لبنان بذكرى الحرب.. البطون الخاوية "أقسى" من القذائف المتهاوية
جمود سياسي وانهيار اقتصادي يعيشه اللبنانيون الذين يستحضرون اليوم الذكرى الـ46 للحرب الأهلية، ولسان حالهم يقول: لا تكرروا التاريخ.
فعلى الرغم من أن الوضع الإقليمي والدولي مختلف الآن، لا يزال لبنان يواجه نفس خطوط الصدع التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية التي اندلعت شرارتها عام 1975 إلى أن خمدت في 1990.
وتمثل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة في البلاد، إلى جانب الجمود السياسي، وضعا ينذر بأجواء ما قبل الحرب.
أزمات بات الخوف من خطرها على مستقبل ومصير لبنان، أكبر من أوجاع الحرب الأهلية التي ما زالت ندوبها شاخصة في جسد بلاد الأرز، لا سيما في ظل سيطرة حزب الله على قرار الحرب والسلم.
ما هو أسوأ من الحرب الأهلية
وبين من يرى أن ما يعيشه اللبنانيون اليوم من الجوع والفقر أقسى مما عانوه تحت قصف وقذائف الحرب الأهلية، هناك من يحذّر من الأسوأ في ظل سيطرة حزب الله وحلفائه على الحكم، والذي قد يؤدي إلى تغيير نظام لبنان وتقسيمه لمناطق طائفية.
وأمام الوضع السياسي المغلق، يقول مصطفى علوش، مستشار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في حديث لـ "العين الإخبارية"، إن "لبنان يعيش مرحلة أخطر من الحرب وهي مرحلة ما قبل التفكّك، وهو ما لم تصل إليه حتى معارك الحرب الأهلية".
وأكثر تفصيلا، يشرح علوش "لبنان الموحّد بطوائفه لن يبقى كما هو، وسيقسّم تقريبا إلى ثلاثة أقسام رئيسية وأخرى ثانوية، بحيث يكون بشكل أساسي، الجنوب والبقاع للشيعة إضافة إلى جزء من سوريا (المناطق الحدودية) بعدما عمد حزب الله إلى تهجير السُنة منها واستولى عليها".
"أما جبل لبنان وبعض المناطق المجاورة فستكون للمسيحيين، على أن يكون جزء أساسي من مناطق الشمال للسُنة".
ومع نظرته التشاؤمية للواقع الحالي، يرى علوش أنه بات من الصعب إنقاذ لبنان، و"هذا التقسيم سيحصل عاجلا أم آجلا إما تحت الضغط أو علنا على الطاولة".
نظرة تشاؤمية تشاركها مع علوش، النائب السابق والقيادي في "حزب الكتائب" إيلي ماروني، لكن الأخير استبعد اندلاع حرب طائفية، معتبرا أن ما يعيشه لبنان اليوم هو الحرب الباردة.
وقال ماروني لـ"العين الاخبارية": "لبنان فعليا لم يخرج من الحرب، إنما كنا في حرب القذائف والصواريخ والآن في حرب التجويع والفقر والفساد نتيجة انحلال مؤسسات الدولة والقضاء والأمن والصحة وغيرها".
مضيفا " اللبناني يعاني اقتصاديا ومعيشيا أكثر من معاناته خلال الحرب، وهنا جهات لها مصالح في استمرار الوضع على ما هو عليه".
من المستفيد؟
وعن الجهة المستفيدة من هذا الوضع المتأزم، تابع ماروني حديثه "حزب الله هو الجهة الأساسية التي تستفيد من هذا الانحلال لمصلحة دويلته التي بناها على أنقاض لبنان وباتت كاملة المعالم، أمنيا واقتصاديا وصحيا وغيرها عبر إنشائها مؤسسات خاصة به وبجمهوره".
مستطردا "كذلك هناك جهات لها مصالح مرتبطة بحزب الله تستفيد من هذا الواقع، وتحديدا رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل اللذان يعملان لتبقى مصلحتهما فوق مصلحة لبنان والشعب".
وليعطي كلامه صورة دقيقة، أوضح ماروني جزئيته الأخيرة "بأن الأمر كان واضحا من خلال تعطيل الانتخابات الرئاسية سنتين ونصف السنة، من أجل وصول عون إلى الرئاسة ومن ثم تعطيل تأليف الحكومات بهدف توزير باسيل".
"وحتى بعدما وصل عون إلى الرئاسة ها هو لبنان يعيش أسوأ عهد، حيث بات الانهيار واقعا على كل الصعد" يستكمل القيادي في حزب الكتائب، محذرا من أن الانفجار الاجتماعي "بات قريبا".
وفيما يستبعد ماروني عودة الحرب الطائفية نظرا إلى المعاناة العامة والشاملة التي تعاني منها كل الطوائف، يؤكد في الوقت عينه أنه إذا كان هناك أي قرار خارجي للجهة التي تحمل السلاح والتي تملك قرار الحرب والسلم، أي حزب الله، لن تقف الطوائف الأخرى مكتوفة الأيدي وستواجهه، وهذا ما بدأ يبرز في بعض المناطق عبر ظاهرة الأمن الذاتي، بحسب قوله.
استبعاد ماروني افتعال حزب الله للحرب ينطلق من وقائع أساسية، وهي أن "الحزب يمسك بمفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية، وبقاء واقع انحلال الدولة هو لمصلحته ومصلحة سيطرة ولاية الفقيه التي يقرّ بها كمرجعية له".
وكانت انطلاقة الحرب اللبنانية، بدأت في 13 أبريل/نيسان 1975 بين أحزاب مسيحية من جهة وفصائل فلسطينية من جهة أخرى مدعومة من قوى إسلامية ويسارية لبنانية، لتتوسع الدائرة ويتم تدويل الحرب التي دخلت على خطها قوى إقليمية أبرزها سوريا وإسرائيل.
وكانت نتيجة المعارك تكريس خطوط تماس طائفية في العاصمة بيروت وبين المناطق \، ووصل فيها العنف والخطف والاغتيالات والقصف الى أشده، وأدت إلى وقوع 150 ألف قتيل و17 ألف مفقود.
لكن كان اللبنانيون حينها يستعيدون حياتهم بشكل طبيعي عند كل تهدئة، ولم يعانوا من أوضاع اقتصادية صعبة كالتي يعانون منها اليوم لا سيما مع الدعم والمساعدات التي كانت تصل إلى لبنان عبر الجهات المتصارعة.
وانتهت الحرب بعد توقيع اتفاق الطائف في السعودية عام 1989، ليسجل بعدها جولة عنف أخيرة انتهت في 1990، ليعود بعدها ويتولى معظم رؤساء الأحزاب السلطة دون أن ينجحوا في بناء دولة فعلية ومؤسسات وقانون.
ومنذ بداية 2019 بدأ الانهيار الاقتصادي يظهر فعليا في لبنان، إلى أن انفجر الوضع في الفصل الأخير منه وبدأ يتفاقم حتى انهار بشكل كامل في موازاة الانقسام السياسي والخلاف الذي يحول دون تشكيل حكومة جديدة، بينما بات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMDcg جزيرة ام اند امز