انتخابات لبنان.. هدوء وإقبال ضعيف وسط "بلطجة" من حزب الله
مليشيا حزب الله مارست التضييق على الناخبين، لإجبارهم على التصويت لمرشحي الحزب، خاصة في دائرتي البقاع الشمالي والجنوب.
قبل ساعات قليلة من إغلاق صناديق الاقتراع للانتخابات النيابية في لبنان، حققت الحكومة اللبنانية نجاحاً في إدارة العملية الانتخابية، التي أجريت بهدوء، من دون أي خلل أمني يعكّر صفو هذا الاستحقاق الديمقراطي، باستثناء بعض الإشكالات الفردية التي لم تحل دون استمرار التصويت.
لكن ظهر إقبال الناخبين على الصناديق متواضعاً حتى ساعات بعد الظهر، وأقلّ بكثير من المتوقّع، وهو ما شكّل مفاجأة غير متوقعة لكلّ القوى السياسية، خصوصاً الأحزاب والتيارات السياسية في فريق "14 آذار"، الذي يعوّل كثيراً على كثافة الاقتراع، خصوصاً في بيروت التي تحدد الانتخابات هويتها وتموضعها السياسي.
كما تعول التيارات السياسية على بيروت فيما إذا كانت ستجدد البيعة لتيار "المستقبل"، وما يمثّله من امتداد عربي، أو أنها ستقلب الموازين لصالح مليشيا حزب الله الإرهابي الذي يستميت في السيطرة على قرار بيروت وإلحاقها بالمشروع الإيراني أو ما يسمى "محور الممانعة".
وفتحت لجان الاقتراع أبوابها أمام الناخبين عند الساعة السابعة صباحاُ بتوقيت بيروت، وسط إجراءات أمنية مشددة فرضتها وحدات الجيش اللبناني في محيط مراكز الاقتراع، وأمنت وصول المواطنين بسهولة إلى الصناديق، فيما تولت عناصر قوى الأمن الداخلي الحماية داخل أقلام الاقتراع، التي حضر إليها باكراً رؤساء الأقلام ومندوبو اللوائح والمرشحين.
وبعد مضي ساعتين على فتح اللجان بقي الإقبال على العملية الانتخابية خجولاً جداً، لم يتجاوز نسبة الـ15 %، لكنه بدأ بالتحسّن بعد وصول القيادات السياسية التي أدلت بأصواتها، كلٌّ في منطقته.
وأدلى الرئيس اللبناني ميشال عون في منطقة حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، وأكد بعد الإدلاء بصوته "ضرورة أن يمارس كل اللبنانيين صلاحياتهم الانتخابية"، واصفاً الاقتراع بـ"الواجب المقدس الذي إذا ما أهملوه تنازلوا عن حقهم في المحاسبة".
ودعا الرئيس اللبناني المواطنين إلى "منح الصوت التفضيلي لمن يلبي تطلعاتهم السياسية".
أما رئيس الحكومة سعد الحريري، فوصل إلى مدرسة ثانوية شكيب أرسلان في منطقة فردان، وبقي منتظراً بالصف بين المواطنين لنحو نصف الساعة يحادثهم ويلتقط الصور معهم، إلى أن وصل دوره وأدلى بصوته، وبعد عملية التصويت وصف الحريري العملية الانتخابية بـ"العرس الوطني".
وقال الحريري: "قمت بواجبي الانتخابي كأي لبناني، أنا أرى أننا إذا نظرنا لما يحصل حولنا، ورأينا أن لبنان يقوم بانتخابات ديمقراطية، نجد أن البلد بألف خير، وعلى كل مواطن لبناني أن يقدم على الانتخاب ليؤدي واجبه الوطني ويصوت لمن يريد، وهذا ما يجعل البلد بعافية".
وشكر الحريري "كل القائمين على العملية الانتخابية من وزارتي الداخلية والخارجية وقوى الأمن والجيش اللبناني والمندوبين والمراقبين الدوليين والقضاة، وكل المؤسسات".
مشكلات أمام اللجان
ولم يحل ضآلة الإقبال على الانتخابات دون التنافس بين مندوبي اللوائح في الخارج الذين لم ينفكوا عن محاولة إقناع المتوافدين في الاقتراع إلى اللوائح التي يعملون لصالحها، لكنّ ذلك لم يؤثر في قناعات الناخبين الذي حضروا بقرار مسبق لمن سينتخب كلّ منهم.
وتسبب مندوبو المرشحين أمام اللجان في بلدة لاسا الشيعية في قضاء جبيل، في إغلاق صناديق الاقتراع لبعض الوقت، بسبب الضغوط التي مارسها مندوبو "حزب الله" على الناخبين، من أجل التصويت لمرشّح الحزب حسين زعيتر، الذي يلاقي ترشيحه اعتراضاً حتى من القاعدة الشيعية في جبيل، لكون هذا المرشّح استقدمه الحزب من البقاع ليفرضه عليهم، ويتجاهل أبناء المنطقة رغم كفاءاتهم العلمية والسياسية.
كما أن ما حدث في جرود جبيل انسحب على بلدة برجا (السنيّة) في قضاء الشوف - جبل لبنان، بين مناصري "تيار المستقبل" من جهة، ومناصري المرشّح علي الحاج الذي يتباهى بأنه مرشّح رئيس النظام السوري بشّار الأسد عن المقعد السني في هذه الدائرة، ما أدّى إلى إغلاق أحد مراكز الاقتراع لبعض الوقت، قبل أن يطوّق الجيش اللبناني الإشكال ويُعاد فتح المركز.
