أشهر قليلة تلت اندلاع حراك لبنان قبل عام، سجلت خلالها الليرة انهيارا تاريخيا مقابل الدولار الأمريكي، لتنهار معه القدرة الشرائية.
أشهر قليلة تلت اندلاع حراك لبنان قبل عام، سجلت خلالها الليرة المحلية انهيارا تاريخيا مقابل الدولار الأمريكي، لتنهار معه القدرة الشرائية للمواطنين.
ولاحقا، استمر نزيف العجز ليطيح بالمؤشرات الاقتصادية والمالية، ويضع لبنان على شفا الإفلاس.
فيما ارتفعت أسعار الأغذية إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف، مع انقطاعات للتيار الكهربائي، بسبب عجز الدولة عن تمويل استيراد الوقود المستخدم في توليد الطاقة.
وتزامنت هذه الأحداث مع جائحة كورونا التي دفعت بعشرات الشركات إلى إغلاق أبوابها وتسريح موظفيها، ما أفرز أزمة غير مسبوقة تجلت من خلال المعاناة اليومية للبنانيين لتأمين قوتهم.
معادلة عكسية
بدل أن يشكل الحراك بمطالبه الاجتماعية والاقتصادية محطة لتغيير حياة اللبنانيين، ويدفع السلطة إلى اتخاذ قرارات إصلاحية، كانت النتيجة عكسية بسبب المزيد من القرارات الخاطئة.
واقع تستعرض ملامحه الخبيرة الاقتصادية اللبنانية محاسن مرسل، من خلال العودة إلى العوامل التي قادت نحو أسوأ أزمة تشهدها البلاد في تاريخها الحديث.
وفي حديث لـ"العين الاخبارية"، قالت مرسل إن "ثورة أكتوبر اندلعت نتيجة تراكمات سابقة، ونظام اقتصادي ريعي استبعد القطاع الصناعي والزراعي".
وأضافت أن الحراك كان أيضا نتاجا لـ"هندسات مالية أرهقت النظام المصرفي اللبناني، ومارست الخديعة من خلال عرض الفوائد العالية لاستقطاب أموال المودعين، ومن ثم الحجز على أموال الناس، فكان الانهيار".
واستشهدت الخبيرة بما حصل عقب إقفال المصارف لأسبوعين على خلفية توسع الاحتجاجات الشعبية.
وحينها، عمدت البنوك التي حجزت أموال المواطنين ووضعت سقفا للمبالغ المسحوبة، إلى تهريب أموال المودعين الكبار، بينهم مسؤولين، إلى الخارج.
وتسبب الإجراء، بحسب مرسل، في ارتفاع غير مسبوق للدولار أمام العملة المحلية، في بلد يعتمد على الاقتصاد "المدولر" (بالدولار) بنسبة 74%، وتجري حركة المداولات في سوقه بالدولار الأمريكي.
وخلصت إلى أن ما تقدم أدى إلى التهافت على الدولار، ما تسبب لاحقا في ارتفاع سعر الصرف مقابل الليرة بشكل غير مسبوق.
قرارات خاطئة
مرسل تطرقت أيضا إلى القرارات الخاطئة لمصرف لبنان الذي يتولى دفة السياسة النقدية في بلد بات صرف الدولار فيه يخضع لـ4 و5 أسعار مختلفة.
يضاف إلى ذلك السوق السوداء (الموازية) التي بلغ فيها سعر صرف الدولار، منتصف يونيو/ حزيران الماضي، 10 آلاف ليرة، وهو رقم خيالي وغير مبرر، بعد ما كان مستقرا لسنوات بحدود 1500 ليرة.
وبحسب مرسل، فإن ما حدث صبّ في مصلحة المصارف على حساب المودعين والمواطنين، في محاولة لامتصاص الدولار من السوق.
حدث ذلك بالتوازي مع قيام المصرف المركزي بطبع كميات من الليرة اللينانية، ما رفع قيمة الكتلة النقدية إلى 24 مليار ليرة لبنانية، بحسب الخبيرة.
كلفة اجتماعية
قرارات قالت مرسل إنها ضربت بعرض الحائط مقومات العيش في المجتمع اللبناني، حيث "بدأت القدرة الشرائية تتآكل".
فيما ارتفع معدل التضخم (سعر الاستهلاك) بشكل كبير مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية المدعومة بنسبة 120%، وغير المدعومة بـ400%.
وبالتوازي مع ذلك، ارتفعت نسبة البطالة مع تفاقم أزمة الشركات بسبب شح الدولار، وعدم القدرة على استيراد المواد الأولية عبر دفع الدولار.
وطالت الأزمة جميع القطاعات من التعليم والصحة والخدمات والسياحة والإعلام، ليرتفع عدد العاطلين إلى نحو مليون شخص، صعودا من 400 ألف عند بدء الحراك.
ويقدّر تقرير للجنة الاقتصادية لغربي آسيا "الاسكوا" أن الرقم سيصل إلى مليونين و700 ألف لبناني، في وقت يعيش فيه حوالي 23% من المواطنين تحت خط الفقر المدقع، أي بأقل من دولارين في اليوم.
فيما يتوقع خبراء ارتفاع نسبة الفقر إلى 70% بالمرحلة المقبلة، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، وتواصلت السياسيات الخاطئة نفسها.