حزب الله والترسيم.. من عقبة ملغومة لـ"عنب" مسموم
تساؤلات تفجرها مرونة ومباركة أبداها حزب الله تجاه اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل رغم مواقفه المتشددة من الاتفاق.
وفجأة تحولت تهديدات الأمين العام للمليشيات حسن نصر الله، بعرقلة اتفاق الترسيم مع إسرائيل، إلى وصفه للمرحلة التي وصل إليها الاتفاق بـ "عرس وطني".
اللافت أن المليشيات نفسها أظهرت، في وقت سابق تشددا في التعاطي مع مفاوضات الترسيم، والرفض المعلن للتنازل عن الخط 29، وضرورة الحصول على "ضمان أكبر من الحقوق للبنان"، وإبداء رغبته في عدم الاكتفاء بالخط 23 كحد فاصل لترسيم الحدود بين الجانبين.
لكن الأمين العام للحزب أطل قبل يومين على اللبنانيين بابتسامة عريضة، متحدثا عن ملف ترسيم الحدود البحرية باعتباره "عرسا وطنيا"، واتفاقا تاريخيا تحقق.
وقال: "يجب أن نحتاط؛ لأن هناك من يمكن أن يغير رأيه في كل لحظة.. من البداية قلنا نقف خلف الدولة في موضوع المطالب اللبنانية ودائما كنت أقول نحن بدنا ناكل عنب واستخراج النفط".
ورأى مراقبون أن لبنان تنازل بشكل كبير في اتفاق ترسيم الحدود عن تعيين الخط الحدودي البحري 29 (الذي تبلغ مساحته 1430 كيلومتراً مربعاً) بدلاً من الخط 23.
شعارات تسقط
في تعليقه، قال الخبير الاستراتيجي والعميد المتقاعد ريشار داغر، إن مباركة حزب الله للاتفاق، الذي جرى بعد تدخل أمريكي قوي، هو موقف عملي واقعي تطلبته وتدخلت في صياغته عدد من الاعتبارات الداخلية والإقليمية والدولية.
وتحدث الخبير اللبناني، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، عن 3 عوامل ساهمت في إنجاز اتفاق الترسيم؛ الأول، تمثل في حاجة أوروبا الماسة للغاز في ظل أزمة الطاقة العالمية بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
والثاني، يتابع، يكمن في رغبة إسرائيل التي تتأهب لاستخراج الغاز والنفط من حقل كاريش، في تقديم نفسها كأحد البدائل والمصادر الذي يمكن أن تعتمد عليها أوروبا.
أما العامل الثالث، بحسب الخبير، فهو الداخل اللبناني الذي يعيش تحت وطأة أزمة مالية وانهيار عام، ويبحث عن أي نافذة للخروج من الكارثة.
وبمباركة حزب الله لاتفاق "تاريخي" مع إسرائيل، تسقط شعارات عديدة كان يرفعها الحزب الموالي لإيران.
وقال الخبير الاستراتيجي اللبناني في هذا الصدد، إن "كل الشعارات الأيدولوجية تسقط أمام خط المصالح التي يمكن تحقيقها.
"ورغم مواقف حزب الله الأيدولوجية، فإنه يتصرف ببراجماتية حيال المسائل المصيرية المرتبطة بتفاعلات وعوامل ضاغطة داخليا وخارجيا"، بحسب داغر، مؤكدا أن "حزب الله وافق على اتفاق ترسيم الحدود وباركه مرغما وليس بطلا".
مرحلة جديدة
"داغر" وصف الاتفاق بشكل عام بأنه يمثل "حدثا مهما جدا ومفصليا في مسار العلاقات بين لبنان وإسرائيل"، لافتا إلى أنه في اللحظة التي سيتم فيها التوقيع، ستفتح الآفاق لمرحلة عنوانها الاستقرار وحماية الثروات الوطنية في الدولتين، حيث سنكون أمام مرحلة جديدة مختلفة كليا عنوانها سلام الطاقة بين العاصمتين بيروت وتل أبيب.
ما فسره بالقول إنه بعد بدء العمل في حقل كاريش الإسرائيلي وضخ الغاز لأوروبا، وعقب استخراج الغاز من المياه الإقليمية اللبنانية، ستكون هناك مصلحة مشتركة بين الدولتين للحفاظ على الاستقرار والسلام لفتح المجال أمام الاستثمارات.
وبسؤاله عن دوافع التدخل الأمريكي القوي لإبرام الاتفاق، اعتبر أن التدخل الأمريكي بهذا الشكل يأتي في إطار مسار استراتيجي يهدف تأمين مصادر جديدة للطاقة، تحرم روسيا من ورقة القوة النفطية التي تملكها، وفي الوقت نفسه حماية الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف: "تسعى واشنطن لحرمان موسكو من أحد أبرز عناصر قوتها، الأمر الذي سينعكس على مسار الحرب الأوكرانية في تقديرها".
اعتراف
وكانت أطراف بارزة في المعارضة اللبنانية قد أكدت أن حزب الله اعترف بإسرائيل بشكل كامل بعد إعلان موافقته على اتفاق ترسيم الحدود البحرية.
وأكد رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميّل ، في حديث لإحدى القنوات المحلية، أمس الأربعاء، أن "الأمر الوحيد الذي نحفظه اليوم هو أن حزب الله اعترف بإسرائيل بشكل كامل".
وأشار إلى أن حزب الله "أعلن موافقته على الاتفاق وانتقل على الصعيد الأيدولوجي إلى مرحلة جديدة، وسنرى كيف سيتعاطى فيها مع جمهوره وكوادره".
من جهته، وحول مقاربة "حزب الله" للترسيم وإعلانه الاصطفاف خلف الدولة، قال سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية في تصريحات تلفزيونية، الأربعاء: "الحزب اعتمد هذه الخطوة باعتبار أن لها انعكاسات اقتصادية، بعد أن أدرك تماما أن لبنان بات في الحضيض الاقتصادي، وأكثرية الرأي العام يحمله مسؤولية الانهيار، الأمر الذي أجبره على إيجاد مخرج ما، وهو تسهيل عملية استخراج الغاز والنفط".
وفي وقت سابق، قال مكتب الإعلام في الرئاسة اللبنانية إن "الصيغة النهائية للعرض مرضية للبنان وتلبي مطالبه وحافظت على حقوقه في ثروته الطبيعية".
aXA6IDE4LjIyNi4yMjIuNzYg
جزيرة ام اند امز