أزمات لبنان العصية.. مافيا تهريب البنزين من بلد مريض لآخر يحتضر: لا أموال ولا حلول
أزمات لبنان أصبحت عصية، ما ينذر بانهيار شامل قد ينتج عنه ما لا تحمد عقباه، فما هي مفاتيح الحل؟.. خبراء يتحدثون لـ"العين الإخبارية".
منذ أكثر من شهرين، يعاني لبنان أزمة شح في المحروقات، وسط تهافت الناس على المحطات، الذين يصطفون في طوابير طويلة للحصول على كميات قليلة من البنزين أو المازوت لسد حاجتهم.
ولا يمر يوم من دون عشرات الإشكالات على هذه المحطات، تطورت في الأيام الأخيرة لتصبح إشكالات مسلحة، يتخللها إطلاق نار وسقوط جرحى وقتلى، ولم تنته عند مجزرة الأمس عندما قضت عائلة بأكملها مؤلفة من سيدة وبناتها الأربعة نتيجة حادث سير على طابور بنزين.
بالإضافة إلى تطور حدث الأربعاء تمثل في الهجوم على الصهاريج المتوجهة إلى المحطات في محافظة عكار، وسرقة حمولتها، وهذا ما دفع أصحاب أكثر من 140 محطة محروقات إلى رفض تسلّم البنزين من الشركات، بسبب تعرضهم للمشاكل والابتزاز والضرب. بحسب ما كشف نقيب موزعي المحروقات في لبنان فادي أبوشقرا لـ"العين الإخبارية".
التهريب مستمر
في المقابل لا تزال عمليات التهريب إلى سوريا ناشطة جداً وتأخذ طرقاً مختلفة عبر الطرق الشرعية في خزانات السيارات في المناطق القريبة من الحدود، أو عبر المعابر غير الشرعية عبر الصهاريج ولم تستطع الإجراءات كافة التي اتخذتها الأجهزة الأمنية اللبنانية من منعها.
وتدعم الدولة اللبنانية عبر المصرف المركزي البنزين والمازوت بنسبة 85% عبر سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد وتدفع الشركات المستوردة 15% بالدولار الطازج الذي يوازي سعره في السوق السوداء أكثر من 15500 ليرة لبنانية، وبهذا الدعم يعتبر سعر صفيحة البنزين الأرخص بحيث لا يتجاوز الـ 3 دولارات في حين لا يتجاوز سعر صفيحة المازوت الدولارين.
ومع تعمّق الانهيار الاقتصادي ونفاد مخزون العملة الأجنبية في مصرف لبنان، بدأ المصرف يقنن فتح الاعتمادات وخصوصاً أنه بدأ باستعمال الاحتياطي الإلزامي، وهذا ما لا يسمح به القانون، وهو بالفعل قد أبلغ الحكومة اللبنانية أنه لا يمكنه الاستمرار بهذا الأمر بعد نهاية هذا الشهر.
حلول ترقيعية
وفي مواجهة الأزمة بدأت الحلول الترقيعية على الطريقة اللبنانية، كاقتراح اعتماد محطات قطاعية، أي تخصص محطات لقطاعات معينة لا تستقبل جميع المواطنين وهذا ما جرى بالفعل الأسبوع الماضي حيث تم تخصيص محطة لسائقي الأجرة في بيروت، ولكن بحسب فادي أبو شقرا أن هذا المشروع لم ينجح وأحدث فوضى ومشاكل كبيرة، وكثرت الطلبات المماثلة من قطاعات أخرى كالأطباء والممرضين والإعلاميين وأساتذة المدارس، ما أدى إلى توقف المشروع.
وأشار أبو شقرا في حديثة لـ"العين الإخبارية"، أن السوق حالياً قد فرغ من مادة المازوت ما يعد كارثة لأن المولدات تعمل على المازوت ما سيؤدي إلى انقطاع كهرباء المستشفيات والمصانع والمعامل، وهناك أشخاص يعيشون على آلة الأوكسيجن إذا انقطعت الكهرباء عنهم ننهي حياتهم".
لا اعتمادات
ولفت إلى أن للدولة حلولًا ناجحة، لا على مستوى تأمين الحماية للمحطات، ولا على مستوى تأمين الدولارات الكافية لاستيراد كميات تغطي حاجة السوق. والأهم، لم تستطع الدولة منع التهريب والتخزين، مما يزيد الضغط على السوق.
وكشف أن هناك سفنا من البنزين والمازوت متوقفة في عرض البحر منذ أيام والدولة اللبنانية تدفع 28 ألف دولار ضريبة تأخير على كل ليلة ولم تفتح اعتمادات لها، والمنشآت النفطية التابعة للدولة أقفلت أبوابها منذ ثمانية أيام.. وحالياً لا حلّ.
مصرف لبنان لن يدفع
في المقابل تحاول الحكومة حسم أمرها بشأن إمكانية رفع الدعم من عدمه، ثمة من تداول بفكرة ومفادها أنه خلال هذه الفترة، سيتم تأمين دولارات لاستيراد المحروقات شرط أن يكون الدولار على أساس 3900 ليرة بدلاً من 1514 ليرة. ومبدئياً، فإن سعر صفيحة البنزين ستصبح بين 60 63 ألف ليرة بناء على سعر برميل النفط الذي يتراوح عالمياً بين 70 و72 دولاراً.
