إحماء في دكة البدلاء.. هل قرر الحريري ترك حلبة تشكيل الحكومة؟
تسعة أشهر على تكليف سعد الحريري بتشكيل حكومة لبنان، ولا خطوة نحو التأليف، بينما يتصاعد الحديث عن بدلاء لرئيس "تيار المستقبل".
الحديث عن إمكانية توجه الحريري للاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة من عدمه، ألهب بورصة البحث عن بديل، وسط ترشيح أسماء بعينها، لكن اللقاءات المكثفة التي قام بها الرئيس المكلف أمس السبت، أربكت المؤشرات.
والتقى الحريري مرجعيات سنية؛ دينية وسياسية، على وقع المعلومات التي انتشرت في الساعات الماضية عن بدئه درس خيار الاعتذار بشكل جدي.
وتوجت تلك اللقاءات ببيان لـ"المجلس الإسلامي الشرعي" يدعم الحريري بقوة ويرفض المس بصلاحياته، ويهاجم بوضوح رئيس الجمهورية، دون أن يسميه، وينتقد محاولات فرض أعراف جديدة في تأليف الحكومة.
وقالت مصادر خاصة لـ"العين الإخبارية" إن الحريري وضع المجلس الشرعي خلال اللقاء في أجواء نيته للاعتذار؛ غير أن قراره قوبل بالرفض، ما كبح هذا الخيار وإن كان مؤقتا.
والتقى رئيس الحكومة المكلف بعد ذلك، رؤساء الحكومة السابقين حيث بحث معهم الموضوع نفسه في اجتماع انتهى من دون أن يصدر عنه أي موقف أو بيان.
لكن هذه الفرملة لا تعني أن خيار الاعتذار لم يعد واردا بالنسبة إلى الحريري، بحسب ما يؤكد أكثر من مصدر بينهم قياديون في "تيار المستقبل"، الذي تقول مصادره لـ "العين الإخبارية" إن القرار الحاسم سيتخذ خلال أيام.
ثلاثة أسماء في البورصة
ومنذ انتشار الأنباء عن اعتذار الحريري، بدأ الحديث في الإعلام والكواليس عن السيناريوهات المتوقعة لما بعد ذلك؛ ومن هي الشخصية السنية التي ستتولى هذه المهمة، لا سيما أن هناك قناعة أو أعرافا في لبنان بضرورة أن يتولى الزعيم القوي في طائفته هذا المنصب، على غرار الطائفة المسيحية في رئاسة الجمهورية والشيعية في رئاسة البرلمان.
وإضافة إلى التوقعات التي تؤكد دخول لبنان في مرحلة مجهولة في حال اعتذار الحريري، فقد رٌوج لبعض الأسماء التي يمكن أن تكون بديلا للتكليف بتشكيل الحكومة، على رأسها السفير السابق في الأمم المتحدة نواف سلام، وهو الذي كان قد طرح اسمه قبل تكليف الحريري وحتى قبل تكليف السفير السابق مصطفى أديب الذي عاد واعتذر، علما بأن أبرز المعترضين على سلام كان حزب الله الذي يعتبره مدعوما من أمريكا.
معلومات أخرى أشارت إلى أن صهر الرئيس ميشال عون النائب جبران باسيل يحاول التقرب من النائب فيصل كرامي، المعروف بسياسته المعارضة للحريري، والمقرب أيضا من حزب الله لتولي المهمة.
كما طرح اسم وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي الذي عاد وأكد أنه غير مرشح لرئاسة الحكومة.
وفي هذا الإطار، قال النائب في تيار المستقبل سامي فتفت، إن هناك طبخة "يطبخها" باسيل مع كرامي بما يوحي بأن لديه نية لتقديم نفسه مرشحاً لرئاسة الحكومة.
وبانتظار ما ستؤول إليه المشاورات السياسية وخيارات الحريري، تقول مصادر نيابية في كتلة رئيس البرلمان نبيه بري الذي يدعم الحريري منذ تكليفه وتولى في الفترة الأخيرة مهمة العمل على حل، أنه انطلاقا من المعلومات المتوفرة ليس هناك من اعتذار من قبل رئيس تيار المستقبل، في المدى المنظور، وبري ليس في هذه الأجواء حتى الساعة.
واعتبرت المصادر ذاتها أن اعتذار الحريري، يعني الهزيمة أمام باسيل والرئيس ميشال عون، اللذين يحاربونه منذ تكليفه.
وتضيف المصادر لـ "العين الإخبارية": "إذا قام الحريري بهذه الخطوة يعني أنه رمى الكرة في ملعب العهد الذي لن يكون قادرا على تأمين البديل وسيدفع ثمن مغامراته السياسية الخاسرة لبنان واللبنانيون، وهما (عون وباسيل) لطالما حملا شعار القوي في طائفته، وتحديدا عند الانتخابات الرئاسية التي عطلوها وصولا إلى انتخاب عون رئيسا".
اعتذار منسق
في المقابل، تقول مصادر مواكبة لمشاورات الحكومة، إن الحريري إذا أقدم على الاعتذار فهو لن يقوم بهذه الخطوة إلا إذا كان متفقا عليها مع حلفائه والمقربين منه، وعلى رأسهم رؤساء الحكومة السابقين والرئيس بري، إضافة طبعا إلى المجلس الشرعي الذي قال كلمته أمس بدعمه الاستمرار بمهمته وبالتالي رافضا اعتذاره.
ومع تأكيدها أن اعتذار الحريري سيدخل لبنان في مصير مجهول أكثر حدة، ترى المصادر أن هذه الخطوة إذا حصلت لا يعني إبعاد الرجل، وإنما سيفرض الاتفاق على شخصية يرضى بها هو أولا، ويدعمها انطلاقا من موقعه كزعيم للسنة، وهذا الاسم قد يكون نواف سلام، فيما ستكون أية محاولة من قبل باسيل للدفع باتجاه تكليف النائب كرامي مغامرة غير محسوبة النتائج، ولن يرضى عنها ليس فقط المراجع السنية إنما أيضا حليفه حزب الله.
البديل الأبرز
وتنطلق المصادر من فكرة إمكانية التوافق على سلام من بعض المعطيات، أبرزها أن اسمه كان قد طرح سابقا وتحديدا بعد الانتفاضة الشعبية عام 2019 من قبل عدد من الأحزاب في لبنان، وهو من المقربين للولايات المتحدة الأمريكية.
وقد خرج سلام للمرة الأولى قبل أيام في مقابلة تلفزيونية على اللبنانيين وهم الذين لا يعرفون عنه الكثير باستثناء أنه سفير سابق، وأكد أن الحكومة المقبلة يجب أن تكون من مستقلين.
كما رأى أن المطلوب من الحكومة الجديدة التفاوض مع صندوق النقد، والعمل على جذب الاستثمارات وغيرها، إضافة إلى عناوين أساسية منها استقلالية القضاء وإقرار قانون انتخابي عادل وتشديده على سياسة النأي بالنفس.
وتحمل السيرة الذاتية لنواف سلام ميزات الشخصية المستقلة غير الحزبية، فهو رجل قانون، يشغل منصب قاض في محكمة العدل الدولية في لاهاي، بعد أن شغل منصب سفير ومندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة في نيويورك بين 2007 و2017، ويملك علاقات دولية تساعده على القيام بالمهمة.
وأمام كل هذا الإرباك والمجهول الذي قد يدخله لبنان في ظل الأزمة السياسية، يبقى الترقب سيد الموقف لما ستكون عليه المعطيات في المرحلة المقبلة، أولا لجهة خيار الحريري الذي سيضع الجميع أمام مسؤولياته؛ إما السير بتأليف الحكومة أو الاعتذار.
ومن ثم موقف حزب الله وعون من تكليف الشخصية البديلة؛ وهما اللذان كانا رفضا تكليف سلام، فيما تشير المصادر إلى أنه بعد التعثر الذي واجهه تأليف الحكومة في الأشهر المقبلة، قد يتراجع عون عن موقفه، وقد يلعب رئيس البرلمان نبيه بري، حليف حزب الله، الضمانة لنواف سلام في هذه الحالة.
aXA6IDEzLjU5LjExMS4xODMg جزيرة ام اند امز