معارضو "حزب الله" الشيعة.. كلٌ سواء تحت المقصلة (2)
لا فرق بين شيعي أو سني؛ فحين يتعلق الأمر بانتقاد "حزب الله" يتحول الجميع إلى مدانين بالإعدام جسديا أو معنويا.
ضغوط ومضايقات تصل إلى حد التهديد والتخوين والطرد من مناطق نفوذ حزب الله، يتعرض لها كل من تسول له نفسه الجهر بمعارضة أو حتى انتقاد ممارساته، وإن كانوا حتى من الطائفة الشيعية التي تنتمي لها ذراع إيران، خصوصا عند الأزمات السياسية والمنعطفات الحاسمة.
"العين الإخبارية" تفتح، على حلقتين، ملف قمع حزب الله لمعارضيه عبر تحقيق لمؤسسة "أضواء" المعنية بالتحقيقات الاستقصائية في الشرق الأوسط، نشرت الحلقة الأولى منه، وتنشر في ما يلي الثانية.
حلقة أولى من التحقيق استعرضت حالات لشخصيات شيعية معارضة للحزب في لبنان تعرضوا للضغط من التهديد إلى الاغتيال دون تمييز بين امرأة ورجل وإعلامي ورجل دين.
أما الثانية، فتعرض شهادات لمعارضين شيعة كانت لهم أيضا حصصهم من هذه الضغوط لمجرّد انتقادهم سياسة الحزب.
لونا صفوان: هذا ما كلفني
لونا صفوان التي تتحدر من البقاع اللبناني، تحدثت عن تجربتها المثقلة بضغوط تتعرض لها من بيئتها والأقارب ووصلت حد الإساءة إليها.
تقول: "عائلتنا الصغيرة لم تكن يوماً تؤيد حزب الله أو أي حزب آخر في لبنان، بل نحن من خلفية علمانية أو لا دينية، ولكن في العائلة الكبرى هناك تأييد للحزب وهو ما أدى إلى استيائهم من مواقفي مع انطلاق الانتفاضة الشعبية في أكتوبر (تشرين أول) 2019".
وتضيف مستكملة الجزئية الأخيرة " قرّر شخصان من العائلة الكتابة عني بشكل مسيء عبر تويتر، علما أن مواقفي هي نفسها منذ 2010 وكنت داعمة للثورة السورية، وانتقدت بشدة تدخل حزب الله في هذه الحرب، ولم يحصل مثل هذا الهجوم ضدي".
لونا ذكرت أنها درست في كلية الإعلام الفرع الأول، حيث البيئة مؤيدة لحزب الله وحركة أمل (شيعية أيضا)، "وكانت مواقفي عالية السقف ضدهما وهو ما أدى إلى تأخر تخرجي من الجامعة بسبب ضغوطات من بعض الأساتذة الذين ينتمون لنفس البيئة (الحزب والحركة)."
وبالعودة إلى العائلة، تتابع، "رغم القيود التي كنت أضعها والتي أعتبرها كافية لعدم التأثير علي، إلّا أن ما حدث في عام 2020 تجاوز موضوع الضغوط ووصل حد الإساءة عبر التعليقات".
وأردفت: "لم أذكر يوماً أن أفرادا من أسرتي انضموا للحزب، احتراماً لهم، لكن أفرادا منهم خرجوا وأعلنوا ذلك وذكروا أن أحد أخوالي شهيد لحزب الله، والآخر شيخ معروف، وتبرأوا مني باسم العائلة رغم أنهم لا يمثلون جميع أفرادها، كما استهدفوني بحملة تشهير واسعة عبر تويتر واستخدموا هاشتاق مسيئاً".
لونا كشفت أيضا تعرضها لتهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قائلة: "كانت تصلني صور متحركة لسيارات تنفجر، إضافة إلى رسائل تتهمني بالخيانة وتهددني بالقبر."
"يبقى الأسوأ"، تستطرد لونا، "هو الإيحاء بأنني أتعامل مع إسرائيل، وذلك على خلفية إعادة نشر تغريدة لي من قبل تلفزيون إسرائيلي، حيث استغل ناشطو حزب الله هذا الأمر وأطلقوا حملة تتهمني بالعمالة وتدعو القوى الأمنية إلى سجني".
ولفتت إلى أن "العديد من الناس لم يكونوا على علم أيضا بطائفتي، وكانوا ينسبونني إلى طوائف أخرى ويتهموني بالطائفية، وهذا ما دفعني إلى الإعلان عن طائفتي (شيعية) لأؤكد أنني من هذا النسيج والطائفة، وأرفض ما يقوم به حزب الله وهذا من حقي".
