ريادة الذكاء الاصطناعي.. 2025 تتحول إلى ساحة تطبيقات تنافسية
تحوّل الذكاء الاصطناعي في عام 2025 إلى ساحة تطبيقات تعيد تشكيل سلوك الأفراد، ونماذج الأعمال، وحتى مفهوم التفاعل الرقمي ذاته.
هذا التحول يعبّر عن انتقال واضح من مرحلة "من يملك النموذج الأقوى؟" إلى مرحلة أكثر نضجاً: من يقدّم التطبيق الأكثر استخداماً وتأثيراً وقابلية للتوسع؟
من النماذج إلى التطبيقات
خلال الأعوام الماضية، انصبّ التركيز على تطوير النماذج الأساسية (Foundational Models)، لكن 2025 شهدت نقطة انعطاف مفصلية؛ إذ بدأت القيمة الاقتصادية الحقيقية للذكاء الاصطناعي تتجسد في الطبقة التطبيقية، أي في المنتجات التي يلمسها المستخدم مباشرة. هذا التحول أعاد ترتيب خريطة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا، وأبرز فاعلين جدداً لم يكونوا في صدارة سباق النماذج.

«جيميناي» ركيزة حياتية فاعلة
تقدّمت غوغل بقوة عبر دمج نموذج Gemini 3 في منظومتها الأساسية: البحث، أندرويد، الصور، والسحابة. في خطوة تهدف لمواكبة التطور السريع لمنافسه "شات جي بي تي" الذي تطوره "أوبن إيه آي".
ويسمح النموذج الجديد للمستخدمين بالحصول على إجابات أفضل للأسئلة الأكثر تعقيدًا.
الإصدار الجديد "مصمم لفهم العمق والفروق الدقيقة"، و"أفضل بكثير" في فهم السياق والغرض من الطلب، بحيث يحصل المستخدم على ما يحتاجه من خلال تلقين أقل.
لم يكن الرهان هنا على نموذج منفصل، بل على تحويل الذكاء الاصطناعي إلى طبقة تشغيل خفية تعمل في الخلفية. أدوات مثل تحرير الصور الذكي، والبحث التفاعلي، والمساعد متعدد الوسائط، رفعت عدد مستخدمي Gemini إلى 650 مليون مستخدم نشط شهرياً، وأعادت غوغل إلى موقع القيادة في التطبيقات الاستهلاكية واسعة النطاق. فيما يبلغ عدد مستخدمي "AI Overviews" ملياري مستخدم شهريًا. يقارن ذلك بأكثر من 800 مليون مستخدم نشط "أسبوعيًا" لـ "شات جي بي تي".
"Gemini 3"، الذي ظهر للمرة الأولى في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، يتربع حالياً على قمة قوائم المتصدرين في مهام مثل إنشاء النصوص وتحرير الصور ومعالجتها وتحويل النصوص إلى صور، مما يضعه في المقدمة أمام منافسين مثل تشات جي بي تي وغروك من شركة إكس ايه آي وكلود من أنثروبك في تلك الفئات.
- الصين تعيد رسم خريطة الذكاء الاصطناعي.. رقائق محلية في قلب الإنفاق الحكومي
- ديزني تدخل عالم الذكاء الاصطناعي.. استثمار مليار دولار وشراكة مع OpenAI
OpenAI.. من الدردشة إلى الوكيل الذكي
في 2025، انتقلت OpenAI من كونها شركة “روبوت محادثة” إلى منصة تطبيقات متكاملة. إطلاق متصفح ChatGPT Atlas مثّل تحولاً نوعياً، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي يجيب فقط، بل ينفذ المهام نيابة عن المستخدم عبر “وضع الوكيل”. بالتوازي، شكّل تطبيق Sora 2 للفيديو المولّد بالذكاء الاصطناعي لحظة فاصلة في صناعة المحتوى، مع قدرات واقعية غير مسبوقة، ما فتح الباب أمام استخدامات سينمائية وإعلانية وتعليمية واسعة.
فيما يمثل نموذج الذكاء الاصطناعي «جي بي تي 5»، الحلقة الأحدث في تكنولوجيا ساهمت في تحول طريقة عمل الشركات، وفي الثقافة العالمية. ويجمع بين قدرات ذكاء اصطناعي أكثر تطوراً وتجربة حوارية أكثر طبيعية، مع تحسينات شاملة في أسلوب التفاعل ودقة تنفيذ التعليمات.
وقالت الشركة إن نماذج «جي بي تي» التي تطورها «أوبن إيه آي» هي تقنية الذكاء الاصطناعي التي تعطي القوة الدافعة لروبوت الدردشة «تشات بوت»، الشهير بـ«تشات جي بي تي».
