أزمة اقتصاد لبنان تتفاقم والحكومة تعد خطة إنقاذ بتوصيات صندوق النقد
وزير المالية اللبناني قال إن لبنان يحتاج إلى مساعدات بين 25 و30 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة للخروج من الأزمة.
تتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان كل يوم مع نفاد مخزون السلع الاستراتيجية والوقود وفقدان أكثر من 220 ألف وظيفة منذ اندلاع الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتعد حكومة لبنان خطة للخروج من الأزمة الاقتصادية تلبي توصيات صندوق النقد رغم أن أكبر داعميها وهو "حزب الله" يعترض على تدخل صندوق النقد في حل الأزمة.
قال غازي وزني، وزير المالية اللبناني، إن خطة لبنان لمعالجة أزمته المالية والاقتصادية ستلبي توصيات صندوق النقد الدولي وستكون جاهزة خلال أسابيع.
وأضاف أن أي لجوء إلى برنامج للصندوق يجب أن يكون محل توافق سياسي وألا تتسبب الشروط في أي معاناة.
وأبلغ الوزير غازي وزني رويترز، الخميس، متحدثا بعد أيام من إعلان البلد المثقل بالديون عدم قدرته على دفع ديونه المستحقة، إن سعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية سيستمر "للمدى المنظور".
وأضاف أن سعر الصرف الرسمي يساعد في السيطرة على التضخم ولأسباب أخرى.
وستشكل الخطة التي تعكف عليها حكومة رئيس الوزراء حسان دياب حجر الزاوية لجهود انتشال لبنان من أزمته المالية الأشد منذ استقلاله في 1943.
وستشمل الخطة إصلاحات مصرفية ومالية واقتصادية.
ويطلب لبنان حتى الآن مساعدة فنية من صندوق النقد لا مساعدة مالية، وتأتي الأخيرة عادة في إطار برنامج إصلاحات.
وزار فريق من خبراء الصندوق لبنان الشهر الماضي.
وسلط جيري رايس المتحدث باسم صندوق النقد، متحدثا قبيل تصريحات وزني، الضوء على حاجة لبنان إلى صياغة خطة شاملة.
وقال "في ضوء خطورة الأوضاع الاقتصادية في لبنان، من المهم أن تصمم الحكومة حزمة إصلاحات شاملة وأن تطبقها على النحو الملائم من أجل المعالجة الفعالة للتحديات الاقتصادية وتحسين الآفاق الاقتصادية للبنان".
ويبين مسح أجري في فبراير/شباط الماضي أن أكثر من 220 ألف من العاملين فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما تفجرت مظاهرات، غذتها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، احتجاجا على النخب السياسية.
وقال رمزي الحافظ المدير العام بشركة إنفوبرو وهي شركة الأبحاث التي أجرت المسح "هذه كارثة اجتماعية. فهذا أكبر هبوط دفعة واحدة منذ نهاية الحرب الأهلية.. ولا نهاية تلوح في الأفق. هذه أزمة مفتوحة".
وتم الاستغناء عن خمس العاملين في المجال الفندقي الذي يعد من المحركات التقليدية للاقتصاد وفي مدينة صيدا الجنوبية أغلق 20% من المتاجر أبوابه.
وتعد الخسائر في الوظائف منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي لطمة كبرى لقوة العمل في لبنان التي قدرت منظمة العمل الدولية أنها مؤلفة من 1.59 مليون فرد في تقريرها عن عام 2019.
وقال وزني إن صندوق النقد مستعد لإرسال الخبراء مجددا إلى لبنان فور إعداد الخطة، وإن "البرنامج الذي تعده الحكومة يلبي توصيات صندوق النقد الدولي ويلبي في الوقت نفسه الخطة التي بدأناها مع البنك الدولي".
وأضاف أن لبنان يحتاج إلى مساعدات بين 25 و30 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة للخروج من الأزمة.
وتابع: "لبنان يرحب بجميع المساعدات المالية الدولية بدون استثناء".
وأوضح: "لكن فيما يتعلق بموضوع صندوق النقد الدولي يتوقف ذلك على أمور متعددة، منها أن يكون التفاهم مع صندوق النقد الدولي، إذا لبنان لجأ إليه، لا يؤثر سلبا على الوضع السياسي في لبنان".
