يحتاج لبنان إلى ما لا يقل عن 20 مليار دولار للخروج من الورطة؛ 11 منها هي ما كان قد وعد به "مؤتمر سيدر" الذي عقد في باريس في أبريل 2018
"ادعموا حكومة حسان دياب، أو أن لبنان لن ينجو"، هذا هو جوهر التهديد الذي قدمه قائد فرع فيلق القدس في لبنان، حسن نصر الله. هو بعبارة أخرى، أنشأ حكومة على مقاسه، ويريد من دول العالم أن تُسعفها بالمال، تحت وطأة التهديد بأن لبنان سوف ينهار.
ضع الأمر بعبارة أشد وضوحا وسترى يقول: "أعطونا المال لكي ننهبه، ونفسد فيه، وفقا للنظام القائم، أو أن لبنان سوف يسقط في هوة لا قرار لها".
إن لم يكن هذا ابتزازا مهينا للعالم بأسره، وللدول العربية منها على وجه الخصوص، فلا أحد يعرف ما هو الابتزاز.
الوطنية الحقيقية هي الإصغاء لمطالب التغيير العميق والشامل، لا ابتزاز العالم، ولا اتخاذ لبنان رهينة، ولا القول: أعطونا مالا أو نقتل البلد
من الناحية العملية، يشبه الأمر مجرما يتخذ رهينة، ليقول أعطوني المال، وإلا فإن الرهينة سوف تموت.
العقلية الإجرامية، كانت هي الأساس الذي دفع حزب الولي الفقيه إلى التمسك بتشكيل حكومة يعرف سلفا أنها لن تحظى بدعم أحد. ولكنه مضى بتشكيلها قُدما، لأنه يعرف أنه يستطيع أن يتخذ لبنان برمته كرهينة لدعمها. لا أحد في العالم ولا في العالم العربي، ولا الدول الخليجية على وجه الخصوص، يمكنه أن يمنح هذه الحكومة الثقة. ليس على أسس التهديد والابتزاز حتما، فما بالك والكل يعرف أنها حكومة حزب هو بحد ذاته جزء من المشكلة.
لا يوجد في البرنامج الحكومي الذي قدمه دياب أي شيء يجدر أخذه بالاعتبار. لا إصلاح ولا تغيير ولا حلول واقعية لمشكلات لبنان الاقتصادية.
يحتاج لبنان إلى ما لا يقل عن 20 مليار دولار للخروج من الورطة؛ 11 منها هي ما كان قد وعد به "مؤتمر سيدر" الذي عقد في باريس في أبريل/نيسان 2018، لتقدم على شكل هبات وقروض وتمويلات لمشاريع استثمارية. إلا أن ذلك ظل مشروطا بإصلاحات هيكلية.
ويقول صندوق النقد الدولي اليوم، بلسان كريستينا جورجيفا مديرته التنفيذية في دبي: "إن لبنان بحاجة إلى إصلاحات بنيوية عاجلة وعميقة للغاية. وثمة إجراءات يتعين اتخاذها. وتنفيذها بيد اللبنانيين أنفسهم".
الأموال لن تقدم مجانا إذن. إصلاحات حقيقية وعميقة هي شرطها الأهم. ومن دون هذه الإصلاحات، فإن أي أموال إضافية ستكون جزءا من الورطة، وليس مخرجا منها. فالأزمة لا تتوقف عند حدود العجز عن تمويل الإنفاق الحكومي، الذي يبلغ بمفرده 17.8 مليار دولار، أو ما يعادل 32% من حجم ناتج محلي لا يزيد على 56 مليار دولار.
ففي دائرة الفساد التي يهيمن عليها "صهر الدولة" من جهة، وزعيم فرع الحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى، فإن أزمة الكهرباء بمفردها تستهلك ملياري دولار سنويا من ذلك الإنفاق، بينما تستهلك "القوى العاملة" في القطاع العام، التي تبلغ 25% من إجمالي اليد العاملة في البلاد، 3.2 مليار دولار بحسب تقديرات وزارة المالية لعام 2018. ولكي تتضح طبيعة الفساد في هذا القطاع، فهناك ما لا يقل عن 90 مؤسسة غير فعالة تضم نحو 5 آلاف موظف حكومي هم من جملة نظام المحاصصات الطائفية التي يسربها حزب الولي الفقيه لتمويل أعضائه بطرق غير مشروعة.
هناك أيضا عائدات منهوبة تبلغ نحو 4 مليارات دولار يستولي عليها حزب الولي الفقيه من جراء سيطرته على المطار والموانئ والمعابر غير الشرعية، وهي عائدات يفترض أن تذهب إلى خزانة الدولة. لكنه يريد أن يواصل أعمال النهب، كما يريد أن يقرر ما يمكن للحكومة ان تفعله، لكي لا تطال فساده الخاص.
وفي حين يتعين على لبنان أن يسدد 4 مليارات دولار من أقساط الديون هذا العام. 1.2 مليار دولار منها تستوجب السداد في مارس/آذار المقبل، ومنها 800 مليون للخارج، فإن البلد لا يملك هذا المال. وحجم الديون الإجمالي بلغ حتى سبتمبر/أيلول الماضي 87 مليار دولار. وبحسب معدلات العام الماضي، فإن الديون التي ازدادت بنسبة 2% عن العام الذي سبقه سوف تزداد إذا حصل لبنان على القروض المطلوبة بنسبة لا تقل عن 10%، وهو ما يجعل خدمة الدين مستحيلة على ناتج إجمالي فقير نسبيا. ويتوقع أن ينكمش هذا الناتج، بحسب وكالة موديز، بنسبة 1.5%.
وفي ظل عجز في ميزان المدفوعات يقدر بنحو 8 مليار دولار، وعجز بلغ 11%، بحسب معدلات عام 2019، فإن "حلول" الابتزاز هي كل ما بقي لحكومة دياب.
هناك من يتحدث عن "إعادة هيكلة" للديون، بدلا من تسديدها. وهناك من يتحدث عن الامتناع كليا عن التسديد ما لم يحصل لبنان على قروض جديدة. ولكن لا إصلاحات. ولا تغييرات هيكلية. وكل هذا يعني أن حزب الولي الفقيه يضع المسدس في رأس لبنان، ليقول: "ادعمونا، أو نطلق النار على رأس الرهينة".
القطاع المصرفي الذي كان يقترض لكي يمول فساد الدولة، يواجه هو الآخر محنته الخاصة. إذ لم يعد قادرا على منح المزيد. كما تواجه آلاف الشركات التي اضطرت إلى وقف أعمالها، أو صرف أعداد كبيرة من موظفيها، أزمة هي الأخطر منذ الحرب الأهلية اللبنانية.
البطالة ترتفع. والفقر يزداد. والسياحة تتراجع. وعائدات الميزانية تتقلص. والبنوك على حافة الهاوية. هذه حقائق يعرفها حسن نصر الله. وهو يزيدها تفاقما. وهي تعني أن النظام الطائفي برمته بات نظاما فاشلا، وعاجزا عن إدارة مشكلاته. فبأي معنى من المعاني يمكن الخروج من الأزمة بأيدي الذين صنعوها، ويصرون على المضي بها قدما؟
يقول نصر الله: "إن دعم حكومة دياب، واجب وطني". اللبنانيون يعرفون أنه بولائه المطلق لإيران، فإنه آخر من يفهم معنى الوطنية.
الوطنية الحقيقية هي الإصغاء لمطالب التغيير العميق والشامل، لا ابتزاز العالم، ولا اتخاذ لبنان رهينة، ولا القول: أعطونا مالا أو نقتل البلد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة