المستقلون في برلمان لبنان.. رحلة التموقع والتحالفات
كتلة من النواب المستقلين أفرزتها الانتخابات اللبنانية تلفها الضبابية، وسط مساعٍ لتشكيل تحالفات في إطار تسويات تفرضها حسابات مختلفة.
وأنتجت هذه الانتخابات مجلساً نيابياً لا يشبه المجالس التي اعتاد عليها اللبنانيون على الأقل منذ عام 2005، حيث كان يسهل ترتيب القوى السياسة ضمن جبهات واضحة.
إلّا أن نتائج 2022 اختلفت وأفرزت عدداً من الكتل، بعضها سهل التصنيف، فيما يبقى من غير اليسير تصنيف عدد كبير من النواب المستقلين في جبهة أو كتلة، إضافة إلى غموض بعض التوجهات السياسية.
ففي ظل غياب "تيار المستقبل"، شغل المقاعد التي تعود للطائفة السنية عدد من النواب المستقلين الذين لم ينتموا إلى كتلة محددة، لكن محور "حزب الله" لم يحاول التوسّع في الساحة السنية كما أشاع ذلك قبل الانتخابات.
ودافع أهالي بيروت بأصواتهم عن هويّة المدينة وقطعوا الطريق أمام أيّ تمدّد للمليشيات المسلحة ولو بمقعد نيابيّ إضافيّ واحد، وكان للنتائج الانتخابية في بيروت والشمال الدور الأساسي في منع استعادة حزب الله وحلفائه الأكثرية النيابية.
ويتموضع فقط 8 نواب سنّة من أصل 27 منتخبين في إطار سياسي محسوب على "حزب الله"، بما يشمل عدنان طرابلسي في "بيروت الثانية"، ومحمد يحيى في "الشمال الأولى" (عكار)، وجهاد الصمد (الضنية) وطه ناجي (طرابلس) في "الشمال الثانية"، حسن مراد في "البقاع الثانية" (البقاع الغربي، راشيا)، محمد الحجيري وينال الصلح في "البقاع الثالثة" (بعلبك، الهرمل)، قاسم هاشم في "الجنوب الثالثة" (مرجعيون، حاصبيا).
فيما فاز 5 نواب من قوى المجتمع المدني وهم إبراهيم منيمنة، ووضاح الصادق، وحليمة قعقور، ورامي فنج، وياسين ياسين، التي تسعى إلى تشكيل كتلة برلمانية تحت اسم كتلة 17 تشرين (نسبة لتاريخ انطلاق التحركات الشعبية ضد القوى الحاكمة في لبنان عام 2019).
علامات استفهام
بقيت علامات استفهام تدور حول النواب الباقين واتجاهاتهم، ويمكن تصنيف 7 نواب من الطائفة السنية تحت إطار "المستقبليين السابقين" (حزب سعد الحريري) وهم وليد البعريني، محمد سليمان، كريم كبّارة، أحمد الخير، عبد العزيز الصمد، بلال الحشيمي، نبيل بدر، ولكن حتى الساعة لا يبدو أن هناك إمكانية لجمعهم ضمن إطار واحد، خصوصاً أنهم خاضوا الانتخابات بطريقة مستقلة بعضهم عن بعض.
وضمن هذا التعداد، يبقى نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت، والنواب عبد الرحمن البزري وأسامة سعد، وإيهاب مطر، وفؤاد مخزومي، الذين يمكن وضعهم ضمن لائحة النواب المعارضين مع اختلاف في التوجهات السياسية، خصوصاً تجاه القضايا الأساسية كمعارضة سلاح حزب الله.
وإن كان في الأمر تعقيد لدى الطائفة السنية، فهو واضح جداً لدى الشيعة الذين فاز "الثنائي حزب الله وحركة أمل بجميع مقاعدهم، والدروز الذين سيطر الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط المعارض لحزب الله على 6 من مقاعدهم مقابل مقعدين ذهبا لقوى التغيير، المعارضة أيضا لحزب الله.
أما عند المسيحيين فقد تفرّق النواب على عدد من الكتل، كالقوات (18) والتيار الوطني الحر (17، من دون حزب الطاشناق، 21 باحتسابه)، وقوى التغيير (6) والكتائب (5)، والمردة (1)، اللقاء الديمقراطي (1)، وحزب الوطنيين الأحرار (1) وبقي منهم 12 نائباً يحملون صفة مستقلّ.
تحالفات!
وكما في الطائفة السنية، لا يمكن جمع المستقلين ضمن إطار واحد، فقد بدأت بعض التحالفات بالتبلور، فالنائبان فريد هيكل الخازن ووليم طوق يتجهان لتشكيل تكتل مع نائب المردة طوني فرنجية، والنائب سكاف سيكون حليف التقدمي الاشتراكي وإن لم ينضمّ إلى تكتله، وشربل مسعد هو أقرب إلى كتلة النواب التغييريين، وسجيع عطية لن يكون بعيداً عن تكتل "نواب عكار" أي نواب قدامي المستقبل.
تبقى العين على الكتائب ومعوّض وافرام الذي ضمّ إليه النائب عبود لتشكيل تكتل واحد مؤلف من نواة 8 نواب مسيحيين (معوّض، وعبدالمسيح، وأفرام، وعبود و4 من الكتائب)، وربما لاحقاً طالوزيان والضاهر اللذان يحملان نفس التوجه السياسي والاقتصادي.
ومن المرجح أن يضم هذا التكتل أيضاً النائب السني المستقل إيهاب مطر، بالإضافة إلى التنسيق مع النائب فؤاد مخزومي غير البعيد عن طروحات الفرقاء، وبالتالي ينجح السياديون (المناهضون لحزب الله) في تشكيل تكتل يضم أكثر من 12 نائباً يكون له ثقله وكلمته داخل البرلمان.
ويبدو واضحاً أن النفس المواجه لـ"حزب الله" هو المسيطر على العدد الأكبر من النواب المسيحيين المستقلين، وحتى النائبان الخازن وطوق لن يكونا في محور المليشيات بسبب طبيعة مناطقهما (كسروان وبشرّي) وقد سبق أن أعلنا أنهما ضد السلاح.
كما أن عملية الاستقطاب لنواب ضمن كتل لن تكون برئيس ومرؤوس أو على شاكلة الكتل الحزبية التي تلتزم بقرار واحد، إنما فقط تكون كتلا تشاورية بين بعضها البعض.
وفي المحصّلة، يبدو أن الأكثرية الساحقة من مجموع المستقلين غير المنضوين في كتل هي خارج محور "حزب الله" الذي لن يستطيع استمالة أي فرد منهم، ولكن تبقى العين على جزء منهم، في إمكانية قيامهم بتسويات داخلية لها علاقة بانتخابات رئاسة مجلس النواب واللجان وغيرها، خصوصاً السنّة منهم، علماً بأن لرئيس مجلس النواب نبيه بري علاقات وثيقة بعدد غير قليل منهم، ويمكن أن يكون وسيطاً لتمرير بعض القضايا الداخلية.
aXA6IDMuMTM3LjE3Ni4yMTMg جزيرة ام اند امز