وأكد وزير المالية اللبناني أنه ينبغي ألا تؤثر الشروط أيضا على "الوضع الاجتماعي والمعيشي" وأن يكون هناك "تفاهم سياسي" على أي برنامج، وأضاف أنه يجب ألا يفرض الصندوق "الشروط التقليدية" مثل زيادة الضرائب أو الخصخصة.
ويعتقد محللون كثيرون أن برنامجا من صندوق النقد هو السبيل الوحيد للبنان للحصول على دعم مالي، لكنه يقابَل بمعارضة من جماعة حزب الله القوية التي تدعم الحكومة.
ولا تبدو أي مؤشرات على صفقة إنقاذ للبنان من دول قدمت له الدعم في الماضي.
وتقول تلك الدول إن على الحكومة تطبيق إصلاحات قبل تقديم أي مساعدة هذه المرة.
سعر الصرف
وعلق لبنان مدفوعات سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار كانت مستحقة في 9 مارس/آذار الجاري، قائلا إن احتياطيات النقد الأجنبي منخفضة للغاية وهي ضرورية لتغطية الواردات الأساسية، ودعا إلى محادثات مع الدائنين لإعادة هيكلة الدين.
وقال وزني إن خطة الحكومة سَتُطرح أيضا على حاملي السندات الذين بدأ التواصل المبدئي معهم عبر المستشار المالي بنك الاستثمار الأمريكي لازارد.
وقال: "عندما تريد التواصل بشأن مسألة الدين العام أو إعادة هيكلته، فعليك أن تقدم للدائنين برنامجا مقنعا ومعقولا وشاملا".
وأضاف: "إذ وصلت المفاوضات إلى مسار منتظم.. وكان هناك اتفاق مع الدائنين، فسيمكننا تجنب التقاضي".
وبلغت الأزمة التي تختمر منذ فترة طويلة أوجها العام الماضي، مع تباطؤ التدفقات المالية واندلاع احتجاجات ضد النخب الحاكمة بسبب عقود من الفساد وسوء الإدارة.
وفقدت الليرة اللبنانية حوالي 40% من قيمتها في السوق الموازية مقارنة مع سعر الصرف الرسمي المربوط عند 1507.5 ليرة للدولار، والذي ما زال يستخدم في شراء الوقود والقمح والأدوية.
وجاهد المستوردون، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن الاستفادة من الجهاز المصرفي، لمواكبة ارتفاع سعر الدولار.
ومع تزايد ندرة الدولار، تباطأت سلسلة الإمدادات المعتمدة على الاستيراد في لبنان وكادت تتوقف.
ويقول متعاملون في المواد الغذائية إنهم خفضوا حجم الواردات بما بين 30 و40%.
وقال وزير المالية اللبناني "حاليا، سنُبقي على هذه السياسة (ربط العملة) من أجل عدم زيادة التضخم، ونفكر بسياسة مرنة لاحقا".
لكنه أضاف أنه "من الصعب جدا تحديد الفترة الزمنية أو التوقيت المناسب" لتخلي لبنان عن الربط".
وأوضح: "نعتمد السياسة المرنة بالمرحلة المقبلة عندما يكون وضع المالية العامة أصبح أكثر انضباطا، عندما يكون الوضع الاقتصادي قد تحسن، عندما تكون التدفقات المالية من الخارج أتت".
ويقول مستوردو السلع الأساسية مثل الإمدادات الطبية إن طلباتهم للحصول على الدولار لم تلب بالكامل تقريبا منذ شهر فبراير/شباط الماضي الأمر الذي أدى إلى انخفاض خطير في كل شيء بالمستشفيات من دعامات القلب إلى معدات غسل الكلى.
وقال وزني إن الحكومة اتخذت خطوة الأسبوع الماضي في اتجاه إصلاح قطاع الكهرباء، وهو أحد أكبر مستنزفات خزائن الدولة، بالموافقة على إقامة منشآت لتحويل توليد الكهرباء إلى الغاز الطبيعي بدلا من زيت الوقود مرتفع التكلفة.
وقال إن تكاليف خدمة الدين بالليرة اللبنانية انخفضت أيضا بنسبة 25%.