لكن هذا الموضوع ما دونه إذ أشارت مصادر في مصرف لبنان لـ"العين الإخبارية" إلى أن المجلس المركزي للمصرف أكد سابقاً وسيؤكد هذا الأسبوع عدم قدرته على الاستمرار بدعم المحروقات لا على سعر 1500 ليرة ولا على سعر 3900، لأن لا نية لديهم ولا يحق لهم المس بالاحتياطي الإلزامي، وأي خطوة تندرج في هذا تعتبر جريمة موصوفة يعاقب عليها القانون.
المصادر اتهمت السلطة السياسية بأنها تحاول أن تنفذ عملية قضم لهذا الاحتياطي معتقدة أنها تستطيع الاستمرار بهذه اللعبة تحت عناوين إنسانية ومعيشية وهذا ما لم يقبل به مصرف لينان وبالتالي على السلطة إذا أرادت دعم المحروقات على أساس 3900 ليرة للدولار أن تصدر تشريعاً عبر المجلس النيابي تحدد فيه الأمور التالية:
أولا: قيمة الأموال التي تريد رصدها لهذه العملية، ثانياً تحديد المدة الزمنية لهذا الدعم، ثالثاً تحديد كيفية رد هذه المبالغ لمصرف لبنان وتحديد الفترة الزمنية لردها.
المصادر لفتت إلى أن هذا المخرج يجعل من السلطة في لبنان، هي مسؤولة عن أي ضياع يطال الاحتياطي الإلزامي، علماً أن الحل يبقى بتحرير كل القطاعات من الدعم على أن تقوم الحكومة بدعم مالي مباشر للناس، ستكون كلفته مهما ارتفعت الشريحة المستفيدة أوفر من قيمة الدعم الحالي وتداعياتها.
رفع الدعم مقابل البطاقة التمويلية
إلى ذلك نفى عضو نقيب أصحاب المحطات في لبنان جورج البراكس ما يتم تداوله مؤخراً من معلومات عن رفع الدعم نهائياً عن البنزين اعتباراً من الأسبوع المقبل، وقال لـ"العين الإخبارية" "هذا الكلام لا أساس له من الصحة، ورفع الدعم عن المحروقات لن يكون الآن"، وأضاف: "الحكومة تشترط رفع الدعم بالتوازي مع إقرار البطاقة التمويلية وتوزيعها، وطالما أن تلك البطاقة لم تقر ولم تدخل حيز التنفيذ فإنه لا رفع للدعم في الوقت الحاضر".
وأردف: فكرة سعر الصرف على 3900 ليرة ستنطبق على كل باخرة جديدة آتية إلى لبنان وهي تساهم في حل جزء كبير من المشكلة لكن يجب أن تترافق مع ضوابط تضمن وصول المحروقات إلى المحطات"، وأضاف: "على القوى الأمنية أن تقوم بدورها لضبط التهريب أيضاً، والبضاعة التي تخرج من مستودعات الشركات يجب أن تصل إلى المحطات".
خارطة طريق للحل
وقال: "وقف الاستيراد المفاجئ وإبقاء البلاد من دون محروقات هو فعل جرمي وتدميري. على الحكومة ومصرف لبنان أن يعلنا بوضوح عن سياستهما في هذا القطاع ومصارحتنا ومصارحة الشعب اللبناني بحقيقة ما يريدان فعله"
وطرح البراكس خارطة طريق لرفع الدعم خلال 4 أشهر عبر الآلية التالية:
- يخفض الدعم تدريجيا 22% شهريا وعلى فترة أربعة أشهر.
- يقر المجلس النيابي قانون البطاقة التمويلية التي يبدأ العمل بها خلال الشهر الثاني من بداية رفع الدعم.
- يؤمن مصرف لبنان فورا وخلال هذه الفترة الاعتمادات المطلوبة لاستيراد المحروقات التي توقف الطوابير والإذلال وتقنين المولدات.
- تتخذ وزارتا الاقتصاد والطاقة ومنشآت النفط والأجهزة الأمنية الإجراءات الواجبة لوقف تسليم المحروقات لتجار التهريب المعروفون جيدا.
- تأمين تسليم المحطات على كامل الأراضي اللبنانية مادتي البنزين والمازوت من خلال الشركات المستوردة المتعاقدة معها أو شركات التوزيع.
- يخصص لتمويل هذه الخطة 750 مليون دولار أمريكي سيعاد تكوينها بالكامل وأكثر من أموال المغتربين والسواح الذين سيمضون العطلة الصيفية في لبنان".
يذكر أن رئاسة الجمهورية تحركت مساء الأربعاء ودعت إلى اجتماع صباح الخميس يضم وزيري الطاقة والمالية إضافة إلى حاكم مصرف لمحاولة إيجاد حلّ وإقناع المصرف بفتح اعتمادات على أساس 3900 ليرة للدولار الواحد.
aXA6IDMuMTQwLjE4NS4xOTQg
جزيرة ام اند امز