وتسبب التنافس بين لائحتي "الكتلة الشعبية" والقوات اللبنانية" الى إشكال فردي ومحدود في مدينة زحلة (البقاع)، سرعان ما طوقه الجيش اللبناني ومنع تطوره.
وتعدّ هذه الانتخابات بمثابة الاختبار الجديد للبنانيين، بعد حرمانهم من ممارسة هذا الحقّ منذ عام 2009، بسبب التمديد للمجلس النيابي الحالي لمرتين في عام 2013 (مددت ولاية المجلس 18 شهراً، ثم مدد المجلس لنفسه في عام 2015 لـ30 شهراً، ليصبح التمديد أربع سنوات، أي ولاية كاملة من عمر البرلمان)، وقد واجه هذا التمديد انتقاداً واسعاً داخلياً ودولياً.
حيادية تامة
ووضعت كل الوزارات وأجهزة الدولة اللبنانية في أعلى درجات التجهيز والاستعداد والاستنفار، لمواكبة اليوم الانتخابي الطويل.
كما زار الرئيس اللبناني ميشيل عون غرفة عمليات المراقبة، وتلقى الشكاوى في وزارة الداخلية، واطلع على سير عملها بحضور وزير الداخلية نهاد المشنوق.
وأبدى عون ارتياحه لأداء غرفة العمليات بموظفيها وضباطها وعناصرها، بما يؤكد حرص الدولة على حماية اللبنانيين وحقهم في اختيار ممثليهم في الندوة البرلمانية.
وشملت جولات وزير الداخلية نهاد المشنوق، مراكز المحافظات في صيدا (جنوب لبنان) وطرابلس (الشمال) وبعبدا (جبل لبنان)، وأشرف على عمل الأجهزة في هذه المناطق.
وقال المشنوق، إن الناخبين ورؤساء الأقلام واجهوا بعض المشكلات الإدارية الطفيفة، بسبب القانون الجديد وثغراته التي اكتشفت خلال التطبيق، لكنها لا تؤثر على سلامة العملية الانتخابية.
وأفادت مصادر وزارة الداخلية لـ"العين الإخبارية"، بأن الوزارة "نجحت في اختبار إدارة الانتخابات رغم كل التحديات السياسية التي واجهتها، ومحاولات بعض القوى إجهاض مهمتها، لتحميل الفريق السياسي الذي ينتمي إليه الوزير المشنوق (تيار المستقبل) مسؤولية الإخفاق".
وفي ردّ غير مباشر على اتهامات بعض المرشحين بينهم رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، والوزير السابق أشرف ريفي، لوزير الداخلية نهاد المشنوق باستخدام الوزارة والأجهزة الأمنية ضدّهم ومحاولة إضعافهم؛ أكدت المصادر أن الداخلية "قادت الانتخابات بحيادية تامة، وكانت على مسافة واحدة من جميع المرشحين".
وقالت المصادر إن الوزارة أبدت استعدادها لتلقي أي شكوى ومعالجة أي خلل أو تجاوز يحصل من أي فريق.
وتجري الانتخابات، تحت مراقبة حثيثة لمؤسسات وهيئات محلية ودولية، أبرزها "المؤسسة اللبنانية لمراقبة ديمقراطية الانتخابات"، و"بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات اللبنانية"، ووفود أخرى تابعة للأمم المتحدة وجامعة الدول لعربية، التي وزعت عملها بين وزارة الداخلية ومراكز المحافظات وأقلام الاقتراع، مواكبة لسير العملية في كل المناطق.
حزب الله يضايق الناخبين
وسجّل اليوم وصول عشرات الحافلات الكبيرة من سوريا إلى لبنان، تقل آلاف السوريين الذين حصلوا على الجنسية اللبنانية في زمن الوصاية السورية على لبنان، ووصلت بعض الحافلات إلى مدينة طرابلس لانتخاب المرشحين الموالين للنظام السوري، وكان ركابها يهتفون بحياة بشار الأسد، فيما أتت حافلات من محافظة السويداء السورية إلى بلدة الجاهلية في جبل لبنان، للتصويت للائحة الوزير السابق وئام وهاب الموالي للنظام السوري، بالإضافة إلى حافلات وصلت إلى البقاع بمنح أصواتها للمرشّح السني عبدالرحيم مراد، حليف بشار الأسد و"حزب الله".
وأكدت مصادر ميدانية لـ"العين الإخبارية"، أن مناصري "حزب الله" كثفوا المسيرات السيارة في دائرتي البقاع الشمالي والجنوب (معاقل الحزب)، ودعوا الناس إلى الإقبال بكثافة على الصناديق، ورفع مستوى التصويت للوائح المقاومة، وقطع الطريق على أي خرق للمنافسين.
ولفتت المصادر إلى أن الناخبين المعارضين للحزب تعرضوا لمضايقات على أبواب أقلام الاقتراع، بفعل التدافع المتعمّد، والتضييق على المندوبين في الخارج، بحجة أنهم لا يملكون تراخيص رسمية، وذلك بهدف منع المندوبين المذكورين من توجيه الناخبين، ومساعدة العاجزين من الوصول إلى الصناديق.