ويبقى السؤال الأهم؛ هل ستكون الشركة التي بدأت حمى الذكاء الاصطناعي التوليدي قادرة على الاستمرار في دفع تطورات تكنولوجية كبيرة تجذب المستخدمين على مستوى المؤسسات لتبرير الاستثمارات المالية الهائلة التي تضخّها للوصول لهذه التحديثات؟
وحرصت «أوبن إيه آي» على تأكيد إمكانات «جي بي تي 5» بالنسبة للمؤسسات. فبالإضافة إلى تطوير البرمجيات، قالت الشركة إن نموذج «جي بي تي 5» متميز في الكتابة والاستفسارات المتعلقة بالصحة والتمويل.
ويتضمن الإصدار الجديد نسختين رئيسيتين، (GPT-5.1 Instant)، وهو النموذج الأكثر استخدامًا، ويتميّز بسرعة استجابته وقدرته على فهم التعليمات بدقة أكبر.
والآخر هو (GPT-5.1 Thinking) المخصّص للمهام التحليلية المعقّدة، والذي يتمتع بسرعة أعلى في الإجابات البسيطة، وأكثر عمقاً في المسائل المعقدة.
وفي ديسمبر/كانون الأول، أعلنت OpenAI عن أحدث نماذجها للذكاء الاصطناعي، GPT-5.2، مؤكدة أنه الأكثر تقدماً حتى الآن للاستخدام المهني اليومي، ويتيح إنشاء جداول البيانات، وبناء العروض التقديمية، وفهم الصور، وكتابة التعليمات البرمجية، بالإضافة إلى التعامل مع السياقات الطويلة والمعقدة.
ويأتي هذا الإعلان بعد أسابيع قليلة من إطلاق النموذج السابق GPT-5.1، في وقت شهدت فيه المنافسة بين الشركات الرائدة في الذكاء الاصطناعي تصاعدا ملحوظا، خاصة بعد إطلاق شركتي Anthropic وGoogle لنماذج جديدة خلال نوفمبر/تشرين الثاني.
ودفع ذلك OpenAI إلى إعلان حالة طوارئ قصوى، تركزت على تحسين أداء ChatGPT وتأجيل مشاريع أخرى مؤقتا، بهدف تعزيز قدرتها التنافسية.

من جانبه، قال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي للشركة، لشبكة CNBC: "كان لإطلاق Google لنموذج Gemini 3 تأثير أقل مما كنا نخشى في البداية. نعتقد أننا سنخرج من حالة الطوارئ بحلول يناير/كانون الثاني، وعندما يظهر تهديد تنافسي، يجب التعامل معه بسرعة".
ويتوافر GPT-5.2 بثلاثة إصدارات مختلفة لتلبية الاستخدامات المتنوعة: Instant الأسرع في الكتابة والبحث، Thinking الأكثر قدرة على العمل المنظم مثل البرمجة والتخطيط، وPro الذي يقدّم الإجابات الأكثر دقة للمسائل المعقدة.
وأكدت OpenAI أن هذا النموذج تفوّق على معايير الصناعة، بما في ذلك SWE-Bench Pro لأداء البرمجة، وGPQA Diamond لمهارات التفكير العلمي على مستوى الدراسات العليا. وفي اختبار GDPval الذي أجرته الشركة سابقا، تفوق GPT-5.2 على كبار المتخصصين أو عادل أدائهم في 70.9% من المهام الدقيقة.
رغم ذلك، سجّل أحدث نموذج من Anthropic، المسمى Opus 4.5، نتائج أعلى من GPT-5.2 على SWE-Bench Verified، وهو معيار يقيّم قدرات البرمجة، لكن OpenAI اعتبرت أن هذا الاختبار أقل مقاومة للتلوث وأقل تحديًا وأقل تنوعًا وأقل ملاءمة للتطبيقات الصناعية مقارنة بـ SWE-Bench Pro، وفقا لوكالة فرانس برس.
وتهدف هذه التحسينات إلى احتواء تقدم الأدوات المنافسة، وأبرزها نموذج Claude من Anthropic، ونموذج Gemini 3 من Google.
على عكس Google، التي تجني مليارات الدولارات من الإعلانات، لا تحقق OpenAI أرباحا شهرية حتى الآن، ولا تتوقع الوصول إلى الربح قبل 2029. ورغم ذلك، أكّد ألتمان ثقته في قدرة الشركة على تحفيز نمو الإيرادات لمواكبة الزيادة في القدرات الحاسوبية.