وأضاف أن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، الذي يواجه انتقادات من بعض السياسيين على خلفية سياسات البنك المركزي، سيظل في منصبه.
وأكد أنه "باق بدون شك".
وفي حين أن لبنان لا يصدر بيانات اقتصادية مهمة حديثة تذكر، ترسم لقاءات مع أكثر من 20 من أصحاب الشركات والقيادات النقابية والاتحادات الصناعية والتجار صورة لأزمة اقتصادية ومالية ليس لها مثيل من قبل منذ استقلال البلاد في 1943.
وتعرضت الشركات المتضررة لضربة جديدة هذا الأسبوع إذ أمر لبنان المراكز التجارية والمطاعم وغيرها بإغلاق أبوابها لوقف انتشار فيروس كورونا كما أوقف الرحلات الجوية من أشد الدول تضررا بالمرض.
خوف
وظلت البنوك اللبنانية تجتذب تدفقات هائلة من الخارج لسنوات وذلك بعرض بعض من أعلى أسعار الفائدة في المنطقة الأمر الذي سمح للبنان بسداد قيمة الواردات رغم صادراته المنخفضة.
غير أن التدفقات انخفضت بشدة في السنوات الأخيرة مع تراجع النمو الاقتصادي بفعل اضطرابات إقليمية والحرب الدائرة منذ 9 سنوات في سوريا وتوتر العلاقات مع دول الخليج الغنية.
وفي الوقت نفسه، بدأ اللبنانيون في المهجر الذين كانوا يدعمون الاقتصاد بتحويلاتهم يحجبون أموالهم، إذ بدأت البنوك تفرض قيودا مشددة تحد في الوقت الحالي من سحب العملاء العاديين للأموال على ما يصل إلى 100 دولار فقط في الأسبوع.
ويقول رجال الصناعة إنهم يكافحون للحصول على المواد الخام. ويشكو المستهلكون والشركات من ارتفاع الأسعار وانخفاض المبيعات.
وتقول النقابة الرئيسية التي تمثل أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي إن 785 مطعما ومقهى وملهى على الأقل أفلست في الفترة من سبتمبر/أيلول 2019 حتى فبراير/شباط الماضي وإن 240 منها أغلقت أبوابها في شهر يناير/كانون الثاني الماضي وحده.
وقالت مايا بخازي الأمين العام للنقابة "سيحدث مزيد من البطالة. ستحدث هجرة كبيرة وسيبحث الناس عن العمل في الخارج وبدأنا بالفعل نشهد ذلك. سنخسر دفعة ثانية من العمال المهرة الذين كنا نود الاحتفاظ بهم في البلاد".
نفاد القمح
من بين المؤشرات الكاشفة لتزايد الوضع الحرج للتدفقات الدولارية، ما يصفه التجار بأنه توقف شبه تام في التدابير التي بدأ المصرف المركزي العمل بها في سبتمبر/أيلول الماضي لضمان توفير النقد الأجنبي لتمويل السلع الأساسية مثل الدواء والوقود والقمح.
وقال بول منصور صاحب مطاحن التاج "المصرف المركزي أوقف التحويلات لكل العمليات المرتبطة باستيراد القمح منذ نحو شهر. توقفت بالكامل ولذلك نحن بصدد نفاد المخزون".
وقال منصور إن المطاحن العاجزة عن سداد مستحقات الموردين الأجانب تدرس مطالبة الحكومة باستيراد الحبوب.
وأضاف: "المخزون انخفض وسينفد خلال 40 يوما".
وتبدو مدن كثيرة خارج بيروت أكثر تضررا. ففي صيدا جنوبي العاصمة أصبح سوق المدينة الذي لم تكن الحركة تهدأ فيه يمتلئ بواجهات العرض الخاوية المعروضة للإيجار.
وقال صاحب متجر اسمه عبدالله مرزوب "حتى المحال التي لا تزال تجدها مفتوحة عاجزة عن بيع أي شيء".
وقال علي الشريف رئيس جمعية تجار صيدا إن 120 متجرا من بين 600 متجر في المدينة أغلقت منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي وتوقع أن يتضاعف العدد في الأشهر القليلة المقبلة.
وقال: "نتجه لانهيار أكبر وأكبر".