عاما من العنف المرتبط برفض الحكم البريطاني في المقاطعة.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إن بريطانيا "ملزمة بموجب القانون احترام اتفاق خروجها من الاتحاد الاوروبي وهو شرط أساسي لأي شراكة مستقبلية".
- "إزالة الغموض والالتباس"
وقال الناطق باسم جونسون إن حكومة المملكة المتحدة "ملتزمة تماما بتنفيذ اتفاق المغادرة وبروتوكول إيرلندا الشمالية، وقد اتخذنا العديد من الخطوات العملية لذلك".
لكنه أوضح أن الحكومة تتخذ "خطوات محدودة ومعقولة لتوضيح عناصر محددة" للبروتوكول من أجل "إزالة أي غموض أو التباس".
وقد أثار التقرير ردود فعل غاضبة في دبلن وبلفاست حيث يذكّر احتمال وجود "حدود مشددة" بعقود من الاضطرابات.
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيرلندي سيمون كوفيني إن مشروع القانون هذا سيكون "طريقة غير حكيمة للمضي قدما".
وقالت ماري لو مكدونالد رئيسة الحزب الجمهوري "سين فين" إن المملكة المتحدة ستظهر "تجاهلا تاما لشعب إيرلندا وقلقه" إذا تراجعت عن اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وانعكس القلق على أسواق المال فانخفض الجنيه الإسترليني أمس الإثنين حوالى 0.5% مقابل اليورو والدولار.
- "استعراض قوة"
وأشار بعض المحللين إلى أن الخلاف حيال إيرلندا الشمالية كان خطوة من جانب لندن لزيادة الضغط في المفاوضات بشأن العلاقة التجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وقال ليو فارادكار نائب رئيس الوزراء الإيرلندي إن التراشق الكلامي بين لندن وبروكسل هو مجرد "استعراض قوة" و"إثبات موقف" مع اقتراب الموعد النهائي.
ولفت جونسون إلى أن عدم التوصل إلى اتفاق سيبقى "نتيجة جيدة" لبريطانيا واصفا إياه بأنه سيكون "على غرار الاتفاق التجاري مع أستراليا".
ويتم التبادل التجاري بين أستراليا والاتحاد الأوروبي بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية وتعرفاته، وهو أمر قد يتسبب باضطراب كبير في التجارة عبر المانش.
وخرجت المملكة المتّحدة رسميّا من الاتّحاد في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد نحو أربع سنوات من استفتاء تاريخي طبع نهاية حوالى خمسين عاما من العضوية في التكتل، لكنّ القواعد الأوروبية لا تزال تُطبّق في المملكة حتّى 31 ديسمبر/كانون الأول القادم، في وقت يحاول الطرفان التوصّل إلى اتّفاق للتجارة الحرّة.