وتستثمر OpenAI نحو 1.4 تريليون دولار على مدى ثمانية أعوام في رفع قدراتها الحاسوبية، بما في ذلك شراء ملايين الرقاقات، وبناء مراكز تشغيل ضخمة، وضمان توفير الطاقة والتبريد. ويُتوقع أن تصل إيرادات الشركة السنوية إلى 20 مليار دولار بحلول نهاية 2025، مع توقعات بأن تصل إلى مئات المليارات بحلول 2030.
وأضاف ألتمان: "من دون هذه الزيادة في القدرات الحاسوبية، لا يمكن تحفيز نمو الإيرادات، لكن لدينا أسباب للتفاؤل أكثر بكثير من أسباب التشاؤم".
كما كشف عن توليد إيرادات إضافية من أداة Sora، التي تسمح للمستخدمين بإنشاء مقاطع فيديو مدفوعة، مؤكّدًا أن المستخدمين لم يترددوا في الدفع مقابل المحتوى الذي يعجبهم.
في خطوة جديدة ضمن تطوير منتجاتها، أعلن ألتمان عن تخفيف قيود ChatGPT اعتبارًا من ديسمبر/كانون الأول، لتوفير المحادثات الخاصة بالبالغين، مع توقعات من سيمو بأن الميزة ستكون متاحة خلال الربع الأول من 2026 بعد تحسين قدرة النظام على تقدير أعمار المستخدمين.

التطبيقات الصينية.. أداة تعبئة وطنية
في الجانب الصيني، كان التحول أكثر وضوحاً نحو التطبيقات منخفضة التكلفة وسريعة الانتشار. شركة علي بابا نجحت في تحقيق اختراق لافت عبر تطبيق Quark / Qwen، الذي تجاوز ملايين التنزيلات خلال أيام، جامعاً بين البحث، الإنتاجية، والتجارة الإلكترونية داخل واجهة واحدة. كما مثّل تطبيق LingGuang من Ant Group نموذجاً جديداً، حيث بات المستخدم العادي قادراً على إنشاء تطبيقات برمجية كاملة عبر أوامر نصية، في خطوة تُقرب الذكاء الاصطناعي من الجمهور غير التقني.

فيما برزت شركة DeepSeek كلاعب مفصلي عبر نماذج مفتوحة المصدر عالية الكفاءة، أبرزها Math-V2، الذي نافس قدرات بشرية متقدمة في الرياضيات. الأهمية هنا لا تكمن فقط في الأداء، بل في إتاحة هذه القدرات مجاناً للمجتمع العلمي والمطورين، ما جعل التطبيقات تتكاثر خارج سيطرة الشركات الكبرى، وأعاد تعريف مفهوم “الديمقراطية التقنية” في الذكاء الاصطناعي.
تفوق أوروبي صامت
بينما تأخرت أوروبا في سباق النماذج العملاقة، برزت بقوة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتخصصة. شركات مثل Synthesia في الفيديو المؤسسي وLovable في البرمجة بدون كود، أثبتت أن القيمة ليست في حجم النموذج، بل في حل مشاكل محددة بكفاءة عالية. تقارير رأس المال المخاطر أظهرت أن شركات التطبيقات الأوروبية باتت تنمو بسرعة قياسية، مع عائدات مرتفعة لكل موظف، ما يجعلها مرشحة لقيادة موجة الذكاء الاصطناعي العملية.
xAI.. الذكاء الاصطناعي بشخصية وهوية
إيلون ماسك اختار مساراً مختلفاً عبر Grok، الذي تطور في 2025 من نموذج جدلي إلى منظومة تطبيقات ذات طابع شخصي. إطلاق شخصيات رقمية مثل “ميكا”، ودمج Grok بعمق داخل منصة X، يعكس توجهاً جديداً: الذكاء الاصطناعي ليس أداة فقط، بل كائن تفاعلي يحمل هوية وصوتاً وأسلوباً.
التطبيق.. ساحة الحسم
ما يميز 2025 ليس عدد النماذج ولا حجم الاستثمارات فقط، بل انتقال الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة التبني الواسع عبر التطبيقات. المتصفح، الفيديو، الوكلاء الأذكياء، البرمجة دون كود، والتجارة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، كلها أصبحت ساحات تنافس مباشرة. وفي هذا السباق، لن يفوز من يملك النموذج الأقوى فقط، بل من يحوّل الذكاء الاصطناعي إلى تجربة يومية سهلة، موثوقة، وقابلة للاستخدام على نطاق واسع.