وعن شعورها بالخوف على حياتها في هذه المرحلة، تقول: "بعد اغتيال لقمان سليم (الباحث والناشط السياسي اللبناني) وما كان يمثله، سألت نفسي لماذا أعرض نفسي للخطر ؟"، قبل أن تقرر العودة إلى قرارها الأساسي منذ موجة احتجاجات 2011، باعتبار أن كل إنسان حر وله الحق في أن يعبر عما يفكر به وطالما لم أتسبب بأي أذى أو تهديد لأحد، فسأبقى أعبر عن رأيي وإلاّ لن يكون لي أي مكان في مهنتي التي اخترتها".
وبرأي لونا، فإن منشوراتها باللغة الإنجليزية سبب أساسي في الهجوم عليها، مشيرة إلى أن المليشيات وأنصارها "كانوا يحرصون على الرد علي بالإنجليزية لتصويري كأني من الخوارج في طائفتي والإيحاء للقارئ الأجنبي وخصوصاً الغربي بأني مخطئة".
علي مظلوم: كلفة "الخروج"
من عنصر ونجل قائد في حزب الله إلى معارض يكشف فساده الذي عايشه عن قرب، يواجه علاء مظلوم حملات ضده من قبل قياديي المليشيات ومناصريه وهو ما أدى به إلى سجونها.
يقول مظلوم إن والده الذي كان مسؤول العمليات في منطقة البقاع الغربي، توفي عام 1999 حين كان يبلغ من العمر 11 عاما، لتبدأ رحلته الشخصية مع الحزب ويصبح عنصرا منظما عام 2006.
لكن تجربته لم تكن عادية، واختار المواجهة رفضا لما يقول إنه فساد داخل الحزب، وعلى رأسها سرقة أموال "مؤسسة الشهيد" (تقدم مساعدات لأهالي شهداء المقاومة)، مضيفا: "عليك إما البقاء كالغنم أو أن تطرد من الحزب".
وأشار إلى أن الخلافات مع الحزب بدأت تتفاقم وصولا إلى العام 2014 حين قرر تركه.
ومستدركا: "لكن الخلافات تجددت في 2015 عندما كنت برفقة أحد أصدقائي بسوريا، حيث تم توقيفنا على خلفية حملي السلاح فيما عثر مع صديقي على كمية من الحشيش".
وتوضيحا للجزئية الأخيرة: "تم توقيفي في سوريا لشهرين ونصف، وبعدها خرجت لثبوت براءتي، لكن بعدما وصلت إلى لبنان استلمني حزب الله واتخذ قرارا بسجني علما أن قرارا كهذا لا يؤخذ عادة من قبل الحزب إلا بعد إجراء التحقيقات وهو ما لم يحصل معي، وسجنت لـ9 أشهر و17 يوما وخرجت عام 2016" .
"ومنذ ذلك الحين"، يكمل، "بدأت أعلن مواقفي العلنية ضد الحزب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأتحدث تحديدا عن فسادهم وكذبهم وقرروا محاسبتي وسجني وأنا لم أعد أساسا عنصرا في الحزب".
ومضى يقول: "مواجهتي لهم بدأت عبر حساب وهمي عام 2016 يحمل اسم عبير منصور عبر موقع فيسبوك، لكنهم عرفوا هويتي الحقيقية ورفع عدد من المسؤولين دعاوى ضدي بينهم مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، والصحفي في الحزب علي شعيب، بينما حاول أشخاص من قبلهم التفاوض معي وعرضوا عليّ المال للتوقف عن مهاجمتهم بينهم وزير سابق".
ولم تكتف المليشيات بذلك، بل قال له أحدهم: "إذا تمسكت بمواقفك فسنعيدك إلى السجن وقد يتعدى الأمر إلى أكثر من السجن".
ووفق علي الذي عاد وأنشأ حسابا باسمه الحقيقي عبر فيسبوك، فإن قياديا في الحزب كان صديقا لوالده حذّره سرا من أن أمرا ما قيد الإعداد له إذا لم يتوقف عن إعلان مواقفه، وطلب مني أحد المسؤولين الانتباه وأبلغني بأن هناك قرارا بتصفيتي لجرأتي على التحدث بمواضيع من داخل الحزب ومرتبطة بمسؤولين فيه رغم أني أستبعد قيامهم بهذا الأمر".
وعن السبب الذي يجعل حزب الله يتعامل معه بحذر، يوضح علي: "أنا من منطقة بريتال المعروفة بعشائرها وانقسامها بين مؤيدين للحزب ومعارضين له، وهذا ما يأخذه الحزب بعين الاعتبار علما أنه مورست علي ضغوط من قبل العائلة"، مشيرا إلى أنه يحصل على معلوماته من أشخاص داخل الحزب.
ومضى يقول: "هم يكرهون بعضهم البعض ويفضحون بعضهم أيضا"، لافتا إلى أنه تعرض للضرب على طريق المطار ويرجح أن وراء ذلك عناصر تابعة لحزب الله.
وختم بالتأكيد أن المليشيات "حاولت معي بشتى الطرق والوسائل، لكنني لن أتوقف عما أقوم به وسأستمر بفضحهم".
aXA6IDE4LjIyMS4xODMuMzQg جزيرة ام اند امز